من المعروف أنّ مهمة الجيوش والعسكر هي حماية حدود الأوطان والمحافظة على سيادة الدولة وفي إطار ذلك يقوم العسكر بتنفيذ ما تريده السلطة السياسية في الدولة التي قد تكون ديمقراطية أو غير ديمقراطية. لم يسجل أيّ جيش في العالم نجاحات في إدارة شؤون الدولة وتوجيه دفة السياسة ليس لأنه لا يرغب في ذلك، فحسب ولكن لأنه غير مؤهل أو مهيأ لمثل هذه الدور. الجيش مهمّته حماية حدود الوطن وتنفيذ أوامر السياسيين والإطاعة لرؤسائه نعم الإطاعة للرؤساء لأن المنظمات العسكرية مصممة ومبنية على الأمر والنهي وليس الحوار والاختلاف والرأي والرأي الآخر التي تشكّل السمة الأساسية في العمل الديمقراطي الحقيقي. تاريخ الجيوش في الانقلابات العسكرية على السلطة السياسية معروف ومألوف في الدول النامية التي ما زالت تصارع من أجل الوصول إلى حكم مدني وسلطة سياسية منتخبة وممثلة لإرادة الشعب. الجيش الذي ينقلب على السلطة يحل محلها ليمارس استبداد مماثل لذلك الذي يدّعي أنّه ثار من أجله هذا الجيش جيش ضد الوطن وعدو للشعب لأن معظم دروس التاريخ تخبرنا أنّ هذا الجيش الانقلابي يتحول إلى نظام دكتاتوري مستبد ولنا في معظم دول أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية خير أمثلة على ذلك. صعق الكثيرون من المهتمين والمتابعين للشأن الديمقراطي في انقلاب العسكر في مصر على الشرعية، فالرئيس المصري محمد مرسي أول رئيس مصري منتخب بشكل نظيف من قبل شعبه وهو قد جاء في أعقاب ثورة شعبية عارمة على نظام سياسي مستبد دام أكثر من ثلاثين عاما. والسؤال الذي يطرح نفسه هل السيد «السيسي» وقيادات الجيش المصري مؤهلة لتحديد ما ينبغي فعله لخدمة مصر وتحقيق مصلحة الشعب المصري؟ وما هي تجربتهم في السياسة ليقوموا بخلع رئيس منتخب والانقلاب عليه؟ أليس الجيش المصري تابع لرئيس الدولة وينبغي أن يقوم بحماية الشرعية بدلا من الانقلاب عليها؟ وهل السيد السيسي وزمرته مفكرون سياسيون ليحددوا مستقبل مصر عبر خارطتهم المزعومة؟ الجيوش مكانها الصحيح والوحيد هو الثكنات والمرابطة على الثغور والدفاع عن حدود الوطن وليس الانخراط في السياسة والانقلاب على النظام والشرعية. الجيوش في الدول الديمقراطية أجهزة منضبطة طائعة مذعنة للسلطة السياسية الديمقراطية المنتخبة أيّ كانت اتجاهاتها وفكرها السياسي وليست أجهزة حاضنة للديمقراطية أو منافحة عنها. القادة العسكريون هم جنود وليسوا مفكرين سياسيين أو منظرين في الديمقراطيات وحقوق الإنسان، فالعسكر اقترن بتدخلهم تعطيل الدستور وإعلان الأحكام العرفية وإغلاق محطات التلفزة وحجز القيادات السياسية وإيداعها السجون والمعتقلات. مصر الآن على أبواب مرحلة صراع مرير، ومشارف عنف غير مسبوق فالشرعية اختطفت وإرادة الشعب سرقت من قبل الجيش وفلول النظام السابق أمثال الفريق شفيق والبرادعي عميل الصهاينة وغيرهم من مصاصي دماء الشعب المصري البطل. إرادة الشعب المصري لا يحددها عدد المتظاهرين في الاتحادية أو ميدان التحرير، وإنّما تحددها صناديق الاقتراع التي جاءت بمرسي والإخوان ويجب العودة لهذه الصناديق لإزاحة مرسي إذا كان هناك نوايا حقيقية لإشاعة الديمقراطية. السيسي وزمرته ليسوا أوصياء على الديمقراطية في مصر ولا يفهموا معانيها وغير مؤهلين لحمايتها والحرص عليها. الشعب المصري البطل هو الآن على مفترق طرق ويعيش ظرف دقيق وحساس وهو من يستطيع تصويب الأمور وإعادة الشرعية لأصحابها ولرئيسها المنتخب على غرار ما حصل في فنزويلا في عهد شافيز الذي تعرّض لانقلاب عليه ما لبث وأن أعاد الشعب الشرعية لمن يمثّل إرادته. مصر الكنانة ومصر الثقافة ومصر الحرية والعراقة ستتجاوز هذه المرحلة الدقيقة من تاريخها بإصرار شعبها على المحافظة على مكتسبات الثورة وبمساعدة قوى الحق من داخل وخارج مصر، وأعتقد أنّ هذا الشعب العريق لن يمرر هذا الانقلاب على الشرعية ولن يقبل الإخوان المسلمون والقوى الحرة بهكذا تمرد واعتداء سافر على إرادة الشعب. نسأل الله جل في علاه أن يحفظ مصر ويصبغ عليها الأمن والأمان. * كاتب وناشط أردني