تمر مصر الكنانة بمرحلة معقدة وظرف تاريخي مختلف، حيث اختلط الثوري بالثوري المضاد، واختلط الأوراق على السلطة والمعارضة على حد سواء. فالسلطة تستند إلى الشرعية الدستورية والديمقراطية وحكم الصندوق بينما المعارضة تستند إلى الشرعية الثورية والتي وقّع الجميع على إنهائها بالانتخابات الرئاسية التي بدأت يوم 23 مايو 2012م. جسد هذا اليوم انتصارا لإدارة المواطن المصري وانتقل الشعب المصري من مرحلة الثورة وهدم النظام السابق إلى مرحلة البناء. لم يكن الإسلاميون بمعزل عن استحقاقات ما بعد الثورة، فانخرطوا كغيرهم من القوى السياسية والثورية في الانتخابات الرئاسية والتي أفرزت فوز الدكتور محمد مرسي. لم يحقق معارضو الإسلاميين حلمهم بالوصول إلى السلطة عن طريق الصندوق، الأمر الذي أدى بهم إلى محاولة عرقلة البناء وتشويه صورة الإسلاميين بمحاولة أخونة الدولة والاستحواذ على السلطة، مع أن الرئيس مرسي حاول مرارا دعوة جميع القوى السياسية والثورية إلى المشاركة في الحكم وتحمل المسؤولية من قبل جميع القوى. ولأن بعض القوى المدنية كما يسمون أنفسهم لم يرق لهم النهج الديمقراطي الذي ظلوا يتشدقون به من سنوات فاتجهوا أخيرا إلى إعلان اسقاط النظام المنتخب من قبل الشعب. والمضحك أنهم أرادوا إكساب الشرعية لمطلبهم بجمع توقيعات في الشوارع والحارات وصلت حسب تصريحاتهم إلى 17 مليون توقيع، معتبرين أن هذا العمل أكثر شرعية من صناديق الاقتراع. وبحسب الإعلامي فيصل القاسم “أن شرعية جمع التواقيع في الشوارع أصبحت أقوى من شرعية صناديق الاقتراع، عشنا وشفنا”. تبدو الأزمة في حقيقتها عدم الإيمان بالديمقراطية وقيمها، لأن الإيمان بالديمقراطية ليس قراراً سياسياً، بقدر ما هو عملية تاريخية متطورة، ترسو إلى ثقافة مستقرة بعد أزمات وصراعات أو مخاض فكري وثقافي. ويكمن التساؤل هنا فيما إذا كانت القوى المدنية سواء في مصر أو غيرها قد مروا فعلاً بهذا المخاض الفكري والتاريخي ووصلوا إلى هذا الاقتناع، أم إن الإعلان عن قبول الديمقراطية وحكم الصندوق ومبادئ حقوق الإنسان والمواطنة المتساوية هو محاولة برجماتية لاستثمار الظرف التاريخي؟. ماذا يعني أن قوى المعارضة دعت إلى التصويت على الدستور وعندما جاءت النتيجة مخيبة لآمالهم رفضوا هذا الدستور، أكدت أحداث مصر الأخيرة أنانية القوى المدنية كما تسمي نفسها، وأثبتت أنها قوى رجعية أكثر من غيرها، وإلا ما معنى خروج الشعب المصري في الانتخابات الرئاسية وتلك الطوابير الطويلة وحرص كل مواطني مصري على أداء واجبه الديمقراطي، والأكثر من ذلك ما معنى ثورة 25 يناير إلا من أجل استعادة كرامة المواطن المصري وتعبير كل مواطن عن رأيه. هل تنكرت المعارضة المصرية لثورة 25 يناير وقيمها وما أفرزته من نهج ديمقراطي غاب عن المصرين لعقود. ماذا يعنى تصريح أحمد شفيق أنه سيحتفل بعد سقوط مرسي وسيعمل على عزل الإسلاميين من كل المناصب، أي شراكة وطنية يدعيها المدنيون والقوى الليبرالية، أجد نفسي مقتنعا بأن أعضاء الجماعة الإسلامية تلك الجماعة التي كانت لا تؤمن إلا بالسيف والجهاد، تبدو اليوم أكثر اعتدالا من المدنيين والليبراليين. أجد نفسي في حرج شديد لأني كغيري من الشباب الذين دعوا من وقت مبكر إلى المدنية والحريات العامة ومناصرة الفكر التحرري اليوم نجد الإسلاميين أكثر الناس تحررا واعتدالا وقبولا للشراكة المجتمعية. الانقلاب على الحكم انقلاب على الثورة لو افترضنا أن المعارضة أسقطت الرئيس محمد مرسي، هل سيقبل الإسلاميون والمتحالفون معهم بذلك؟ بالتأكيد سيسقطون الرئيس الذي سيخلف مرسي، فإذا كان حكم مبارك ثلاثين سنة وحكم مرسي سنة سيكون حكم الرئيس القادم شهر والذي يليه ربما أسبوع، وهكذا كل فريق سيعمل على إسقاط رئيس الطرف الآخر، وحينها سيترحم الناس على أيام مبارك بدلا من هذه الدوامة، وسوف تفقد الثورة قيمتها بل ستكون وبالا على الشعب المصري برمته. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك