نسرفُ كثيراً في اقتناء كل ما هو جديد على أرصفة الأسواق المحلية والعالمية, وإن كان رخيصاً لا يصل حد الباهظ, ولا ينزلُ إلى مستوى البخس من الثمن إلا إننا في النهاية نحصل على ما نريد ما دامت الصين قد صنعت كل شيء حتى(....)! لا نجيدُ إعداد ميزانية ناجحة غالباً, خاصة في ظل تقلبات الأسعار وانخفاض الأجور أو بقائها على ما هي عليه سنواتٍ طويلة. أضف إلى ذلك حالة الرتابة التي لا تشجع ظهور المواهب والفرص العلمية والإبداعية, والاكتفاء بذلك الدخل الزهيد مادام يوفرُ خبزاً جافاً ورشفة ماءٍ ملوثة! وبينما تسير الحياة من حولنا نحو الأفضل نظل نحن في ذلك القالب المعتق من (الحاصل) الذي لا يكفي. لكنني وعن طريق التجربة لاحظت أننا نستطيع فعل الكثير إذا أردنا فقط. فحين جربت مرة أن أحدد نوع وجبات الطعام لأطفالي في جدول صغير بحيث تختلف وجبات اليوم الأول عن الذي يليه, وجدت أنني استطيع توفير بعض المال لسدِّ ثغرات أخرى ضرورية مثل عمل فحوصات دورية للأطفال, أو الاستمتاع بنزهة آخر الأسبوع برفقتهم. لنجري فحصاً دقيقاً اليوم لجميع مقتنياتنا، ولنسأل أنفسنا هل كانت ضرورية فعلاً ؟!! سنجد أننا اشترينا الكثير مما لا يلزم فقط لتحقيق متعة الشراء ورغبة الاقتناء, بينما بقي الكثير منا بلا منازل أو سيارة تسهل القيام بأعمال هامة كان ينبغي القيام بها منذ زمن. ولعل الحكمة القائلة “إذا اشتريت كل شيء فسيأتي اليوم الذي تبيع فيه كل شيء”.. حكمة صحيحة إلى حدٍ ما خاصةً وأنهُ ما من أحدٍ منا إلا وقد دعتهُ الحاجة لبيع شيء ما اشتراهُ منذ زمن, لكن المشكلة ليست في البيع. بل بما سيحققهُ فعل البيع من إلغاء الحاجة للشراء, وأيضاً قد نشتري اليوم ما لا يقدّرُ بثمن ونبيعهُ غداً بأبخس ثمن, ولهذا كانت الدعوة لتوفير الأوليات من باب الحرص وتوفير اللازم والضروري: كتأمين منزل أو حصول الأطفال على تعليم عالٍ, أو إيجاد مصدر دخل دائم للأسرة. نعم مجتمعنا ليس مترفاً, ولكنه أيضاً يسيء استخدام مصادر الدخل, ولا يحاول الحصول على فرص أفضل لتحسين مستواهُ المعيشي. خلال شهر كامل قمت بإجراء اختبار على كل شيء ألقي به في سلة المهملات المطبخية, فوجدت أن مؤونة أسبوع كامل ترحل شهرياً مع الريح بالرغم من أني لا أحب التبذير أبداً, لكني اكتشفت أن استخدام الميزان في كيل الطعام طريقة ناجحة للتوفير, وهذا ليس بُخلاً ولا خروجاً عن دائرة الكرم اليمني, الذي اعترف أنه يقسم الظهر أحياناً, لكنهُ دعوة للتوفير من أجل تحقيق أهداف هامة قد لا نستطيع الوصول إليها بسهولة في ظل هذا الحرمان الكبير من الاستقرار المادي والوظيفي لشريحة عريضة من الناس. إن مجتمعنا لا يزال في ريعان شبابه مادياً أو اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً؛ لأنهُ لم يشهد بعد طفرة قوية تتسبب في إحداث ثروة هائلة اقتصادية كانت أم سياسية. وإلى أن يحين الوقت المناسب لحدوث ذلك يجب أن نهيئ أنفسنا لسياسة تقشف قصوى؛ إذ قد لا تحمل رياح الأيام في ثناياها كل ما نشتهيه من أمان واستقرار ورفاهية. ومن المفترض أن لا يفهم من خلال الكلام السابق اتباع سياسة تجويع وربط على البطون على العكس تماماً فأنا أدعو إلى التركيز على كل ما هو مفيد للصحة وترك العادات الغذائية السيئة وكمثال على ذلك, فإن العودة لحبوب الأرض يعتبر خياراً جيداً من الناحية المادية والصحية, حيث أن الروتي وجميع أنواع الخبز الأبيض لا تؤدي إلى زيادة الوزن فقط, بل إنها تضعف عمل جهاز المناعة؛ لأنها تتحول إلى سكر خالص بعد الهضم. وكاقتراح نستبدل قطعة حلوى بثمرة فاكهة من أي نوع، خمسون ريالاً مثلاً تكفي لشراء حبة “باباي” متوسطة تعطي ثماني قطع أكلاً وخمسة أكواب عصير شراباً لذيذاً بعد وجبة غداء وبمائة وخمسين ريالاً نحصل على اثنى عشرة حبة من الموز.. وبالتالي تسعة أكواب من العصير الطازج. وكمثال أيضاً عن الخضروات, فإن حبة جزر متوسطة تعطي للجسم حاجته الكاملة يومياً من فيتامين(a) والبيتاكاروتين.. أشياء كثيرة يمكن أن تستبدل بالأفضل جربت مرة أن أصنع حقيبة ملكية من معطفً قديم, كبرتُ أنا ولم يكبر هو فأحببتُ الاحتفاظ به رفيقاً لي كما رافقني عند الصغر, ولكم كنت أشعر بنظرات الغيرة من صديقاتي وهن يرغبن بالحصول على مثلها. فلماذا لا نحول كل ساكن حولنا إلى متحرك؟ ولماذا لا نبتكر ما نستطيع ابتكاره بدلاً من الركض خلف موضة التسوق التي لا تضيف إلى مقتنياتنا إلا صوراً مكررة مما يمتلكه الآخرون؟ حتى اللوحات الحائطية يمكن أن نرسمها بشيء من العفوية, وستبدو بديعة كما لو أن “سلفادور دالي” قد منحنا ذلك الخيال العبقري, الذي تحدثت عنهُ لوحاته الرائعة. نستطيع أن نسير وفق خطة اقتصادية منزلية متكاملة؛ فالمبدعون في كل منزلٍ يهتمون بزواياه الفارغة, والمعروفون بالتدبير يتناولون جانب الميزانية اليومية, والبارعون في طهي الطعام يستبدلون ما هو أدني بما هو أعلى عند الحاجة, ويبقون على سفرة شهية ملونة لا تدعو للخجل. في نظري سنصل حتماً لتحقيق مشاريعنا الصغيرة, التي لم نتوقع إنجازها يوماً ما, أو على أقل تقدير سنتمكن من وضع أيدينا على طرف الخيط ثم نسير كما تفعل السلحفاة رويداً حتى نصل. وأعتقد أن هذا أفضل بكثير من تكديس النفايات أمام المنازل, وفي مداخل الحارات, وعلى الأقل سنعطي المساكين (لُقمة نظيفة) بدلاً من أن يبحثوا عنها في صندوق القمامة.. المسألة ليست صعبة, وهي بحاجة إلى شيئين هامين أولاً: رجُل متفهم, وثانياً: امرأة ذكية, وأما الأطفال فلا أعتقد أن طفلاً ما يرفض تناول شربة الخضار مع العدس أو الملوخية مع الليمون, سلطة الزبادي مع النعناع المجفف.. تذوقوا كل ما سبق على وجبة غداء خفيفة؛ ستكون الحياة ألذُّ بكثير من معدة متخمة وجيوب تشكو الحُمى والوجع!!