كل شيء اليوم يذكر بحرب العام 1967؛ لكن ليس الأخطر ولا الأهم بينها أبداً انتصار نظام بشار الأسد وحزب الله في القصير، بما يذكر بانتصار الأنظمة التقدمية على إسرائيل في "النكسة"؛ عبر البقاء في الحكم، وإن كان الثمن تضييع الأرض وتشريد أهلها. فكلا "الانتصارين" ليسا إلا عارضاً أو نتيجة للسمة المشتركة الحقيقية والأهم بين العامين 1967 و2013؛ وهي الحرب العربية الباردة. ففي العام 1967، قدم جمال عبدالناصر العائد لتوه من حرب أهلية في اليمن، الهدية التي لا تقدر بثمن لإسرائيل، والتي سعت إليها طويلاً؛ "النكسة". بدأ ذلك بطلبه في 17 أيار (مايو) سحب قوات الأممالمتحدة على الجانب المصري من الحدود مع إسرائيل، وتالياً في 22 أيار (مايو)، إعلانه إغلاق مضائق تيران في خليج العقبة في وجه حركة الملاحة الإسرائيلية؛ الأمر الذي قدمته إسرائيل باعتباره عملاً عدائياً يبرر الرد بمستوى حرب كاسحة على ثلاث جبهات. وفي كل قراراته غير المحسوبة تلك، كان عبدالناصر مدفوعاً أساساً بإفرازات "الحرب العربية الباردة" التي بدأت قبل ذلك بسنوات بتقسيمه العالم العربي إلى معسكرين. وإذ اتهم عبدالناصر معسكر الخصوم العرب بالرجعية، فقد دافع هؤلاء عن أنفسهم باتهام قائد المعسكر التقدمي بالاختباء خلف قوات الأممالمتحدة والسماح لإسرائيل بالإبحار في المياه المصرية. بالنتيجة، هُزم العرب جميعاً بحرب خاضوها ضد بعضهم بعضاً ابتداء.على فداحة ثمن تلك "الحرب العربية الباردة"، والتي بقيت تطل برأسها من وقت لآخر، وتجلت واضحة من جديد، وإن بحدة أقل، في الصراع بين ما عُرف بمعسكري "الاعتدال" و"الممانعة"، لاسيما عقب حرب تموز (يوليو) 2006 بين إسرائيل وحزب الله، إلا أنه يظل يحسب لهذه الحرب بقاؤها حرباً بين أنظمة، تتنافس فيها على قلوب (وليس على عقول) شعوب تؤمن أنها "أمة عربية واحدة". لكن اليوم، وعلى وقع الثورة السورية، تشتعل حرب عربية باردة جديدة، إنما بأبشع ما يمكن أن تكون عليه؛ ومحملة بالتالي بأخطر ما يمكن تخيله من عواقب. فالحرب العربية الباردة الآن لم تعد أبداً حرب أنظمة، كل منها يدعي حرصه على "الأمة"؛ وإنما هي حرب شعوب على نفسها، وقد شرعت بالانقسام والتفسخ والتحلل استناداً إلى أسس طائفية؛ سنية-شيعية خصوصاً؛ كما يتبدى اليوم بالتكفير الذي وإن لم يتحول إلى حرب إبادة يمارسها أشقاء الوطن بحق بعضهم بعضاً، فإنه يظل كافياً بحد ذاته لتمزيق المجتمعات على أصغر نطاق، ولأمد طويل لا تبدو له نهاية. تُرى من المسؤول عن عدم قدرة الشعوب العربية وأنظمتها على التعلم من أخطاء ماضيها؟ بل والإصرار على عدم الاكتفاء بإعادة إنتاج تاريخ بشع، مضيفة إليه مزيداً من الموت والانحدار؟ يمكن لنا أن نتفق هنا على أن المسؤول هو الجميع، إنما بمعنى لوم كل فريق نفسه قبل لوم الآخرين، وإلا كانت النتيجة حرباً عربية لا تنتهي إلا بفنائنا، طالما نحن وقودها الأهم، إن لم يكن الوحيد! [email protected]