تعرف بالتأكيد أن التسويق لا يدعم بإمكانياته الهائلة المنتجات فقط، فالمنتج ليس هو فقط ما تستطيع التسويق والدعاية له، هناك الكثير غير المنتج، تستطيع التسويق للأفكار، الخدمات، الأماكن والبلاد، الأنشطة التطوعية، الفرق الرياضية.. وبالتأكيد الأشخاص وعلى رأس الأشخاص هم السياسيون. من ينجح في جهوده في التسويق للأشخاص، تجده يستخدم التسويق بمفهومه الواسع المحترف، وليس الدعاية بمفهومها الضيق. الفرق الشاسع بين الصنفين يكمن في التقنية التسويقية التي تستخدمها. الصنف الأول: يدرس و يبحث احتياجات البلاد والمناطق، ويطور خصائص ومزايا للمنتج (المرشح السياسي) تناسب وتشبع احتياجات الناس في تلك البلاد، ثم تكتمل هذه التقنية التسويقية الرائعة بإبداعات وأحيانًا جنون وعبقرية الأساليب الدعائية.. أما الصنف الثاني: فيرى أن عليه إنفاق الملايين، والظهور في القنوات الإعلامية بحلله الأنيقة لكي يجذب نظر وانتباه الناس، هذا الصنف لا يفوز سوى بنسبة ضئيلة من أصوات الناس، هو لم يعرف ماذا يريد الناس، وبالتالي أغلب الظن أنّه وجّه إليه الرسائل التسويقية الخاطئة. بعد أن ينتهي المرشحون من فهم احتياجات البلاد، والعمل على تطوير شخصياتهم وصفاتهم كي تلائم هذه الاحتياجات العامة والخاصة، عليهم تطوير رسالة تسويقية قوية وواضحة ومفهومة وسهلة الوصول لهذه الشرائح السوقية المتعطشة. لاحظ في أمريكا، كان كل رئيس ناجح يستهدف شعبه بالرسالة التسويقية الواضحة والقوية التي تناسب احتياجات البلاد في هذه الأوقات، بدءًا من رسائل العدل والقضاء على العنصرية وإنهاء الحروب الأهلية، مرورًا برسائل التفوق والقوة في الحروب العالمية، وبعدها رسائل خاصة بوضع البلاد في مصاف الدول المتقدمة والقوية، ثم رسائل الأمن والقضاء على الإرهاب، وأخيرًا رسائل إنقاذ وتحسين الاقتصاد. مع الرسالة التسويقية القوية، تبدأ حملة دعائية، بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. تبدأ الحملة بالإعلان Advertising، ويجب أن يتم الإعلان بالشكل العلمي المبدع، الذي يُظهر الرسالة التسويقية المناسبة والتي تشبع احتياجات الناس في البلاد بشكل قوى ومؤثر. هناك العلاقات العامة – PR، واستخدام الإعلام – Publicity، والإعلام هنا ليس كما يظن الناس هو التلفاز فقط، ولا حتى الراديو والإنترنت فقط، إنه يتعدى ذلك ليشمل كل الوسائل الإعلامية المتاحة التي يتجمع عندها الناس ويعطوها قدرًا كبيرًا من الثقة، ولذلك فقد يكون الوسيلة الإعلامية هي أشخاص لهم ثقل ويثق فيهم الناس، فيكونون هم الوسيلة الإعلامية أو وسيلة العلاقات العامة التي يعتمد عليها المرشح. حتى تقنيات التسويق والبيع المباشر تدخل في حيز الدعاية هذه الأيام.. لا تتعجب عندما يتصل بك أحدهم يحدثك عن هذا المرشح أو ذلك، فهو يستخدم تقنية البيع بالهاتف – Tele-selling، وستجد هناك تطور كبير لفكرة أكشاك التسويق – kiosks، والتي هي أداة من أدوات التسويق المباشر، وهي تلك الأكشاك التي تُنصب في أماكن متعددة، تجذب اهتمام الناس، ويكون فيها مندوبون وممثلون عن الحملة الانتخابية يعرفون احتياجات الناس، ويجاوبون عن استفساراتهم ويقومون بالدعاية للبرامج الانتخابية لمرشحهم.. هناك من ضمن أساليب الدعاية أيضًا البيع الشخصي personal selling -ويشمل نزول أفراد من الحملة الانتخابية في البلاد والشوارع والجامعات والنوادي، وكل الأماكن المستهدفة، للتحدث مع أبناء البلاد وإقناعهم بشكل مباشر بالمرشح السياسي وبرنامجه. لا تنسى أيضًا تقنيات التسويق المتمرد أو المبتكر – Guerrilla marketing، فهم تلك الأساليب الترويجية غير المكلفة، ولكنها تتميز بإبداع هائل، وأفكار متميزة تجذب إليها الناس، مثل ما فعله تيار سياسي في مصر، بتنظيم أطول سلاسل بشرية دعائية، أو إقامة 25 مؤتمرًا ترويجيًا جماهيريًا في نفس الوقت! كلها في الحقيقة أساليب ترويجية مبتكرة تجذب الانتباه وتقوى الحملة الدعائية.. لذلك من يقول لك إن الانتخابات السياسية قد يفوز فيها أحدهم بسبب استغلاله لجهل أو فقر الناس، أو بسبب الغش أو ربما الحظ!، بالتأكيد هو لم يتعلم ولا يعرف الكثير عن التسويق، وهذه هي ميزتك أنت، أنك تعرف التسويق وتستطيع تطبيقه على أى شيء فينجح نجاحًا رائعًا، قد يظن من حولك أنك محظوظ، ولكن الأمر ببساطة أنك تتقن فن وعلم رائع يساعدك في تحقيق الأهداف بسهولة ومرونة وفعالية أكبر من المنافسين.. فما هي قواعد واستراتيجيات التسويق السياسي المقال القادم يجيب عن ذلك.