تسرد هناء قصة لطفل كان يبيع مستلزمات سيارات في جولة سبأ قبل سنة، تقول: إن هذا الطفل باع سائق شاحنة نوع "دينا" مساحة زجاج، وعندما فتحت الجولة طلب السائق من ذلك الطفل أن يصعد معه على السيارة كي يسلمه الحساب بعد الجولة. تؤكد هناء أن الطفل صعد مع الرجل، لكن السائق قاده بسرعة جنونية واقتاده إلى قرب ملعب الثورة الرياضي أكبر ملاعب العاصمة، وعندها بدأ يراود الطفل يريد اغتصابه. تقول الطفلة: غطى على فم الطفل وغلق زجاجات السيارة، وحاول أن يغتصبه لكن الطفل قاوم بقوة، وعند مرور بعض المارة سمعوا صراخ الطفل فصعدوا إلى السيارة، وأنقذوا الطفل وقاموا بتسليم سائق الدينا إلى القسم. تشير الطفلة التي تحفظ هذه القصة إلى أن المتهم اعترف بقيامه بسبع جرائم من هذا النوع، كان يقوم بأخذ الأطفال من الجولات والذهاب بهم بعيدا وفي أماكن خالية والقيام باغتصابهم. هذه القصة يحفظها أكثر من طفل في جولة القيادة وسط العاصمة صنعاء، وبالتالي فإنهم أصبحوا لا يبيعون أي سلعة للسائقين قبل فتح الجولة، أو الركوب مع السائقين على السيارات من أجل استلام الحساب حتى لايتعرضون لما تعرض له ذلك الطفل الذي كان يبيع مناديل مسح سيارات في جولة سبأ الواقعة بمنطقة الحصبة بالعاصمة صنعاء. الشارع كمأوى وتحولت جولات العاصمة صنعاء إلى مأوى للمشردين من الأطفال، وموطنا للباعة المتجولين الذين وجدوا في الجولات مكانا للحصول على ما يسد رمقهم، ويخفف عنهم عناء الفقر والتشرد. ويمارس أطفال الجولات مهن بيع البضائع الضرورية للسائقين والركاب مثل مياه الشرب، ومستلزمات السيارات، وألعاب الأطفال، وبعض البسكويتات التي لاتتوفر إلا في الأسواق الكبيرة، حيث يقومون ببيع تلك السلع بأسعار مرتفعة استغلالا لحاجة من السائقين أو الركاب. ليس هذا فحسب بل إن الجولات في العاصمة صنعاء تحولت أيضا إلى موطنا للتسول، ويلجأ الكثير من الباعة في الجولات إلى استخدام أساليب تثير شفقة السائقين ومن معهم في بيع سلعهم. يقول عابد هادي الجرادي – طالب بقسم علم الإجتماع بكلية الأداب اليمنية -: البعض ممن نجدهم في الجولات لايريد أن يظهر بمظهر المتسول لكنه يمارس هذه المهنة بأسلوب آخر، فهو يأتي ليبيع عليك كتبا أو أشرطة دينية بأسلوب متسول، فهو عندما يأتي ليبيع منك تلك السلعة يدعو لك بأن يرزقك الله وأن يبعد عنك المصائب لكي تشتري منه السلعة، والبعض يقول: إدعمني بحق الغداء واشتري مني هذا الكتاب، الله يرزقك ويدي لك ارحمني". يؤكد الجرادي: هؤلاء الأطفال كانوا يأتون لممارسة مهنة البيع فعلا للتخفيف من عناء الفقر لكنهم لم يجدوا نفس الفائدة كما هي في التسول، لذا أصبحت الجولات تمثل مصدرا للشذوذ، حيث يتحول كثير من الأطفال إلى متسولين، كما أنهم يتعرضون لمخاطر الإنضمام إلى الجماعات المسلحة، أو الشذوذ الجنسي. 30 ألف طفل الدكتور فؤاد الصلاحي أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء يقول إنه وفقا لدراسة أجراها على رأس فريق مكون من 25 باحث إن 35 ألف طفل شارع يمارس البيع في الشوارع اليمن منهم 60% ينامون في الشارع. وقال إن هناك عدة عوامل أسهمت في زيادة هذه الظاهرة عوامل متعددة تدفع بالأطفال إلى الشارع، منها الهجرة الداخلية نحو المدن والفقر والبطالة وتزايد معدلات الخصوبة مع غياب الخدمات الاجتماعية مثل الضمان الاجتماعى، وتخلى الدولة عن دعم الفقراء والعاطلين. والمقلق أكثر في هذا الجانب بحسب دارسة الدكتور فؤاد الصلاحي هي أن غالبية أطفال الشوارع ينتمون إلى الفئة العمرية عند السنوات 6-14 سنة، وتصل نسبة الذكور إلى 70% والإناث الى 30%، كما أن المستوى التعليمي يقف في معظمه عند مرحلة التعليم الأساسي، مع وجود توقف أو تسرب كبيرين في المرحلة الأساسية. وأكد أن معظم الأطفال الذين تمت دراستهم أشاروا إلى أن أسرهم يعتمدون كثيراً على ما يكسبونه من الشارع سواء من التسول، أو من الأعمال الهامشية التي يقومون بها، كما أن المشكلات الأسرية كالطلاق، والعنف الأسري، والبطالة جميعها أسباب دفعتهم إلى الشارع. وقال: إن أطفال الشوارع يكتسبون جراء تواجدهم في الشارع سلوكيات سلبية متعددة تصل بعضها إلى تناول المخدرات والإدمان عليها، كما أنه تم اكتشاف تشكل تنظيمات وشبكات داخل مجموعات أطفال الشوارع تتولى تنظيم أعمالهم وتواجدهم في الشارع. استغلال جنسي لكن تقديرات الأممالمتحدة لظاهرة أطفال الشوارع تصل إلى ما بين 13 إلى 15 ألف طفل في اليمن، إلا أنها تؤكد أنه لاتوجد دراسات أو بيانا رسمية لإحصاء عدد أطفال الشوارع. ويؤكد وضاح شوغة، نائب مدير ملجأ الأمان للأطفال في اليمن في تقرير للأمم المتحدة: "شهدنا خلال الأعوام الخمس الماضية تزايداً في تسرب الأطفال إلى الشوارع، كما زادت معدلات استغلالهم جنسياً، والأسباب الرئيسية لذلك تتلخص في انتشار الفقر والعنف المنزلي". وأضاف شوغة، الذي يأوي مركزه 27 طفلاً من أطفال الشوارع، تعرض نصفهم لاعتداء جنسي، "إذا تواجد الأطفال في الشوارع لفترات طويلة، فإن إمكانية تعرضهم لتحرش جنسي ترتفع بنسبة 90 في المائة". وقال التقرير إن آلاف الأطفال يجوبون أزقة صنعاء يومياً لبيع السكاكر أو الصحف، مقابل مردود يومي لا يتجاوز دولاراً أمريكياً واحداً، غالباً ما يكون من نصيب الأهل. ونقل التقرير "تجربة أحد الأطفال الموجودين في المركز، والذي قال، وهو يتلفت من حوله بقلق بعيداً عن أعين رفاقه التي تترقبه: "لم أقم بشيء معيب.. لكنني أعرف أن آخرين قاموا بذلك". وأضاف: "عندما يشعر المرء بالجوع فعليه أن يتصرف،" ذاكراً أنه "اطلع على بعض الحالات" التي كان يتم خلالها جلب أطفال إلى منزل أحد الرجال حيث يتم إبقائهم فيه لأيام طويلة يتعرضون خلالها للإساءة الجنسية. وفي الإطار عينه، قالت الدكتورة أروى الدريم، الناشطة في إحدى الجمعيات اليمنية غير الحكومية، "لقد سمعت الكثير من القصص المروعة.. لكن يلزمنا الكثير من الوقت لدفع الأطفال للتحدث حول هذه المواضيع". وخلص التقرير إلى الإشارة لمشاكل اليمن الاقتصادية الكبيرة التي تتحمل مسؤولية تزايد هذه الظاهرة، وانتقد في الوقت عينه حالة "النكران" التي يعيشها المجتمع اليمني المحافظ والمتمسك بالتقاليد، والذي يتصرف وكأن المشكلة غير موجودة.