تعاني بلادنا من أزمة اقتصادية خانقة يتمثل أبرز مظاهرها في انعدام الأرصدة النقدية لدى الخزينة العامة للدولة ، وهو الأمر الذي يضغط على الحكومة كما على الشعب ويعرقل الكثير من الجهود الرامية إلى إعادة تنشيط الدورة الاقتصادية بالشكل الفعال ، كما أنه يدفع الحكومة نحو الدول الاقليمية والجهات الدولية المانحة بحثاً عن التمويل . في هذه الأثناء تتصاعد المطالبات الشعبية والضغوط على الحكومة للتحرك باتجاه استرداد الأموال التي نهبت من قبل صالح وعائلته وأركان نظامه ، خصوصاً وأن هناك تقديرات بأكثر من 50 مليار دولار جمعها صالح خلال سنوات حكمه ال 33 سنة ، فإذا ما أضيف إليها ما جمعته عائلته وبقية أركان نظامه سنكون فعلاً أمام رقم مهول يمكن أن يشكل فارقاً وأن ينقل اليمن إلى حالة أفضل بكل المقاييس . الأسبوع الماضي تناولت بعض وسائل الإعلام الاقليمية والدولية هذه القضية ، استجابة الى تفاعل شعبي يطالب الحكومة بالتحرك لاسترداد هذه الاموال . السؤال الأهم هنا هو: هل الحكومة اليمنية قادرة على ذلك ؟ وهل القضية مرتبطة فقط بتحرك هذه الحكومة أم أن هناك عوائق أمام ذلك؟ في تقديري أن هناك عوائق كبيرة جداً أمام أي جهد أكان حكومياً او شعبياً لاسترداد تلك الاموال ، تتمثل أولاً وقبل كل شيء في غياب المعلومات الدقيقة عن حجم تلك الأموال وأماكن تواجدها ، خصوصاً وأنه لم يكن لدينا اجهزة رقابة حكومية فاعلة ، كما لم تكن لدينا آليات رقابة شعبية قوية ومستقلة . أجهزة الرقابة الحكومية سواء داخل كل مؤسسة من مؤسسات الدولة أو على مستوى الدولة كالجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وغيرها لم تكن فاعلة والجميع يعلم ذلك ولم يكن أحد يضغط باتجاه تفعيلها وتعزيز دورها لأن أغلب إن لم يكن كل من كان يعمل في ظل حكم صالح كان مستفيداً وإن بمستويات متفاوتة، بل إن قضايا الفساد التي كانت تكتشف كان يتم تمييعها . الأخطر من ذلك كله أن صالح وأركان نظامه تمكنوا خلال شهور الثورة من إتلاف كافة المستندات التي قد تدل على تلك الأموال أو تقود إلى الناهبين لها ، كما تمكن صالح من تهريب أموال أخرى خلال الثورة وتحويل ملكيات وأرصدة من اسمه وعائلته الى أسماء أشخاص يثقون بهم. اعتقد أن ماذكر كافياً ليعرقل أي مساع حكومية باتجاه استرداد الأموال بل إن التحرك في ظل هكذا وضع يصبح مكلفاً لأنك اذا فتحت هذا الملف في ظل غياب معلومات دقيقة قد يغلق ولا يفتح مجدداً، وبالتالي علينا قبل التحرك باتجاه استرداد الاموال المنهوبة أن نسعى بجد ونعمل على جمع المعلومات والوثائق التي تثبت وقائع الاختلاس والنهب واماكن تواجد الأموال . العائق الآخر الذي يقف أمام مساعي استرداد تلك الأموال يتمثل في حالة عدم الاستقرار السياسي والامني في البلاد التي تجعل من الصعب التحرك في هذا الملف خصوصاً وأن الاستقرار مرتبط بالمبادرة الخليجية وآلياتها التي ترتكز على التوافق وعلى الحصانة الممنوحة لصالح ، فالجميع داخل اليمن وخارجه مهتم بإنجاز عملية التحول وتحقيق الاستقرار أولاً ، وبالتالي فالخارج غير مستعد إلى الآن لفتح ملف الاموال المنهوبة ، وهذا واضح للجميع بل إن لجنة حكومية قيل إنها زارت بعض دول الجوار مؤخراً لهذا الغرض عادت بخفي حنين . أعتقد أننا مطالبون أولاً بانجاز عملية المصالحة وتحقيق الاستقرار السياسي والأمني ، وإعداد ملفات موثقة عن تلك الأموال المنهوبة قبل التوجه نحو المجتمع الدولي لاستعادتها . قد تثمر جهود الحكومة الحالية ، ونسترد عشرات الملايين ، او حتى مئات الملايين من الدولارات لكنها قد تغلق ملف المليارات المنهوبة . علينا أن لاننخدع بإعلان بعض الدول والجهات عن تجميد بعض الأرصدة والأصول لصالح وعائلته رغم أهمية ذلك ، لأن ذلك قد يغلق الباب امام استرداد كافة الأموال . علينا أولاً أن نرتب أوضاع البيت اليمني كي نتمكن من الذهاب الى المجتمع الدولي والى دول الجوار بشكل أقوى وأكثر تأثيراً ، خصوصاً اذا تسلحنا بالادلة الدامغة التي لايمكن لأي كان معها إلا التسليم وإعادة أموالنا .