الشعوب قديما وحديثا، دفعت ثمنا غاليا لنيل حريتها وكرامتها. ونتعلم من الحاضر والتاريخ، أن ثمن الاستكانة للذل والقهر والخوف من الطغاة، أفدح بكثير مما ندفعه ثمنا للحرية. ويعلمنا التاريخ أيضا أن الأحرار فقط هم من يدفعون عجلة التاريخ للأمام بدمائهم وتضحياتهم. وهم في طريق صناعة التاريخ المجيد لأمتهم، يواجهون طغاة ظالمين يعتمدون علي قوتهم الغاشمة، ويواجهون دعاية ودعاة الطاغية وهم ذئاب عاوية أسلمت خطامها لمن يسترقها بالمنصب والمال، ويواجهون عقولا غائبة عن الرؤية الصحيحة للمشهد، ويواجهون عبيدا يعشقون العبودية كلما مضى سيد أسلموا رقابهم لسيد جديد. ما الجديد في هذه العقبات التي تقابلنا اليوم ونحن نرسم طريق الحرية لوطننا؟ لا جديد؛ هذه هي الأصناف المكررة في مسيرة البشر عبر التاريخ. أليس القاضي والسجان والجلاد في حادثة إعدام الفلاحين البسطاء من أهل دنشواي كانوا مصريين؟! لا جديد.. أما أنتم أيها الأحرار الذين عطرت برائحة المسك دماؤكم الزكية أرض مصر، وملأت صيحاتكم جنباتها في كل شبر، أنتم من يصنع التاريخ. كان سيدنا عمر يقول: (إني أُحب من الرجل إذا سيم الخسف أن يقول بملئ الفم: لا) فقولوها بملئ الفم: لا لعودة العسكر، لا لعودة من نهبوا البلاد واسترقوا العباد، لا للظلم والطغيان وشريعة الغاب. أرسلوها برقا ورعودا. برقا يضيء طريق السالكين لدرب الحرية. ورعودا تزلزل أركان الطغاة أعداء الإنسانية. واعلموا أيها الأحرار، برغم الجراح والآلام، برغم عواء الذئاب، برغم التضليل والتشويه.. أنكم أنتم اليوم تكتبون فصلا جديدا من تاريخ أمتكم، بصدور عارية، وأيد من السلاح خاوية، ولكن بقلوب بالإيمان عامرة، وإشراقة أمل لمستقبل أمة رائدة. سجلوا أيها الأحرار مواقفكم، فسيطوينا ويطويكم الزمن، وتبقي مواقفنا ذكرى في منديل مخضب بالدماء، أو صورة فوتوغرافية في مسيرة أو ميدان. أو كلمة مسجلة أو مكتوبة.. ستظل بعدك وسام شرف وفخر للأجيال القادمة من أبنائك وأحفادك، ووثيقة تاريخية لك بأنك كنت إنسانا حرا، عبّدت للأجيال بعدك طريق الحرية.