شهدت اليمن أزمة سياسية تخللها أعمال عنف وإراقة دماء، إلا أن حكمة اليمنيين جعلتهم يدركون مبكراً أن الحوار هو السبيل لحل الأزمة.. وها نحن اليوم على أعتاب الحوار الوطني الشامل ليعالج اختلالات الحكم ويرفع المظالم ويحقق العدالة الاجتماعية والمصالحة الوطنية ويهيئ لصياغة دستور جديد في اليمن.. وحول الدستور الجديد نستطلع آراء متخصصين وسياسيين ونسألهم عن المتطلبات الأساسية لصياغة دستور جديد يتجنب كل الأخطاء السابقة ويكون وسيلة لمعالجة الاختلالات التي حدثت ومنع تكرارها . - الهتار : لا بد أن يكون الدستور القادم مكتملاً يقوم على حل مشكلة الاستبداد والصراع على السلطة و الثروة - أبو حليقة : نتطلع إلى صياغة دستور يضمن الحريات العامة وحقوق الإنسان - الأصبحي : لا يمكن أن تثمر أي صياغة من الصياغات إلا بالاستفادة من تجارب الآخرين - اللوزي : يجب تحكيم المصلحة العليا لنصل إلى الصياغة المطلوبة لوثيقة القواعد الأساسية للدستور * يقول الأستاذ /حمود الهتار- وزير الأوقاف سابقاً : عانت اليمن من مشكلات ثلاث وهي الاستبداد والصراع على السلطة وكذلك الصراع على الثروة ولابد أن يكون الدستور مكتملاً وفيه الحلول لهذه المشكلات الثلاث وأن يكفل الحقوق والحريات بنصوص واضحة، وإن الحديث عن الديمقراطية دون وجود قضاء قوي حر نزيه مستقل هو نوع من الأحلام ولذلك لابد أن يعطى القضاء مساحة واسعة في النصوص الدستورية لكي يكون قضاءً عادلاً مستقلاً نزياً يقيم العدل ويحمي الحقوق والحريات، وهناك مشكلات عديدة لكن يمكن التغلب عليها يأتي في مقدمة هذه الإشكالات النزعات الشخصية أو السلالية أو الحزبية أو المذهبية أو القبلية أو المناطقية وهذه يجب أن نتجاوزها جميعاً ونعمل على تحقيق المواطنة المتساوية .. ومن جانب الأستاذ /علي أبو حليقة – عضو مجلس النواب يقول: إن العمل الديمقراطي الناجح هو صياغة دستور يضمن الحريات العامة وحقوق الإنسان ويحدد الأسس السياسية والاجتماعية ويحدد واجبات ومسئوليات المواطن وما عليه من واجبات ومسئوليات، والجانب الآخر وقبل كل شيء نحن بحاجة إلى رؤية وطنية ينطلق منها هذا الدستور والذي يفترض أن يبنى على أسس تتماشى مع الوضع السياسي ومع طبيعة المرحلة الحالية وكذلك مع طبيعة المجتمع اليمني، وقال حليقة : نحن الآن في ظرف حالك وأزمة سياسية خانقة ولابد أن يلتف اليمنيون حول أنفسهم ويشكلون فريق عمل واحد وأن يتركوا المكايدات والحساسيات وأن ينظروا إلى مصلحة اليمن الأولى، وكما إننا بحاجة إلى الأخذ من قيم الآخرين ولدينا تجارب دستورية واضحة من خلال الفترات السابقة وخلال عشرين عاماً قمنا بتعديلات في الدستور لأكثر من مرة ولكن هذا لا يمنع أن نأخذ من تجارب الآخرين خاصة الدول التي وصلت إلى أزمات وانطلقت إلى بناء دستور جديد، ونحن بحاجة من 4-5 أسس لابد من التركيز عليها وهي بناء الدولة أو شكل الدولة وأن يكون متماشيا مع الوضع الاجتماعي اليمني وبنفس الوقت الهوية اليمنية، وأيضاً أن يحدد النظام السياسي سواء كان النظام البرلماني أو النظام الانتخابي، وهذه الأسس يفترض أن يبنى عليها الدستور لنبني يمناً طموحاً يهدف إلى مرحلة جديدة يخدم هذه الأجيال. وأشار إلى أن الإشكالات كثيرة منها اختلاف الرؤى وأبرزها الدعوة إلى الانفصال وهذا ما لا يمكن أن يقوله اليمنيون على الإطلاق….. * وذكر الدكتور /محمد الحسن ولد لبات – الوزير السابق لوزارة الخارجية الموريتانية – في الندوة التي كانت بعنوان ( المتطلبات الأساسية لإقامة ديمقراطية وصياغة دستور) يقول: إن أبرز القضايا التي يجب أن يتمحور حولها الدستور والتي اسميها بالدرر العشر أو الإجراءات العملية في وضع الدستور والتي يجب الأخذ بها عند صياغة أي دستور وتشمل هذه الإجراءات أولاً تحديد طبيعة شكل الدولة وطبيعة نظامها السياسي والتوازن بين السلطات وتوزيعها على أساس عقلاني ومدروس، وأيضاً توفر هيئة تتولى الرقابة على مطابقة القوانين مع الدستور والتحديد الواضح لحقل الحريات العامة والتمييز في بعض هذه الحريات كالتركيز على المرأة وعدم الإقصاء والعدالة الانتقالية من خلال معالجتها بنصوص نهائية والتناوب على السلطة وسلامة حرية الانتخابات من أجل معالجتها قانونياً وأخيراً الدور الأممي أو الكوني ممثلاً بالسياسات الخارجية ورسالة الدولة للعالم الخارجي . وأكد الوزير لبات أنه لابد أن تتوافر في اللجنة التي سيُعهد إليها كتابة الدستور جملة من المعايير الضرورية لاختيار أعضاء لجنة صياغة الدستور أهمها أن تكون قليلة العدد وأن تتشكل من الخبراء والقانونيين وأن لا يكون فيها سياسيون وأن يحدد لها زمناً للإنجاز وأن يستعان بخبرات دولية منتقاة على أساس الكفاءة والصداقة والإخوة، وأنه من الأهمية أن يتوافر فيهم الخبرة والدراية والاستقامة والأمانة والاستقلال التام وأن يتعهد أعضاؤها بعدم الترشح لأي منصب انتخابي في أول دورة انتخابية بعد الاعتماد الدستوري والاستفتاء عليه من قبل الشعب، وأن مسألة صياغة الدستور عملية تقنية تستند إلى جملة من الموجهات التي يقرها مؤتمر الحوار الوطني وضرورة أن يتوفر للجنة الدستورية هامش خاص تستطيع من خلاله وضع الصيغ والتقليل من حدة بعض الأفكار والتوجهات ولابد أن يتوفر في اللجنة إرادة الاتفاق .. * من جهته الدكتور / أحمد الأصبحي – عضو مجلس الشورى وعضو مؤتمر الحوار، يتفق مع هذه المتطلبات لأنها هي في صميم سلوكنا أصلاً وأنها من القيم التي نبحث عنها في واقع حياتنا العملية عند صياغة الدستور، وأن أي صياغة من الصياغات لا يمكن أن تثمر إلا بالاستفادة والعودة إلى الآخرين ونحن من ميزة بلادنا أنها كانت صاحبة تجارب دستورية عديدة وهي من غير شك بكل ما أقدمت عليه من هذه الصياغات المتعددة تشكل خبرة عملية ولكن لا نستكثر أنفسنا فلابد أن نطلع على ما لدى الآخرين خاصة ونحن جزء من هذا العالم المتقدم والمتطور الذي نحن بحاجة منه إلى الصياغات المناسبة فيه بصورة أكثر فاعلية . وأضاف الأصبحي: إن مجموعة الشروط المذكورة سابقاً تعطي للصياغة قوتها وأن العشر النقاط والملاحظات كانت على جانب من الأهمية ومن واقع التجربة في صياغة الدستور في الجمهورية الموريتانية والتي منها الصلاحيات بدرجة أساسية وفي الوقت نفسه هناك أمور لا ينبغي أن تغفل على الإطلاق فعليهم أن يستحضروها بصفة دائمة في أي صياغة من صياغة الدساتير لأنها تجربة حقيقية ونرجو من إخوتنا الذين سيكلفون كلجنة لصياغة الدستور أن تأخذ بمثل هذه الملاحظات وهذه التجارب وتشبعها أيضاًً بروح وخصوصيات البيئة اليمنية لأن الدستور هو دستور يمني وليس دستورا خارج إطار البيئة اليمنية، وهنا يقصد بالبيئة بمعنى المجتمع بعاداته وتقاليده ولكن في كل ما يطور الحياة العامة، وقال : قد أقيمت محاضرات عديدة وورش عمل تشكل في مجموعها ثقافة دستورية من الأهمية بمكان إنها توضع أمام الذين سوف يؤول إليهم صياغة الدستور وأن يكونوا فنيين بدرجة أساسية متخصصين أكاديميين علميين لا يدخلون في جانب من جوانب التحيز لهذا الطرف أو لذاك وإنهم عندما يصيغونه لا يعودون إلى الأحزاب أو إلى القوى السياسية وأن لا يعودوا إلى هذه المكونات إلا وهم متفقون وأن يحدد لهم موعد لا يخلفوه ولا يتجاوزوه لأنهم لو اختلفوا في نقطة وأعادوها إلى الأحزاب وإلى القوى السياسية فإنهم سوف يدخلون في الصراع من جديد، وبالتالي لابد من احترام مثل هذه الملاحظات والأخذ بها وقد قطع شعبنا في مؤتمر الحوار الوطني شوطا لابأس به ويبشر بالتفاؤل والأمل في المستقبل وسوف تأتي المرحلة القريبة القادمة بدستور جديد. وأما عن وجود الإشكالات التي تواجه وضع دستور جديد في اليمن يرى أنها كانت سابقة وأنه بعد أن اقر الجميع بضرورة أولا اللجوء إلى التسوية السياسية بمعنى الاعتراف بالآخر والاستناد إلى المبادرة الخليجية وقطعنا شوطا لابأس به في ما يتعلق بالمبادرة والوصول في النهاية إلى عقد مؤتمر الحوار الوطني الذي هو خلاصة لحوارات جميع الأطراف، وعدم وجود طرف مهيمن على طرف آخر هو ما يعطي ما يشبه الضمان بأنه لن نجد المعوقات لأن الكل جرب المتاعب ومصادرة الرأي الآخر وكذلك مفاهيم الإقصاء التي عانينا منها كثيرا وبالتالي اليوم لا يريد أحد أن ينتصر لفكرته بل يجب احترام الآخر في أن له فكرة حتى نصل من خلال الحوار إلى اتفاق مشترك الهدف الأساس فيه هو مصلحة الوطن العليا مقدمة على المصالح الجزئية لهذا الحزب أو لذاك.. ويرى الأستاذ / حسن اللوزي – وزير الإعلام السابق ، من جانبه أنه لا توجد إشكالات كبيرة وهناك مفاهيم متعددة وتراث عميق في صياغة الدساتير بالنسبة لبلادنا وكان هناك تجربتان واضحتان في الوطن اليمني الواحد قبل الوحدة وأيضاً تجربة إيجابية متطورة في ظل دولة الوحدة وبهذه التجربة وصلنا إلى مرحلة رأينا فيها أنه لابد من تعديلات على الدستور القائم واليوم الكثير ينظرون إلى أن المطلوب هو تغييرات عديدة في ما يمكن أن يوصل إلى دستور جديد للجمهورية اليمنية وبالطبع هذا الموضوع يتوقف على إقرار عدد من النقاط الرئيسة التي لابد أن يتم البت فيها وفي التوصيات التي سوف يقدمها مؤتمر الحوار الوطني الشامل ويكون بين يدي اللجنة التي ستشكل صياغة الدستور اليمني الجديد بصورة نهائية بعد أن يتم تحديد عدد من النقاط المهمة. كما اتفق اللوزي مع النقاط العشر التي جاءت في سياق حديث الوزير الموريتاني السابق ،وقال: إذا تم الاتفاق على العناصر الأساسية بما يتعلق بنظام الدولة والاختصاصات التي سوف تناط بالسلطات داخلها وطبيعة هذه الدولة سنصل في النهاية إلى صياغة محدده لأننا نملك تجربة وطنية مهمة، وأمامنا تجارب إنسانية حافلة يستفاد منها وتعتبر ضوءاً ساطعاً وواضحاً لإرشاد من سيقومون بهذا العمل اليوم، وأن الاختلافات كبيرة ووجهات النظر قد تكون أحياناً متناقضة لكن عند الجلوس وإمعان النظر بشكل فني دقيق وبتحكيم للمصلحة العليا وأيضاً الرؤية لمستقبل أفضل لليمن سوف يوصلنا إلى الصياغة المطلوبة لوثيقة القواعد العليا الأساسية التي تنظم البلاد والعلاقة بين السلطات وبين المجتمع المدني الجديد.