فشلت الحكومات المتعاقبة في تونس على تحقيق التوقعات المتفائلة بالتغيير التي حملتها الثورة التونسية على الرغم من مرور ما يقرب من عامين ونصف عام على إسقاط نظام زين العابدين بن علي. والشعور السائد هو أن الاقتصاد التونسي المتدهور يهدد بخنق الثورة. فقد أدت البطالة المتزايدة، وإرتفاع الأسعار، والنمو الاقتصادي البطيء، والفوارق الداخلية الضخمة، إلى شعور البعض بالحنين لعهد بن علي. فبالرغم من أن بن علي كان يحكم البلاد بقبضة إستبدادية، إلا أن الإستقرار كان مضمونا إلى حد أكبر مما هو عليه اليوم، حسب مراقبين وأصبح من المتفق عليه إلي حد بعيد الآن أن الوقت قد حان لإتخاذ إجراءات تصحيحية، خاصة على ضوء خفض وكالات التصنيف "موديز" و"ستاندرد آند بورز" تقييمات الأداء الاقتصادي في البلاد. وغالبية المحللين غير متأكدين من أن قرض 1.7 مليار دولاراً من صندوق النقد الدولي الذي منح لتونس في الشهر الماضي، هو الحل لتحفيز الإقتصاد. فهم يرون أنه قرض إستعدادي مع فترة إسترداد لمدة خمس سنوات، بما في ذلك فترة سماح مدتها ثلاث سنوات. وقال عبدالله زكري، المدير العام بوزارة التعاون والتنمية المتعددة الأطراف "ليس المقصود من هذا القرض تمويل المشاريع الجديدة، ولكن تحقيق الإستقرار في القطاع المصرفي وزيادة الثقة وخلق التوازن في الإقتصاد التونسي". وأضاف زكري أن هناك قروض واتفاقات مالية أخرى تهدف إلى تحفيز النمو وخلق فرص العمل، وفي الوقت الراهن هناك نوعان من القروض في مرحلة الإعداد لها مع البنك الدولي. وكجزء من استراتيجية البنك الدولي المؤقتة للعام 2013-2014، يأتي تطوير قطاع التصدير كأولوية. ويشرح زكري أن مساعدة المؤسسات التونسية على تصدير المزيد من المنتجات والوصول إلى أسواق جديدة هو محور هذه الاستراتيجية. وإضافة للتجارة مع الاتحاد الأوروبي، يجري البحث عن أسواق جديدة في أميركا الجنوبية وأفريقيا وآسيا وخاصة البرازيل وشيلي وإندونيسيا وماليزيا. كذلك، يجري استهداف إدخال تحسينات على البنية التحتية للموانئ وصناعة النقل البحري، بما في ذلك مركزاً جديدا للنقل بالقرب من أكبر ميناء في البلاد في رادس. ويؤكد زكري أن مشروع البنك الدولي القادم يستهدف توظيف الشباب. ويقول إن الهدف من ذلك هو توفير المزيد من عقود العمل طويلة الأجل للمؤهلين الجدد في سوق العمل، والابتعاد عن الإعتماد على العمالة المؤقتة. ويقول محمد مايسي، إختصاصي الإقتصاد والمحاسبة، أن التونسيين كثيرا ما يحلمون بأن يصبحوا أطباء الأسنان على سبيل المثال أو محترفين في مجال معين، ولكن الأجدى لمن يريد أن يصبح طبيباً أن يفتح مستشفى خاص به من شأنه أن يوظف الكثير من الناس وجلب منافع أكبر بكثير على المجتمع. وشدد على ضرورة التركيز على شركات القطاع الخاص والشركات المبتدئة، بالإضافة إلى تقديم الدعم والحوافز للنساء من رائدات المشاريع التجارية للدخول في الإقتصاد. وفي حالة كون الاستثمار الأجنبي أقل بشكل جوهري، يتصور مايسي سيناريو تقوم فيه الحكومة بالإستثمار في المشاريع والشركات، ثم بيعها إلى شركات القطاع الخاص في وقت لاحق. ثم يؤكد "لكنه علينا أن نظل مطلعين على الفوارق الإقليمية ومستويات الفقر العالية… لأنه سيكون من الخطأ تبني النموذج الإقتصادي الليبرالي الجديد بالكامل دون ضمان آليات الدعم الاجتماعي وتطوير البنية التحتية التي تشتد الحاجة إليها، خاصة في المناطق الأكثر فقراً في غرب وجنوب تونس". وتشاطر سلمى بوزيد، من المركز التونسي للريادة الإجتماعية، رأي مايسي بأن تعزيز أنشطة ريادة الأعمال التجارية سيؤدي إلى تحفيز الإقتصاد. وتقول "تزدهر أنشطة ريادة الأعمال الاجتماعية عندما تتزايد المعضلات الاجتماعية". وتضيف:"لا يمكننا الإعتماد على الحكومة فقط، فأصحاب المشاريع الإجتماعية يقومون أيضا بإحداث تغيير في النظام". ويقوم المركز التونسي للريادة الإجتماعية حالياً بإعداد مسح شامل لجميع أنشطة ريادة المشاريع الاجتماعية في تونس، وسيتم نشر نتائجه في وقت قريب. ووفقاً لمايسي، فضمن الركائز الرئيسية الثلاث للإقتصاد التونسي: إنتاج الزيتون والفوسفات والسياحة، تمتاز صناعة الزيتون بكونها آمنة. وقد واجهت صناعة الفوسفات إضرابات منتظمة في منطقة قفصة، مما أدى إلى خسائر مالية فادحة. ويقول مايسي "كذلك يحتاج قطاع السياحة أيضاً إلى إصلاح شامل، مع تحسين البنية التحتية والخدمات. فحزمة السياحة الشاملة ليست مفيدة للجميع. فالسياح ينفقون القليل جداً من المال الاضافي". ومن جانبه، يقول المدون والأكاديمي أسامة زكري أنه في حين يكن الكثيرون القلق بشأن وضع دستور جديد، وتدور النقاشات حول مكانة الدين في المجتمع التونسي "إلا أن هذه ليست هي أهم القضايا، فالمهم فعلاً هو ما تستطيع الحكومة تحقيقه". ويأمل أسامة زكري أن يكون السياسيون والناخبون قادرون على التركيز على ما يهم مستقبل البلاد فعلاً، بدلاً من الإنشغال في المناقشات الشعوبية. ويقول زكري أنه لابد على هذه الحكومة، والحكومة التالية، أن تجعل الإقتصاد وفرص العمل أولوية قصوى "فهذه هي القضية الرئيسية. ونحن نعمل بجد على هذه الجبهة، ونعتقد أن خلق المزيد من الفرص للناس، وبخاصة الشباب، سوف تؤتي ثمارها.