دفع لقاء عابر للفنان اليمني «حسين محب»، مع آخر يحمل الجنسية الإسرائيلية، من جذور يمنية، بمسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني إلى الواجهة، حيث انقسم الناشطون اليمنيون ما بين ناقد لظهور «حسين محب»، برفقة الفنان الإسرائيلي من أصول يمنية، «زيون جولان»، وآخر يرى أن اللقاء كان عابرا ولا يجب أخذه على محمل السياسة. ففي يوم الخميس الماضي، حضر الفنان اليمني حسين محب، عُرس شاب يدعى محمد صالح علي محسن مقصع، المقرب من أسرة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح بالعاصمة الأردنية عمان، برفقة عدد من الفنانين، بينهم الفنان من أصول يمنية، زيون جولان، وقاما خلال الحفل بتأدية أغنية مشتركة.
لاحقا، انتشرت صور ل«محب»، وهو يبتسم برفقة «جولان»، ما أثار جدلا واسعا، انتقل من أوساط العامة إلى النخبة السياسية والإعلامية، حول موضوع التطبيع، حيث اعتبر البعض هذا الظهور، نوعا من أنواع التطبيع الناعم الذي يسعى إليه الكيان الصهيوني.
سفير اليمن لدى المملكة الأردنية الهاشمية، علي العمراني، انتقد الهجوم على الفنان اليمني «حسين محب» على خلفية لقاءه ب«زيون جولان»، مشيرا إلى أن محب «فنان متميز ومبدع وإنسان محبوب، وهو من أجمل من يعبر عن قوة اليمن الناعمة في زمن الجدب والجنون والموت».
وأشار في مقال نشره على حسابه بموقع «فيسبوك»، إلى أن «حسين محب» أكد أنه سبق ورفض التواصل ب«زيون جولان»، وأنه لم يرد على اتصالاته، كونه يهودي.
وقال السفير اليمني، «إنه لا يكفي أن تقاطعه كونه يهودي الديانة، إلا إذا كان يمارس بالفعل ما يضر بالشعب الفلسطيني، أما كونه فنانا يهوديا فقط، فهذا ليس سببا وجيها للمقاطعة، خاصة إذا كان مهتما بتراث اليمن الفني العريق، الذي يسرق وينهب ويشوه ويهمش ويضيع».
وأشار إلى أنه نصح «محب»، بأن يبحث ويدقق، فإذا كان «زيون» مجرد فنان يهودي فلا بأس من التعاون معه فيما يخدم الفن اليمني، ويروج لليمن الحبيب، أما في حال كان من الصهاينة الأشرار، فليصرف عنه النظر، مؤكدا أن الفنان «محب»، أكد بأن هذا بالفعل ما يفكر فيه، وأن هذه قناعته.
السفير العمراني، لفت أيضا إلى اهتمام غالبية اليهود اليمنيين في إسرائيل وافتخارهم بأصولهم اليمنية، وأن الكثير منهم ما يزال معتز بكل ما يمت ليمنيتهم بصلة.
وقال السفير «أما حسين محب، وأمثاله المبدعين من شباب اليمن، فلا بد من الحفاظ عليهم وتشجيعهم، والتماس الإعذار لهم.. فهم قوتنا الناعمة، في زمن صارت اليمن فيها عزلاء، إلا من إرثها العظيم، والقادرين على بعثه وتجويده في زمان الحرب والقحط والتهميش».
الفنان الكوميدي، محمد الأضرعي، قال إن الفنانين «حسين محب»، و «زيون جولان»، وجها رسالة مفادها أن «الفن والتراث اليمني أحد أهم قوالب وحدة الوجدان والشعور الوطني اليمني الذي يفاخر بالانتماء ويتجاوز كل الصراعات والتباينات»، مستغربا ممن يحاول استثمار الصورة لاستهداف الفنان اليمني حسين محب.
من جانبه، دعا الصحفي محمد المقبلي، إلى حملة تضامن واسعة مع الفنان «حسين محب»، على خلفية الهجوم الذي تعرض له على خلفية ما يتعرض له من حملة تخوين بسبب لقاءه بالفنان اليهودي من أصول يمنية «زيون جولان».
وذهب الصحفي المقبلي، إلى أن الأمر يتجاوز حُجّة التطبيع الثقافي، محملا جماعة الحوثي، أو ما أطلق عليها ب«الحركة الهاشمية» في اليمن، مسؤولية الحملة الممنهجة ضد «حسين محب».
وقال المقبلي «لا علاقة للحملة الإعلامية والتكفير والتهديد الذي تعرض له حسين محب بالتطبيع الثقافي مع اليهود اليمنيين الذين ينشرون الثقافة اليمنية والفن اليمني، فزيون جولان الذي غنى معه حسين محب يغني لليمن وتراث اليمن ولم يغني لهيكل سليمان أو للدولة الصهيونية بل ذهبت العديد من الكتابات الإسرائيلية في الحديث على أن الفن اليمني والثقافة اليمنية لم تذوب داخل كيان الدولة العبرية وإنها تشكل تهديد لثقافة الدولة الإسرائيلية الجديدة يهودية الهوية».
وذكّر المقبلي، بأحداث تصب في خانة التطبيع، وكان المشروع الإمامي الهاشمي في اليمن، صاحب الامتياز فيها، منها، حملة بساط الريح لتهجير اليهود من اليمن، إلى إسرائيل، بالترغيب والترهيب من قبل الإمام يحيى حميد الدين، وكذا تهريب العديد من المخطوطات العلنية والسرية التي تمت تحت إشراف اللوبي الهاشمي وآخرها نسخة التوراة ومخطوط أخرى لم يتم الكشف عنها إلى اللحظة.
كما لفت إلى أن جماعة الحوثي في اليمن ومشروعها الطائفي يخدم الاجندة الصهيونية في المنطقة حيث تلتقي إيران وأذرعها مع إسرائيل في مسألة استهداف الدولة الوطنية والهوية الوطنية.
وفي المقابل، كان لمعارضي اللقاء بين «محب» و «جولان»، تبريرات عديدة، منها أن الفنان «زيون جولان»، إسرائيلي، ويحمل العلم الإسرائيلي، أي أنه جاء إلى العرس، بهويته الإسرائيلية التي يعتز بها.
وفي هذا السياق، قال الصحفي علي الفقيه، رئيس تحرير صحيفة «المصدر»، إن «كونه يهودي انتقل من اليمن فذلك أمرٌ آخر، ولا فرق بينه وبين صهيوني جاء من روسيا وصار جزءاً من المشروع الصهيوني».
وأشار إلى أن «قيام فنان يمني بعمل دويتو مع فنان إسرائيلي ليس له إلا اسم واحد هو التطبيع»، لافتا إلى أنه من غير المناسب التذرع بكونه يغني أغاني يمنية.
وقال الفقيه «بيت مقصع الذين دعوا فنان إسرائيلي لإحياء حفل زفافهم في (عمَّان) هم يسترضون الصهاينة بأموالهم التي نهبوها خلال العقود الماضية من أقوات اليمنيين».
من جانبها، هاجمت الإعلامية منى صفوان الفنان «حسين محب»، مشيرة إلى وجود فرق بين فنان يمني يهودي وفنان إسرائيلي من أصل يمني، فاليهودي اليمني أو العربي - حسب قولها - مواطن عربي، أما الإسرائيلي من أي اصلٍ كان يبقى إسرائيليا، ويخدم اسرائيل، خاصة إن كان مولودا فيها، وهنا يقع اللبس.
وأضافت «بدون قصد يحدث التطبيع الشعبي مع الإسرائيلي وليس مع اليهود العرب».
وأشارت إلى أن حفلة كهذه تراها إسرائيل تطبيعا ناعما، مشيرة إلى أن الموضوع حساس ومعقد، وأن الأخطر هو أن يتم تناوله بخفة ومن دافع الحنين للفن اليمني والأمر ليس كذلك بالنسبة للطرف الأخر، أي إٍسرائيل.
من جانبه قال الفنان الإسرائيلي اليمني الأصل «زيون جولان»، أو «تسيون غولان»، باللغة العبرية، أدلى بتصريح عقب مشاركته في حفل زفاف يمني بالأردن، إنه يطمح بتقديم عرض موسيقي في اليمن.
وأضاف جولان في تصريح نقله موقع «المصدر» الإسرائيلي، إنه تلقى دعوة للمشاركة في مهرجان يمني كبير في وقت سابق، إلا أن الدعوة ألغيت بسبب التوتر الذي تعيشه في اليمن، مضيفا «أحلم بأن أزور اليمن، فأنا أغني أغاني تتعلق بهذا البلد، وأصل والدي منه».
هذا وسبق أن ألف «تسيون جولان»، البالغ من العمر 62 عاما، كتابا يضم «أناشيد دينية»، مترجمة من اليمنية إلى العبرية، بهدف توثيق التقاليد اليهودية في اليمن واللغة اليمنية، وبحسب موقع «المصدر»، فإن الكتاب معد للشبان اليهود الذين لا يعرفون اللغة اليمنية.
وبالرغم من انشغال اليمنيين بقضيتهم الكبرى المتمثلة في الانقلاب الحوثي، وتداعياته على حياة الناس، منذ العام 2014، إلا أن هذا لم ينسيهم، قضية فلسطين، التي يعتبرونها قضيتهم الأم.
وفي كل مناسبة، هم السباقين للتعبير عن تعاطفهم وتضامنهم الكامل مع هذا الشعب المظلوم، وبناء على ذلك، فإن الشعب اليمني، من أكثر الشعوب رفضا لفكرة التصالح مع المشروع الصهيوني، بأي شكل من الأشكال.
تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل أعلنت خلال السنتين الماضيتين عن نجاح عملية إجلاء لبضع عشر من الطائفة اليهودية من اليمن، بتنسيق مع جهات في الداخل لم تسمها، علما بأن اليهود الموجودين في اليمن يقعون في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، حيث تم تأكيد مغادرة مجموعة من اليهود، وبرفقتهم مخطوطات مهمة، تم تهريبها بنظر سلطة الأمر الواقع في صنعاء في شهر مارس من العام 2016.