بعيداً عن منطق "الشماتة" الممزوجة بالبهجة، هذا الذي تتعامل به القوى الليبرالية والسياسية مع "الاستقطاب" الذي تشهده مصر، والتحشيد الذي يطالب الرئيس مرسي "بالرحيل"، لا يمكن فهم ما يجري من احداث الا في سياق واحد وهو "استكمال الثورة الناقصة"، صحيح ان الثمن ربما يكون باهظاً، وصحيح ان "الاسلاميين" ربما يدفعون القسط الاكبر منه، لكن الصحيح – ايضا – ان القوى "المعارضة" لن تستطيع وحدها ان تطرح البديل، وان الشعب المصري بالتالي هو الذي سينتصر، ويسترد "ثورته" ويقدم ما تنتظره من مصر من دور وتجربة ونموذج ديمقراطي. ارجو ان لا يفزعنا المشهد – رغم مخاضاته المرة – فنحن امام ثورة تتجدد، وارادة شعبية تصر على استعادة عافيتها وحيويتها، وسواء خرج "الاخوان" من الحكم تحت ضغط الشارع او اضطروا "للتوافق" على خارطة طريق من تصميم "الجيش", او نجح "مرسي" في اللحظة الاخيرة بتقديم ما يلزم من تنازلات لارضاء المعارضة، فان "المعادلات" التي افرزتها الثورة المصرية لن تتغير، فلقد انتهى عصر "النظام المستبد"، وانتهت معه مناهج الاقصاء واحتكار السلطة، ولن يتمكن اي طرف من "الاستحواذ" على الدولة، ولن يخرج "الاسلاميون" الى السجون او يفقدوا وزنهم في الشارع، كما لن يتمكن "خصومهم" من اعادة مصر الى الماضي، ولن يستطيعوا ان يحتفلوا "بهزيمة" الاسلام السياسي واقناع الناس بأنهم "المخلص" المنتظر. بمنطق السياسة، هنالك ثلاث قوى تتصارع داخل مشهد "الثورة" المصرية احداها يمثله الاسلاميون على اختلاف تياراتهم وتبايناتهم، وثانيها القوى الليبرالية واليسارية، وثالثها الجيش، فقد استطاع الاخوان وحلفاؤهم في الجولة الاولى من الثورة ان يحصلوا على "الشرعية" عبر صناديق الانتخاب، ومع انهم أداروا الدولة ولم يتمكنوا من الحكم لاسباب تتعلق بأدائهم وشراسة خصومهم والمحاولات التي جرت لافشالهم من الداخل والخارج، الا ان حصاد "العام" كان بائساً للاسف؛ ما أتاح فرصة "للانقلاب" عليهم، ولم يكن ذلك مفاجئاً بالطبع، فقد كانت المناخات التي تلت الثورة مروراً بالانتخابات وما بعدها مهيأة تماماً لجولة اخرى من "الثورة" سواء أكان الحكم بيد الاسلاميين ام غيرهم، مع الاشارة الى ان وجود الاسلاميين (لاسباب مفهومة) سرّع من اقناع الاطراف التي تلاقت مصالحها لافشال الاسلاميين، اما الآن فقد نجحت القوى الليبرالية في حشد الملايين للانقضاض على شرعية "الصناديق" باسم "شرعية الملايين"، وتدخل الجيش لدفع الجميع الى "التوافق"، والجيش هنا لا يستطيع ان يعيد تجربة "الانقلاب" التي مارسها بعد رحيل مبارك، كما ان القوى المعارضة لا تستطيع ان توافق على "الانقلاب" ولا تستطيع ايضا ان "تحكم" في ظل حالة الانقسام في الشارع، ومع وجود "تيار" قوى متعاطف ومؤيد للرئيس والاسلاميين. اذن ما الحل؟ اذا اتفقنا على ان اي طرف – حتى الجيش – لن يتمكن من حسم الصراع لحسابه أو لحساب غيره، وان الثورة الثانية تختلف عن الثورة الاولى بواقع وجود شرعية للرئيس المنتخب وتيار يدافع عنه، وعدم وجود بديل جاهز لملء الفراغ الا من خلال صناديق الانتخابات، وهي تحتاج الى وقت لكي تخرج "اثقالها" سواء أكانت برلمانية ام رئاسية، اضافة الى مخاوف تكرار "أنموذج" سحب الشرعية من خلال الميادين، والاخلال بالامن القومي نتيجة انقسام المجتمع الى "فسطاطين"، اذا اتفقنا على ذلك فان الحل الوحيد هو "التوافق" بين القوى السياسية على خريطة واضحة يلتزم بها الجميع، ويضمن الجيش تنفيذها، واعتقد ان معالم هذه الخريطة واضحة وهي: اجراء انتخابات برلمانية خلال ستة شهور، وتشكيل حكومات كفاءة وطنية (ربما يرأسها وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي) وتحديد موعد لاجراء انتخابات رئاسية مبكرة.. ويمكن اضافة بعض التفاصيل كاجراء استفتاء حول الانتخابات الرئاسية، أو حول تعديل الدستور…الخ. لكن يبقى ان الاهم من "الوفاق" بين القوى السياسية هو اعادة الثقة للمصريين بدولتهم وثورتهم، وهذه تحتاج الى مقررات عاجلة من الرئيس أولاً، ومن الجيش والاطراف المعارضة.. ذلك ان "مصير" مصر أهم بكثير من مكاسب الصراع على الدولة.