الانتخابات في الديمقراطيات الراسخة حلول للمشكلات، وخروج من الأزمات، لكنها في الديمقراطية الشكلية إضافات جديدة للمعضلات والأزمات والفتن. في السودان نجح الحزب الحاكم في الانتخابات التي قاطعتها أحزاب المعارضة، لكن جنوب السودان اليوم يطالب بالانفصال، في ظل دفع دولي يستهدف تمزيق أمتنا وتجزئة المجزأ وتقسيم المقسم، وإضعاف الضعيف..!! وفي اليمن قرر المؤتمر الشعبي العام من عام 1995م مصادرة الانتخابات مع إبقاء فُتات لذر الرماد في العيون، وإعطاء المشروعية، وكان له ما أراد باستخدامه للسلطة والمال العام والآلية الانتخابية ابتداء بمجلس النواب وانتهاء بالمجالس المحلية التي صارت حكراً عليه، ولكن الغالبية الكاسحة ليست حقيقية ولا تمثل الواقع، لذلك فإنها لم تُفض إلى استقرار وأمن، وإنما جلبت لليمن الويلات، التي تمر اليوم بأسوأ حالاتها، تذمر واضطراب في كل أنحاء البلاد، والوحدة الوطنية أمست على شفا جُرف هار، وسمعة اليمن في العالم غدت أنها من الدول الفقيرة والمتخلفة وغير المستقرة، وفرحت السلطة بتهمة الإرهاب لتستفيد منها لجلب المساعدات، واليوم تريد أن تدفع التهمة وتؤكد أنها قادرة على مواجهة الإرهاب ولم يصدق العالم!! إصرار بعض المتهورين على استمرار بقائهم في السلطة، واستئثارهم بمقدرات البلاد دفعهم اليوم إلى تفجير القنابل في طريق الحوار فقذفوا بمشروع قانون الانتخابات إلى مجلس النواب، وكان الأولى انتظار ما تصل إليه لجنة الحوار، وليس في العالم غالبية تسيء استخدام غالبيتها مثل الموجود في بلادنا: مخالفة للقوانين، ومصادمة للمصلحة العامة، وتجاوزاً للوائح وعدم تقدير للمسئولية. المعارضة –اليوم- في أفضل حالاتها، وهي واثقة أن الانتخابات الحرة والنزيهة ستخرج البلاد من الأزمات، لكنها لن تقبل أن تكون مجرد شاهد زروع على مصادرة آراء الناخبين، وعلى السلطة أن تعلم بأن الاستسلام للأمر الواقع الذي تريد فرضه لم يعد ممكناً، والوطن يتسع للجميع، وقد جربت الاستئثار وهانحن نجني ثمار الإقصاء والتهميش وحب الذات، ما نراه من انفلات وحروب وفساد طال حياة كل اليمنيين.. مازلنا نأمل في الحوار الوطني أن يتوقف عن سير السلحفاة وأن يبدأ بمناقشة القضايا التي نص عليها اتفاق فبراير 2009م، ولابد أن يعرف شعبنا أن إلقاء حجر قانون الانتخابات قبل الاتفاق على إصلاح المنظومة الانتخابية مؤشر على عدم رغبة أطراف نافذة في السلطة في الخروج من الأزمات، وهؤلاء ربما ظنوا أنهم سيأوون إلى جبل يعصمهم من الماء إذا تدفق الطوفان!! لماذا يقدمون العربة على الحصان؟ ولماذا تعكير أجواء الحوار؟ ولماذا يسمح للمتهورين الاستمرار في قيادة البلاد نحو الفتنة؟! أمام المعارضة فرص ومجالات كثيرة وواسعة للحركة، ويبدو أنها لن تفعل حتى تستكمل السلطة غلق أبواب الانفراج باباً باباً، ولعل في ذلك حكمة، فإذا أراد الله شيئاً هيأ أسبابه. إن الحليم إذا تفكر لم يكد يخفى عليه من الأمور الأوفق!!