لقد آثر الرئيس المصري السابق حسني مبارك دخول قاعة المحكمة ملتزما الصمت طوال المحاكمة باستثناء كلمات بسيطة لاتعدو عن كلمته المثيرة للسخرية "أفندم" التي رد فيها على إثبات القاضي حضوره، والكلمة التي قال فيها "أنكر هذه التهم تماما" ، فيما لم يقف أو يدافع عن نفسه ، وإنما يظل مددا على سريره الطبي طوال الجلسة. على العكس تماما، دخل الرئيس المعزل محمد مرسي واثق الخطى وهو يرتدي بزة زرقاء داكنة، ويبدى مظاهر التحدي وسط تصفيق صاخب من المتهمين معه في القضية ليعلن أنه لا يزال الرئيس الشرعي لمصر. «أنا الدكتور محمد مرسي، رئيس الجمهورية .. وأنا محبوس بسبب الانقلاب، ورئيس جمهورية مصر، موجود في هذا المكان قسرا وبالقوة، وهذا يمثل جريمة، والمحكمة تتحمل المسؤولية كاملة» .. هكذا استهل كلامه عندما نطق القاضي اسمه وسط قائمة تضم سبعة متهمين آخرين. بلحيته رمادية اللون، ابتسم مرسي ولوح بيديه لمؤيديه والمحامين الذين كانوا يجلسون على مقاعد قاعة المحاضرات بأكاديمية الشرطة، كما لو كان يستعد لإلقاء محاضرة ، وكما لو كان هو القاضي أو الدكتور الذي يعنف طلابه. وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية فإن مرسي وبخ رجال الشرطة الذين كان يتمركزون خارج قفص الاتهام وكأنه هو القاضي أو الدكتور الذي يعلم طلاب وشرح لهم مرسي بكل ثقة أن ما يحدث معه تغطية على انقلاب عسكري ؛ ولن يقبل بأن يصبح القضاء غطاء لانقلاب عسكري. وحاول القاضي أحمدى صبري يوسف يائسا أن يبرر محاكمته قائلا : «لن يحدث ذلك.. لن يحدث ذلك» ، لكن مرسي قاطعه فبل أن يكمل كلامه قائلا : «جئت إلى هنا مجبرا وليس طوعيا». قاضي المحكمة لم يستطع مواصلة الجلسة بعدما هاجمه الرئيس المعزول بهذه العبارة، واظطر إلى رفع الجلسة لعشر دقائق. ويتصف الرئيس الإسلامي بصفتى العناد وإلقاء خطابات مطولة، وكلتاهما كانت حاضرة في أولى جلسات المحاكمة. وبحسب موقع جماعة الإخوان المسلمين قال الرئيس المعزول للقاضي من داخل المحكمة مخاطبا القاضي : «أنا رئيسك الشرعي وأنت باطل». وأضاف مرسي : «لن أرضى بالقضاء الشريف أن يشارك في الانقلاب العسكري» ؛ رافعا شعار رابعة العدوية. وعندما سأله القاضي عما إذا كان يريد الاستعانة بمحام، رد عليه : «أريد ميكروفون». وأضاف : «هذه ليست محكمة مختصة بمحاكمة رئيس.. إنه انقلاب عسكري، ينبغي محاكمة قادته.. الانقلاب خيانة وجريمة». وبمجرد أن نطق مرسي بهذه الكلمات، رفع القاضي الجلسة مجددا. وبعدما انتهى من توبيخ القاضي، تحول إلى مسؤولي الشرطة والحرس قائلا : «لا تسمحوا لأحد بأن يخدعكم .. لا ينبغي أن تصبحوا أعداء للشعب». وأكدت مصادر حضرت الجلسة أن الدكتور محمد مرسي، أصدر مرسوما رئاسيا من داخل القفص، بإقالة وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي، ووزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم. ومن المتوقع أن يؤدي القرار إلى إرباك صناع القرار في العواصم الغربية التي لا زالت تنظر إلى مرسي بوصفه الرئيس الشرعي للبلاد. وقالت المصادر إن مرسي، ظل مدخرا القرار إلى حين محاكمته ليفاجئ به خصومه، ويحرج المؤسسة العسكرية أمام المجتمع الدولي، وفقا ل «المصريون». وطالب مرسي المحكمة بإنهاء هذه المهزلة ، حسب قوله، مرددا من داخل قفص الاتهام «أنا الرئيس الشرعي». وبين الحين والآخر، حاول بعض الصحفيين المؤيدين للانقلاب تشتيته بترديد هتاف : «الاعدام ..الإعدام" ولكن دون جدوى». وبخلاف ما كان يحدث مع مبارك الذي بثت محاكمته على الهواء مباشرة، حاول التلفزيون المصري التعتيم عل وقائع الجلسة، بعرضها لقطات مقتضبة جدا وغير مصحوبة بصوت. المتهمون مع مرسي- وكلهم مساعدون له أو نشطاء إسلاميون- قاطعوا القاضي عند تلاوة أسمائهم بقولهم «يسقط يسقط حكم العسكر» ، وأدارو ظهورهم للقاضي رافعين علامة رابعة العدوية. ويواجه المتهمون مجموعة اتهامات بالتحريض على القتل في أحداث الاتحادية. وقال عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، من داخل قفص الاتهام: «أرفض هذه المحاكمة برمتها، وما ورد في قرار الاتهام». في حين قال البلتاجي إن لديه عشرة أسباب موضوعية لبطلان قرار الإحالة الصادر من النيابة العامة، مؤكدا أن القرار صدر من غير ذي صفة. وانتهت الجلسة، ليعلن القاضي تأجيل المحاكمة إلى الثامن من يناير المقبل.