ألزمت مؤسسة النقد السعودي (البنك المركزي) البنوك السعودية اعتبارا من 13 ابريل الماضي بسعودة الوظائف القيادية، حفاظا على سرية المعلومات، غير أن العديد من البنوك لم تلتزم بشكل كامل بذلك التوجيه، خصوصاً فيما يتعلق بالوظائف القيادية. ورصدت "إيلاف" عددا كبيرا من غير السعوديين يتقلدون مناصب كبيرة داخل البنوك تاركين خلفهم فروعا تم سعودتها بالكامل للظهور بمظهر خلاق وايجابي أمام المسئولين والعملاء، لأنه من النادر أن تحكم وسائل الإعلام على إدارات البنوك الإقليمية والإدارات العامة. يقول الخبير المصرفي عمر عبدالعزيز وهو أحد مسئولي اكبر البنوك في السعودية منذ 15 عاما، أن إدارات البنوك حرصت بشدة على سعودة جميع الوظائف داخل الفروع منذ 2003 ، وتم تحويل عددا كبيرا من الموظفين الغير سعوديين للعمل في الإدارات المختلفة بما يسمى (Back office ) وذلك لتحقيق نسبة جيدة من السعودة ، والأهم من ذلك هو توزيع التكلفة، فالإدارات تتحمل تكاليف اقل من الفروع خاصة في بند الرواتب والعمولات. ويضيف في حديث ل"إيلاف" أن المشكلة لا تكمن هنا، بل في الوظائف القيادية داخل الإدارات التي ربما لا يعلم عنها أحد، مثل إدارة المخاطر، ذات المسئولية الأكبر في استثمارات البنك وتقييم المخاطر، فنسب السعودة في تلك الإدارات متدنية جدا، بل إن بعض البنوك لا تعطي صلاحيات إلا لشخص غير سعودي، متحججين بعدم القدرة على السيطرة على السعوديين في حال وقوع مشكلة . الخبير المصرفي رأى أن ذلك لا يعدو كونه تحايلا على النظام، وتلاعبا على قرار المؤسسة فيما يتعلق بالسعودة، معتبرا أنه من المنطقي أن يتم التطبيق على كافة الإدارات، ومن الطبيعي أن هناك أشخاص سعوديين مؤهلين لهذه الوظائف ولديهم شهادات عليا من خارج المملكة. بدوره يقول فهد محمد، المختص في الموارد البشرية في إحدى الشركات والذي سبق له العمل في احد البنوك، أن الرواتب التي تعطى للقياديين الغير سعوديين كبيرة جدا وخيالية ، وعادة تعطى لمتخصصي الإدارة المالية والتمويل ، والذين يتم استقطابهم من بنوك خارجية خاصة من دبي ومسقط. ويضيف أن الخريجين السعوديين يتحملون جزءا من المشكلة، إذ أن الخريج يكتفي فقط بمؤهله الجامعي الذي حصل عليه من دول خارجية على سبيل المثال ولا يدعمه بدورات متخصصة أو خبرات اكتسبها من عمله، وعادة البنوك تطلب خبرات ودورات تخصصية لشغل مثل هذه الوظائف . ويضيف أن هناك انعكاسات سلبية على الاقتصاد السعودي عندما يتم تعيين جنسيات مختلفة في مثل هذه الوظائف، خاصة التي تعنى بالتمويل، وهذا سينعكس سلبا على حجم التمويل الممنوح لقطاع الشركات، وخاصة المؤسسات والشركات الصغيرة والمتوسطة والتي تحرص عليها الدولة بشكل كبير حاليا. ويعتبر أن المسئولين الأجانب الذين يملكون صلاحيات المنح في هذه الإدارات لديهم خبرات من خارج المملكة، ويرغبون في تطبيق ما رأوه في تلك الدول داخل المملكة، مع وجود اختلافات شاسعة بين سوق المملكة والأسواق الأخرى، وبالتالي يتم الإحجام عن التمويل لهذا القطاع وتبدأ بعدها المشكلات التي تتوالى بسبب ضعف التمويل. ويتابع: "الأمر الآخر هو حجم التحويلات المالية الهائل الذي يقوم به موظفي البنوك الأجانب بسبب حجم الدخل العالي الذي يتمتعون به، وبالتالي يتضرر ميزان المدفوعات في الاقتصاد ، حيث قدرت تحويلات الأجانب بأكثر من 700 مليار ريال (180 مليار دولار) خلال 10 سنوات بمعدل 70 مليار سنويا، وهو ضعف ما يصرفه السياح السعوديين في الخارج سنويا، وهو رقم كبير ويضر الاقتصاد بشكل كبير ، ولا يمكن قياس نسبة تحويلات موظفي البنوك من هذا الرقم". ونُشرت قائمة بمرتبات القياديين في البنوك ومكافآتهم، والتي تتجاوز شهريا مبلغ 300 ألف ريال كمرتب شهري، وأكثر من 20 مليون ريال مكافأة سنوية! يقول مسئول الموارد البشرية محمد أن معدل رواتب الغير سعوديين في إدارة المخاطر لا يقل عن 35 ألف ريال شهريا وقد يصل لمن يملك صلاحيات كبيرة إلى 80 ألف ريال ومكافآتهم السنوية تتجاوز ال10 ملايين ريال ، ويضيف أنه لا يقتصر ذلك على إدارة المخاطر والتي تعتبر إدارة تكلفة ، بل إن هناك إدارات التمويل وخاصة الشركات والتي يتقاضى مسئوليها الغير سعوديين مبالغ ضخمة جدا ، قد تكفي بتوظيف عشرات السعوديين المؤهلين بلا مبالغة! الناحية الأمنية وقرار ساما هناك نقطة مهمة أشارت إليها مؤسسة النقد في قرارها الصادر في 13 ابريل الماضي، بخصوص الحرص الأمني وعدم إفشاء أسرار العملاء، فأحد الأهداف التي سعت إليها المؤسسة في توظيف السعوديين هو الحفاظ على امن المعلومات في أهم قطاع اقتصادي في الدولة ، بالإضافة إلى الأهداف التي تسعى إليها الدولة في مكافحة الإرهاب وغيرها. ويلاحظ من قبل البنوك أنها لم تجر أي تغيير جذري في هيكلتها الإدارية الداخلية، ولم تعلن عن شواغر وظيفية في مناصبها القيادية المتوسطة والذي يزور احد إدارات البنوك يجد أنها تعج بغير السعوديين خاصة في الوظائف التخصصية، والتي سعت الحكومة في ابتعاث العديد من أبناء الوطن للدراسة في الخارج لتخصصات المحاسبة والمالية والمصرفية ولكنها لم تجد دعما جيدا من البنوك في استثمار تلك العقول، فلا تزال الثقة ضعيفة بمخرجات التعليم الداخلية والخارجية، والمؤسسة مطالبة بحث كثيرين بالضغط اكبر على البنوك لسعودة الوظائف القيادية وعدم التقييم على الفروع فقط.