قتربت تركيا من مرمى النيران الموجهة لها من سوريا بعد حادث مدينة غازى عنتب جنوب تركيا الذى أسفر عن سقوط تسعة قتلى وإصابة أكثر من 60 آخرين قبل أيام، وهو الحادث الذى تشير أصابع الاتهام إلى أن حزب العمال الكردستانى الانفصالى "بى كيه كيه" مسئول عنه، رغم أنه لم يعلن مسئوليته عن ذلك الحادث. وفى الوقت الذى كانت تركيا تشيع ضحاياها فى انفجار مدينة "غازى عنتب"، بمشاركة كبار رجال الدولة وعلى رأسهم الرئيس عبد الله جول ورئيس وزرائه وأعضاء حكومته، كانت عناصر حزب العمال الكردستانى الانفصالية توجه ضربة مميتة للقوات التركية فى مدينة "هكارى" جنوب شرق البلاد. ولم تتوقف هجمات حزب العمال الكردستانى الانفصالى "بى كيه كيه" على مدى الأشهر الماضية فى المدن والبلدات التركية، إلا أن التفجير والذى وقع ليلة ثانى أيام عيد الفطر فى "غازى عنتب"، حمل أكثر من دلالة لأنه يأتى على الحدود مع سوريا ولا سيما فى سياق التوتر على الشريط الحدودى بين البلدين الذى كان يوما ما، ولاسيما فى الأعياد، فرصة لتلاقى الشعبين. وتجد تركيا نفسها فى وضع صعب، حيث أتاها هجوم حزب العمال الكردستانى على الحدود مع شمال سوريا، وليس شمال العراق وهى المنطقة التى تشهد فصول حربها التقليدية ضد حزب العمال الكردستانى فى جبال قنديل. وبين ردود الفعل الخارجية التى نصحت تركيا بأن تعيد حساباتها وتنأى بنفسها عن الوضع فى سوريا، وبين كشف الحساب فى الداخل ودموع الأمهات والثكالى على ضحاياهم فى هذا التفجير وغيره، وجدت أنقرة نفسها أمام مرحلة جديدة فى التعامل مع الأزمة السورية بدأت فور وقوع انفجار"غازى عنتب". والشىء الذى تتفق عليه التحليلات السياسية فى تركيا هو أن زيادة هجمات حزب العمال الكردستانى التى تشير أصابع الاتهام له فى حادث غازى عنتب، له صلة بتدهور الأوضاع فى سوريا، ويرى البعض أن الهجوم الذى ربما تكون وراءه تنظيمات وأجهزة أخرى مثل "القاعدة". ويرى عدد من المراقبين لتطورات الأوضاع فى تركيا أن أنقرة التى انخرطت مع جامعة الدول العربية ومع لاعبين إقليميين، باتت جزءا من المشكلة بدلا من أن تصبح جزءا من الحل بعد أن طالت يد الإرهاب أرواح المدنيين الأتراك، وأن تركيا ستكون عرضة لعدم الاستقرار وستجلب على نفسها الكثير من المتاعب. ويؤكد هؤلاء أن على تركيا أن تقف برهة وتعيد حساباتها وتقييمها بصورة عاجلة للموقف برمته، ويشيرون إلى أن هناك خيارين أمام تركيا، أولهما إقامة منطقة حظر طيران ثم تأسيس منطقة آمنة تشمل إقامة ممر إنسانى، مما يزيد من فرص سقوط نظام الأسد والثانى هو مواصلة الحرب غير المباشرة بدعم المعارضة وتوافد الدعم اللوجستى والسلاح على سوريا، على أمل أن تقوم المعارضة السورية بإنجاز المهمة. وأصحاب هذا الرأى يتخوفون فى كلتا الحالتين من التداعيات الخطيرة على تركيا، ولا سيما وأن الانتخابات المحلية فى تركيا ستجرى العام المقبل والرئاسية العام الذى يليه، مما سيكون له تداعيات داخلية، حيث يزداد الضغط من المعارضة على حكومة العدالة التى يجب أن تتحمل "مسؤولية قصف المدن التركية خلال العيد". ولم يتوان أقطاب المعارضة التركية عن الهجوم على رأس الحكومة التركية "أردوغان" لأنه – حسب هؤلاء – فتح منطقة الحدود مع سوريا لعناصر الجيش السورى الحر، مما زاد من تحركات حزب العمال الكردستانى وحليفه حزب الوحدة الكردى السورى فى المنطقة، وبذلك تصبح تركيا معرضة للإرهاب من كل جانب، على ضوء أن "الكردستانى" يريد الاستفادة من فراغ السلطة وحالة انعدام الأمن فى شمال سوريا. وفى سياق متصل بتداعيات الأزمة السورية وأثرها على تركيا، ومع تزايد أعداد النازحين السوريين إلى الأراضى التركية وتصاعد نفوذ الأكراد المسلحين على الجانب السورى مع الحدود التركية ازداد بشكل ملحوظ حجم التوتر فى تركيا، وانعكس ذلك سلبا على علاقة أنقرة بأهم ثلاث دول من جيرانها فى المنطقة. وتنتظر تركيا الرد على اقتراحها بإقامة منطقة عازلة خلال الاجتماع الوزارى بالأمم المتحدة فى 30 أغسطس الجارى لإقامة منطقة عازلة لحماية اللاجئين الذين يتوافدون على الحدود التركية، وينتظر الآلاف غيرهم على الشريط الحدودى طلبا للحماية. ويبقى السؤال ماذا ينتظر تركيا من دوامة العنف والتى لا يمكن فصلها عما يجرى فى سوريا، وتزامن كل هذا مع التحركات الكردية على حدودها الجنوبية، وهل بدأت تركيا تكتوى بنار الحرب فى سوريا، على وقع ما حدث فى "غازى عنتب وهكارى وشمدينلى"، فى ظل اضطراب إقليمى نتيجة الصراع فى سوريا.