قصر فيرساي رحلة في علم الواقع والخيال تبوح بأسرار وحكايات التاريخ البعيد الذي تحكيه الجدران والتحف الفنية والأيقونات المعمارية. لا يمكن أن يكون قصر فيرساي مجرد مكان تاريخي يغلب عليه طابع الرتابة، فهو إرث إنساني متعدد الأوجه، كما أنه يتجاوز كثيراً مفهوم المتحف الذي تقيده أبعاد المكان والزمان ليمثل رحلة لا ينقصها الخيال إلى داخل مساحات يشوبها الغموض في التاريخ الذي قرأناه في الكتب ولا نمتلك الأدوات لتحسسه في الواقع. في فيرساي تتبارى في مخيلة الزائر مشاهد عدة متناقضة، فجمال العمارة يختلط بعبق حكايات التاريخ البعيد الذي تحكيه الجدران.. كما أن سحر قطع الأثاث والتحف واللوحات الفنية النادرة يرحل بالذاكرة إلى نمط حياة سكان ينتمون إلى واحدة من أكثر الحقب التاريخية ثراءً.. وحالما تحمل الزائر أقدامه للإطلالة المواجهة لمباني القصور، ستعيده شبكة عجيبة وفريدة من نوعها من الحدائق الغناء إلى العصر الحاضر.. لكنه حاضر ما زال ممسكاً بالماضي.. ماضي ملوك فرنسا وحياة البذخ وحفلات العشاء وسط أجواء مخملية مزينة بأنواع نادرة من الأزهار ومحاطة بالنوافير وتماثيل الرخام.. بمعنى أنه تاريخ ممتد من الفن والخيال الذي لا ينضب. يُنسب اسم القصر إلى المدينة التي بني فيها والتي تقع على بعد حوالي 20 كيلو مترا عن جنوب غرب باريس، وهي تقل عن نصف ساعة رحلة ممتعة في القطار. بني القصر في عام 1624 كمكان لانطلاق حملات الصيد الملكية في عهد لويس الثاني عشر، وفي عام 1668 قرر لويس الرابع عشر مغادرة باريس والإقامة في قصر فيرساي لأسباب سياسية، حيث تحول مكان الصيد البسيط إلى القصر المعروف حالياً، إذ تمت مضاعفة مساحة المكان في عام 1682 وبنيت واجهته العريضة بمواجهة الحديقة، ثم استمرت أعمال توسيع القصر على امتداد فترات تاريخية مختلفة. يعد قصر فيرساي أشهر بناء في الفن الكلاسيكي الفرنسي الذي يشهد على روعة المعمار في ذلك الوقت. تمتد واجهة القصر الرئيسية نحو 80 متراً ويتكون من مبان عدة متقابلة ومطلة على ساحة في الوسط، مع عدد من القصور والبيوت الفخمة المحاطة بحدائق غناء وبحيرة يقارب طولها كيلومترين. في عام 1789 في أحد هذه القصور الصغيرة الفخمة كانت ماري انطوانيت قد أخبرت بأن الثوار في باريس في طريقهم إلى فيرساي. وكانت العائلة المالكة الفرنسية قد اتخذت القصر مقراً لها خلال فترات متقطعة من التاريخ قبل أن تندلع الثورة الفرنسية ويغادره آخر ساكنيه لويس السادس عشر وزوجته ماري انطوانيت إلى المقصلة . تحتوي ردهات القصر على قرابة 700 غرفة ولكل غرفة قصة ممتعة وأهمها مخدع الملك الذي يلفت الانتباه بقماشه المطرز وأثاثه الجميل باهظ الثمن، أما النوافذ فعددها 2000 نافذة، وكانت تتم إضاءة القصر أيام لويس الرابع عشر بثلاثة آلاف شمعة. قاعة المرايا تكوين آخر فريد من نوعه يحتوي على 17 مرآة في جهة واحدة تقابلها في الجهة المقابلة نافذة كبيرة تطل على حدائق القصر، وكانت مكاناً لحفلات الاستقبال والسهرات وتغطي جدرانها لوحات فنية تصور حدائق فيرساي في فترات مبكرة من بناء القصر وهذا يساعد الزائر في رسم تصور عما كانت عليه الحدائق في ذلك الوقت.