عندما نصفق للمعتدي كنت ذات يوم أقلب القنوات الفضائية, وكان بجانبي أولادي الصغار, وقد بدا عليهم عدم الرضا, فقد ابتعدت عن قنواتهم المفضلة, حتى صادفتنا قناة للكبار, وكانت تبثّ فيلما عن الحقبة الاستعمارية لأفريقيا, حيث كان المشهد قتاليا ويظهر فيه المستعمرون وهم يقتلون الأفارقة الذين يدافعون عن بلادهم بأسلحة بيضاء, بينما يقاتل الغزاة بالبنادق, عندها انفرجت أسارير أولادي الصغار, وفرحوا بالمشهد وتعالت الأصوات «خليه يا بابا خليه يا بابا»، لكن الغريب في الأمر أنّهم كانوا يشجعون ذوي العيون الزرق, ويفرحون لمقتل الأفارقة السود, عندها كان لا بد من التدخل لتوضيح الأمر, فقلت لهم: أبنائي هؤلاء الأفارقة هم الضحية, وهم يدافعون عن بلادهم ضد المحتلين, إلاّ أنّهم لم يقتنعوا بكلامي واستمروا في تشجيع المحتلين رغم أنّ كل القتلى من السود, أتعرفون لماذا؟ لأن الكاتب والمخرج أرادا ذلك. الأرنب والسلحفاة من منّا لم يسمع بالسباق الشهير الذي جرى بين الأرنب والسلحفاة, أظنّكم أيقنتم وعرفتم النتيجة, نعم لقد عرفتموها, وستقولون: السلحفاة, أتعرفون لماذا؟ لأن شخصا واحدا (الكاتب) قرر أن تسبق السلحفاة الأرنب فصدّقنا ذلك, لكن حقيقة الأمر, لا توجد سلحفاة على وجه الأرض تستطيع أن تسبق الأرنب. ليلى والذئب قولوا لي لماذا يترك الذئب فتاة يافعة وجميلة «لحمها طري أوزي» سهلة الهضم, وهي وحدها في الغابة, مع كعكتها المحلاة, بعد أن يدخل معها في نقاش مطول, ثم يذهب إلى جدتها العجوز, ليأكلها وينام مكانها؟! ومن قال إنّ الذئب يتكلم أصلا, لكن الكاتب هو من أراد ذلك؟! روبنسون كروزو عندما سرق الكاتب الإنجليزي قصة ابن طفيل «حي بن يقظان» وركّب مكانها روبنسون كروزو الذي التقى بالشخص الموجود على الجزيرة وأعطاه اسما هو «فرايدي» كانت أول كلمة علمه إياها هي كلمة «سير» سيدي لإثبات السيادة والعبودية, أتعرفون لماذا؟ لأن الكاتب أراد ذلك. نعم كثيرة هي الأفكار التي نعتقدها جازمين, ولكنها على غير ما نعتقد, فنركن إلى ما نعتقد, ونبني كل قراراتنا, وأفكارنا على ما اعتقدناه خطأ, ونعتقد أنّه صحيح وصواب. هنالك دائما أفكار مختلفة, وطرق مختلفة, وحياة مختلفة, ولكن يراد لنا أن نسير في هذا الطريق, ولا نعتقد أو نرى غيره, فنسير فيه معتقدين أنّه الوحيد ولا بديل عنه, ودائما هناك من يسيّرنا, دائما هنالك كاتب ومخرج يدير الأمور من وراء الكواليس؛ إنّها القوة الناعمة «القوة الحقيقية» التي تجعلك تفكر كما يريد, وتختار ما يريد, وتنام كما يريد, وتأكل وتلعب وتنفعل وتفرح كما يريد, وتفعل ما تشاء كما يريد, وأنت فرح سعيد, وتعتقد أنّك تسير في طريقك الذي أنت تريد, لكن في حقيقة الأمر أنت تسير في الطريق الذي هو يريد! [email protected]