القربي ينتقد قيادات المؤتمر التي تربط توحيد الحزب بالحصول على الدعم    اليمن تتصدر الدول العربية في تأشيرات الهجرة إلى أمريكا لعام 2024    أيوب التميمي.. حين تتحول سخرية الأم إلى صفعة على وجه المسؤول الغائب!    ترامب يعلن إلغاء لقائه مع بوتين في المجر    شبوة.. حريق ضخم يتسبب بأضرار مادية باهضة في الممتلكات    الأرصاد يحذر من منخفض جوي يتجه نحو أرخبيل سقطرى    محمد صلاح في القائمة المختصرة للمرشحين لنيل جائزة أفضل لاعب في إفريقيا 2025    ريال مدريد يعتلي الصدارة بعد فوزه الثالث على التوالي في دوري الأبطال    دوري ابطال اوروبا: ريال مدريد يحسم قمته بمواجهة اليوفنتوس    غاسبريني يريد لاعب يوفنتوس ماكيني    السكوت عن مظلومية المحامي محمد لقمان عار على المهنة كلها    أكبر جبان في العالم ؟!    قراءة تحليلية لنص "أكْل التراب" ل"أحمد سيف حاشد"    صوت من قلب الوجع: صرخة ابن المظلوم إلى عمّه القاضي    الدكتور عبدالله العليمي يطمئن على العميد رزيق ويوجّه بتعزيز الإجراءات لمواجهة الخطر الحوثي    اجتماع يناقش خطط عمل ومشاريع التحديث في هيئة المواصفات    تسليم 3 وحدات سكنية لأسر الشهداء الأشد فقراً في مقبنة بتعز    "حماس": تصويت الكنيست الصهيوني على ضم الضفة يعبر عن الوجه الاستعماري القبيح    حضرموت بين ماضيها المجيد ومستقبلها الحر.. لن تمحوها إخوانية الشر ولا حلف التبعية    هيئة الآثار تنشر قائمة جديدة بالآثار اليمنية المنهوبة    صنعاء: تدشين مبادرة "معاً لبيئة نظيفة" لتنظيف الأرصفة    (نص + فيديو) كلمة قائد الثورة في استشهاد القائد الفريق "الغماري"    عدن.. محكمة صيرة تصدر حكمًا بالإعدام قصاصًا بحق قاتل الشاب عارف فرانس    وزير الصناعة يبحث مع رئيس مجلس منظمة التجارة تفعيل عضوية اليمن وتعزيز حضورها الدولي    المحكمة الجزائية بحضرموت تقضي بإعدام 6 إيرانيين أدينوا بتهريب المخدرات إلى اليمن    عدن تُحتضر بصمت.. مأساة المدينة تكشف عجز التحالف والشرعية    تفجير تعز.. إصابة قائد عسكري يمني ومقتل 2 من مرافقيه    صنعاء تبدأ بترميم «قشلة كوكبان» التاريخية    حزام أبين يفكك خليتين تعملان لصالح مليشيات الحوثي ويضبط قيادات مرتبطة بتمويل خارجي    الكثيري: الاستثمار في الطاقة المتجددة خطوة استراتيجية لبناء جنوب حديث    رئيس الوزراء يدعو الشركات الصينية للاستثمار في اليمن ويشيد بالعلاقات الثنائية مع بكين    الذهب يتراجع بأكثر من 2% مع صعود الدولار وجني الأرباح    البنك الدولي: نحو 216 مليار دولار تكلفة إعادة إعمار سوريا    صنعاء.. البنك المركزي يوقف التعامل مع منشأة صرافة    رسمي: بدء صرف شهري سبتمبر و اكتوبر من اليوم    شرطة تعز تعلن ضبط 11 مطلوبا في قضايا ابتزاز واعتداء مسلح على مدرسة    احتجاجات عدن تكشف سياسة التجويع والترويع التي ينتهجها العدوان ومرتزقته    نتائج نارية ومفاجآت مدوية في أبطال أوروبا    قبل الكلاسيكو.. برشلونة يكتسح أولمبياكوس بسداسية    سيتي يغرق «الغواصات» في إسبانيا    على ضفاف السبعين.. رسالة من شاطئ العمر    القوات الخاصة البريطانية تنفذ عمليات سرية ضد روسيا    اكتشاف 4 نجوم تدور حول بعضها البعض في انتظام بديع    الكشف عن عين إلكترونية تمكن فاقدي البصر من القراءة مجددا    كلمة في وداع د. محمد الظاهري    مانشستر سيتي يتخطى فياريال بثنائية نظيفة في دوري أبطال أوروبا    نقابة المحامين اليمنيين تكلف لجنة لمتابعة قضية اعتقال المحامي صبرة    احتجاجات غاضبة في عدن عقب انهيار كامل للكهرباء وتفاقم معاناة السكان    صاحب الفخامة.. وأتباعه بدون تحية    قراءة تحليلية لنص "هاشم" اسم أثقل كاهلي ل"أحمد سيف حاشد"    مرض الفشل الكلوي (24)    ثوار 14أكتوبر وعدوا شعب الجنوب بأكل التفاح من الطاقة    شبابنا.. والتربية القرآنية..!!    إشادة بتمكن عامر بن حبيش في احتواء توتر أمني بمنفذ الوديعة    لو فيها خير ما تركها يهودي    اليمن انموذجا..أين تذهب أموال المانحين؟    الرمان... الفاكهة الأغنى بالفوائد الصحية عصيره يخفض ضغط الدم... وبذوره لها خصائص مضادة للالتهابات    ما فوائد تناول المغنيسيوم وفيتامين «بي-6» معاً؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عجائز الوثنيين العرب!
نشر في الخبر يوم 21 - 08 - 2013

ليس المد الإسلامي أحزاباً سياسية وحركات إسلامية ذات توجه إسلامي فحسب، بل ثقافة مجتمع خرج من أتون حصار فكري عابث متحكِّم ومسيطِر قادته تيارات قومية ويسارية وشيوعية وليبرالية وعلمانية متطرفة ترعرعت في أحضان أفكار أجنبية وافدة، ولم يكن ميلاد هذا المد سهلاً فقد حمل أوائل سني ولادته خصائص بعض المجتمع المتطرف الذي ولد منه فاكتسب منه الغلوّ والتطرف الذي ما زالت تعيشه تلك التيارات المتعلمِنة حتى اليوم؛ ولكن الثقافة الإسلامية الواسعة المنحازة للمصالح الراجحة والسهلة المسلك استعادت حضورها مجدداً في أوساط المد الإسلامي، وتمكّنت في نفوس الجماهير كثيراً، وأصبح الوعي الجماهيري العام يراعي الضمير الإسلامي الجامع لمكونات الشخصية المسلمة متجاوزاً مسلكيات الفرد المترددة أو غير المنتظمة، ناظرةً إلى مؤشّر صعود ثقافة الإسلام الصاعد إلى مسارات عالية.
لم يكن قياس هذا سهلاً قبل الثورات العربية، فقد كنّا نلمس ذلك في المجتمعات التي نعيش فيها، ونرى مظاهرها الشعبية تتسع وتنتشر، في مقابل تراجع مظاهر التيارات الأخرى التي احتفظت بحضورها النافذ لدى هذه السلطة الديكتاتورية أو تلك، وانتفعت بها وانتظمت في تحالفات متشابكة معها، وأصبحت جزءاً من شبكة المصالح المترابطة معها.
أمّا بعد الثورات العربية فقد دخل صندوق الانتخابات إلى جدول القياس، وبات يقول كلمته الواضحة، ولم تعد هناك فرصة للتزوير رغم كل ما يزوره صاحب السلطة، فقد بات الحضور أكبر من القدرة على جمع أوراق تزوير أزْيَد من حشود الجماهير الواقفة بالمرصاد.
عرفتُ في مسيرتي الثقافية والأدبية أدباء وشعراء وفنانين وموسيقيين، وأحتفظ بعلاقات طيبة مع كثيرين منهم، لأنني كنت أَعُدّ نفسي رسول الثقافة الإسلامية الواعية بينهم، وأحمل في جعبتي، كحال كثيرين من رواد الأدب الإسلاميين الزاهدين في عرض أنفسهم، أكثر من إمكاناتهم في مجالات عديدة، ولم أفاخرهم يوماً بما أودعه الله فيّ وبما أعانني على الاجتهاد فيه؛ فعرفوا قدري وحفظت لهم أقدارهم.
فتحتُ قنوات الصراحة، وبنيت جسور ألفة، واستمعت لخطوط الاتصال العريضة، رأوني على حقيقتي ورأيتهم على حقيقتهم، كنتُ أعلم أنّهم لم يشعروا بعدُ أنّهم يودّعون دنياهم الصاخبة بشيخوخة بيضاء لم تترك وراءها أثراً أبيض، كانوا يتساقطون كأوراق الشجر العالية، وتنبت مكانهم أوراق حالمة تنتمي إلى جذع الشجرة وجذورها الضاربة في أعماق الأرض، بينما تتكوّم الأوراق المتساقطة الصفراء فوق بعضها، تعيش بينها دواب الأرض الصغيرة وديدانها تعتاش من بقاياها، ثم تتحلّل وتذوب ليكون تحللها سماداً لنبتٍ طيب؛ لأننا هنا لا نؤسس على فراغ، وإنما نبني على بعض أشكال الفضل الذي تركوه، وإن كان في كثير من نواحيه مشوّهاً منقوضاً.
لستُ أُجانِبُ الواقع، وإن كنتُ أعذر من لا يرى ما أرى، فمؤسسة الإعلام الترفيهي التي كانت المكان الأخير الذي يؤوي هؤلاء المثقفين في منابرها، ما تزال تتسيّد عرش التأثير البصريّ، ولا تُدخِل أحداً في مجاريها المُوصِلة إلى الألوان والإضاءات البرّاقة إلاّ عبر الأفخاذ المكشوفة، والعبارات الماجنة، والانكسارات المتخلّعة.
كما أنّ المواقف الوثنية للأيديلوجيات اليسارية والقومية والناصرية جعلت معبودهم الوثني الذي يتعصّبون له في مداولاتهم ومواقفهم أقدس من حرية الإنسان، وأقدس من عقلهم نفسه، بل جعلوه أقدس من الإله الحق المعبود.
لقد فاتهم أنّ ثمة إعلاماً بديلاً أحلى أوصافه أنّه حر بلا رقيب، هو إعلام المواطن عبر منظومة التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد، الذي يحفر لنفسه مسارات عميقة ينكسر أمامها الإعلام الفضائي، بل إنّ جميع الدراسات تتحدث عن انتهاء عصر التلفزيون خلال عشر سنوات ليحلّ مكانه في العرش عصر الإنترنت.
أمامنا عشر سنوات فاصلة سيكون فيها الأدب غير الأدب، والشعر غير الشعر، والفن غير الفن، والإيقاع غير الإيقاع، والسينما غير السينما، والفيلم غير الفيلم، والصورة غير الصورة، والخط غير الخط، واللوحة غير اللوحة، لأن الوسيلة الحاكمة لم تعد مجرد وسيلة ناقلة بل أمست منظومة تفاعل وتأثّر وتأثير مفتوح الأفق ومفتوح الآلة، وهو ميلاد ينتمي إلى المجتمع الحقيقي بعيداً عن تسلط الحلف القديم بين ذراع العسكري ولسان السياسي وذيل المثقف الذي عاش كثيراً يلعق فتات السياسيين والعسكر رغم الكثير ممّا يتْلُونَه علينا من خرافات المثقف الحر المستنير الذي لا يخضع لأحد ثم ينكشف على نوعية الإنسان الجهول الباحث عن غرائزه ومتعته، المضحّي برصيده الكلاميّ.
لقد أثبت المثقفون الليبراليون أنّهم قوالب محنّطة تدّعي الإبداع الذي لم يصلها يوماً إلاّ على عكّاز منهوب أو مسروق، بعد أن انكشفت لعبة الإعلام الموجَّه الذي يصنع النجوم من الحجارة المنطفئة، ويلوّن القشرة بالبياض المتحوّل عن احتراق السماد العضوي القاتم، وانكشفت لعبة السلطة التي أحسنت بناء ديكورها وحشدت له كل أثاث يلزم لتزويق الباحة والساحة والمطرح حتى لو كان تالفاً المعنى والجوهر والنوعية، فالمهم أن يكون لسانُه أزهرَ، وشكلُه جاذباً يغري بالانضمام ثم ينغمس في النعيم الزائل.
لقد كشفت الثورات رجعية المثقف العربي واتحاداته النقابية التي تدعمها السلطات الديكتاتورية لتستمر في التبويق له والتصدية، بينما تنتشر الروابط الحرة في الحدائق الشعبية، وفي باحات المساجد الصغيرة، وفي ساحات الإنترنت، وفي مجموعات التواصل؛ وفي زوايا البيوت القديمة المكتظّة. ولا عزاء للرجعيين؛ ودامت ثورة المغيّبين.
* المدير العام لمؤسسة فلسطين للثقافة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.