يتربص بالاستثمارات الصغيرة والمتوسطة، للمغتربين اليمنيين في المملكة العربية السعودية، مصيرا ربما يكون مأساويا في نهاية المطاف. وبمعنى أدق، فإن التسوية المرجح أن يفرضها الجانب السعودي لا تخرج عن واحدة من صيغتي الحل الآتيتين: إما حصرها واستيعاب المؤهل منها فقط في إطار قانون الاستثمار البالغ الصرامة، أو تصفيتها نهائيا بطريقة قد تنتهي بطرد أصحابها من المملكة. والأخيرة إن تمت سيكون لها مردود كارثي على الاقتصاد اليمني ربما لا يقل فداحة عن قرار الترحيل الجماعي لنحو مليون مغترب يمني، الذي اتخذته السلطات السعودية إبان حرب الخليج كردة فعل انتقامية على خلفية موقف اليمن غير المؤيد لتحرير الكويت بالقوة. وتشير التقارير إلى أن الدوائر الاقتصادية السعودية (استجابة لضرورات سياسية وأمنية) بدأت عمليا إدراج المشاريع الاستثمارية- متفاوتة الحجم- التي تقدر ب 2 مليار ريال سعودي، وأنشأها مغتربون يمنيون على مراحل منذ النهوض الاقتصادي في المملكة الناجم عن طفرة النفط، ضمن ما يعرف بالاستثمارات المتستر عليها، والنظر إليها باعتبارها لا تخضع لمحددات قانون الاستثمار السعودي، تمهيدا لنقلها إلى خانة الاستثمار الأجنبي في المملكة. وتُعرف وزارة التجارة والصناعة السعودية، "المتستر" بأنه كل من يُمكِّن غير السعودي من الاستثمار في أي نشاط محظور عليه الاستثمار فيه، أو ممارسة أي نشاط محظور عليه ممارسته سواء كان ذلك عن طريق استعمال اسمه أو ترخيصه أو سجله التجاري، أو بأي طريقة أخرى. وشغل موضوع الاستثمارات اليمنية المتستر عليها، حيزا كبيرا من الاجتماعات الاستثنائية، التي عقدها مجلس الأعمال السعودي اليمني، برئاسة وزيري التجارة في البلدين، الأربعاء، في قصر المؤتمرات بجدة. ويبدو الموقف السعودي متصلبا ونهائيا بشأن مستقبل هذه الاستثمارات. وبحسب رئيس مجلس الأعمال السعودي اليمني عبدالله بن محفوظ، فإن المجلس بصدد معالجة هذه الاستثمارات لتصبح تحت مضلة الاستثمار الأجنبي في المملكة دون تصفيتها. وقال ابن محفوظ لجريدة "الوطن" السعودية، على هامش اجتماع مجلس الأعمال السعودي اليمني: "إن المجلس شكل ثلاث لجان لمتابعة هذه الاستثمارات تتضمن لجنة تجارية ولجنة الاستثمار ولجنه المحافظة على الاستثمارات في كلا البلدين".
وأشار بن محفوظ إلى أن المجلس "يسعى إلى إغلاق جميع ملفات إجراءات الفسح والتصدير والاستيراد وحماية المستثمرين من عبث الأعراف القبيلة، ومن التستر التجاري، اللذين أرهقا الدوائر الحكومية في وزارة التجارة والصناعة وفي مجالس القضاء في البلدين". الإعلام السعودي، هو الآخر، درج على تناول مسألة "التستر" كشيء مزعج، يؤرق صناع القرار في المملكة. وراح خبراء اقتصاديون سعوديون، يحصون، بطريقة مبالغ فيها، الآثار السلبية للاستثمارات الأجنبية المتستر عليها، وأهمية أن تخضع كل الاستثمارات الصغيرة والكبيرة للقوانين التي من شأنها تقليص فرص تسرب الأموال إلى خارج المملكة، وإلزام المستثمرين الأجانب بشروط بينها استيعاب العمالة السعودية قبل أي شيء آخر. ويوصي عبدالعالي بن إبراهيم العبدالعالي، المشرف على لجان مكافحة التستر في السعودية ب"قصر العمل في محلات بيع مواد البناء والأدوات الكهربائية والصحية ومحلات بيع الكمبيوتر والاتصالات ومحلات بيع قطع غيار السيارات وغيرها على السعوديين، وعدم السماح للعمالة الوافدة ممارستها وإلزام أصحاب هذه المحلات بمباشرة العمل بأنفسهم مع تكليفهم بوضع أسماء وبيانات العاملين في المحل وصورهم ورخص العمل الصادرة منهم. وإلزام جميع الشركات والمؤسسات والأسواق التجارية بعدم استخدام غير السعوديين في الوظائف الإدارية والمالية والوظائف الإدارية المساندة ووظائف العمليات بما في ذلك وظائف أعمال المحاسبة وغيرها من الوظائف التي يتوفر لشغلها عمالة سعودية". ومنذ طفرة النفط السعودية، اعتاد المغتربون اليمنيون على دفع كلفة باهظة عند أي فتور قد يشوب علاقات البلدين، تلك العلاقات التي هي من الهشاشة والحساسية بحيث يمكن أن يعكر صفوها حتى أكثر الأشياء تفاهة، ما ينعكس تلقائيا على مالك المغسلة أو صالون الحلاقة أو العامل في جدة والرياض وغيرها من المدن السعودية (قبل أسبوعين جمدت السفارة السعودية بصنعاء معاملات اليمنيين من طالبي العمل في المملكة احتجاجا على اختطاف فتاة سعودية، وهو إجراء غريب ومتسرع، لم تقم به حتى السفارات الغربية في صنعاء التي يتعرض رعاياها للهجمات بين فينة وأخرى من قبل جماعات خارج سيطرة الحكومة).
ولقد أصبح من البديهي أن يؤخذ في الحسبان، عند التعامل مع السعودية بالذات، كثرة ما بوسعها أن تفعله لإيذاء اليمن، أقله طرد أو تضييق الخناق على عشرات الآلاف من المهاجرين والمغتربين اللذين يرضخون، في غالبيتهم، لقوانين إقامة مجحفة تتنافى مع القانون الدولي وحقوق الإنسان. ويكشف تقرير سري جدا صدر عن وزارة المغتربين نشرت صحيفة إيلاف مقتطفات منه، عن تعرض رجال الأعمال اليمنيين لمضايقات كفلائهم في ضوء قانون مكافحة التستر، قد تصل بالطرفين إلى الوصول إلى المحاكم التي تنظر في القضية بحضور طرفي النزاع وتصدر قرارا بثبوت ملكيه اليمني للمواد في المحل التجاري، لكنها تلزمه بالتفريغ وتحيل المواد الثابتة لليمني لبيت مال المسلمين، بحجة عدم حضور المُطالب مع انه موجود منذ بداية سير المحاكمة في القضية والغرض من ذلك التستر على السعودي من إجراءات معاقبة المتسترين. وأورد التقرير، الذي كرس للحديث عن الأوضاع غير الإنسانية المهينة للمغتربين اليمنيين في السعودية، بندا خاصا بالمطالب التي يتوجب طرحها على الجانب السعودي، إضافة إلى الأوراق ذات الأهمية والتي يمكن التلويح بها واستخدامها إذا استدعت الضرورة، "كالمطالبة بتطبيق قرار اللجنة الدولية للتعويضات الذي تم تطبيقه على نظام التستر الذي كان معمولا به في الكويت، وفتح باب التعويضات للمغتربين اليمنيين الذين اجبروا على مغادره السعودية واضطروا إلى بيع ممتلكاتهم التجارية والعقارية وغيرها بأرخص الأثمان نتيجة للإجراءات التعسفية التي اتخذتها السلطات السعودية آنذاك، وقدرت حينها فارق الأسعار التي تكبدها اليمنيين جراء بيع ممتلكاتهم مابين (11- 14) مليار دولار أمريكي، ناهيك عن الممتلكات والحقوق التي تركوها ولم يتمكنوا من بيعها أو استلامها قبل مغادرتهم والتي قدرت بين (4-6) مليار دولار". كما اقترح التقرير، الذي نشر في أغسطس 2008، مطالبة الجانب السعودي باستثناء المغتربين اليمنيين من نظام التستر، والسماح لهم بتوثيق وتسجيل محلاتهم وممتلكاتهم التجارية لدى الأجهزة الرسمية المختصة بالمملكة بأسمائهم ومنحهم شهادة الملكية ورخص مزاوله الأنشطة التجارية، أو على اقل تقدير التنسيق بين الجانبين اليمني والسعودي لإيجاد مخرج قانوني يتم من خلاله تنظيم وتوثيق العلاقة بين المتستر السعودي والمالك اليمني بما يضمن للمالك اليمني حقوقه وممتلكاته التجارية ويضمن للمتستر السعودي حق تأجير الرخصة التجارية. ويحض التقرير على مطالبة الجانب السعودي أيضا بالإبقاء على الامتيازات التي كفلتها اتفاقية الطائف لمواطني البلدين (اليمن – والسعودية) من حيث حرية الإقامة والتنقل بين البلدين، والتي تم إلغاءها من جانب واحد، أي من جانب المملكة السعودية، وذلك بعد حرب الخليج الثانية عام 1990م، على الرغم من أن هذه الامتيازات لا يزال الموطنين السعوديين يتمتعون بها في اليمن. ليس هذا فحسب بل يتبعه أن اليمن قد فتحت أبوابها لاستقبال مواطني المملكة السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي دون تأشيرات دخول، وتتم معاملتهم كما يعامل المواطن اليمني سواء في الإقامة أو ممارسه أي أعمال تجاريه أو استثمارات.
في سياق ذي صلة، ناقشت اجتماعات مجلس الأعمال السعودي اليمني آلية إطلاق مشروع مدينة "الوديعة" الاقتصادية، حيث ينتظر أن تكتمل الدراسات الخاصة بالمشروع، الذي تزيد تكلفته عن 200 مليون دولار بعد أن حظي في وقت سابق بموافقة مجلس التنسيق السعودي اليمني الذي يترأسه ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز. وأوضح بن محفوظ، أن فكرة المشروع تتركز في ربط ميناء المكلا بالخط البري رقم 5، الذي يمتد من محافظة جدة حتى مدينة نجران وإلى نهاية المنطقة الشرقية، ويعتبر الطريق الدولي لمنطقة الخليج، مشيرا إلى أنه في حال اعتماد الدراسة سيتم البدء في المشروع خلال الستة الأشهر القادمة، والذي سيسهل نقل البضائع وتصديرها إلى دول العالم، وبصفة خاصة إلى أفريقيا. ولا يعرف ما إذا كان المشروع وثيق الصلة بحلم السعودية المتمثل بمد أنبوب نفط يقطع حضرموت وأصلا إلى المحيط الهندي، يجنبها مخاطر الاعتماد الكلي على ممرات بحرية تتهددها متغيرات دولية قد تحدث بشكل مفاجئ. إلا أن وزير التجارة والصناعة اليمني يحيى المتوكل، شرح فكرة المشروع بصورة مختلفة عن تلك التي قدمها بن محفوظ، حيث اعتبر في كلمته أن فكرة المشروع طرحت ليكون "منطقة اقتصادية متكاملة على جانبي الحدود، حيث تخدم التبادل التجاري والتوسع الاقتصادي، ولكن البداية الآن ستتم بدراسة الجدوى الاقتصادية، وإيضاح الاتجاهات المستقبلية لها، وما إذا كانت مبنية على خدمة للاقتصاد وربحية لرجال الأعمال". ولم يحدد سقفا زمنيا لانجاز المشروع. وبين المتوكل أن هذه المدينة "هي أحد متطلبات الدخول إلى مجلس التعاون الخليجي، وهي تمثل خطوة أساسية لتوحيد وتنسيق السياسات اليمنية في إطار سياسات مجلس التعاون الخليجي، والتكامل في إطار المشاريع المشتركة، والهدف الأساسي هو اندماج الاقتصاد اليمني مع اقتصاديات المجلس بالانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي". وعن الاتهامات المتبادلة حول تأخير المشروع بين البلدين قال "يجب تجاوز الاتهامات لأن المصلحة واحدة وينبغي لكل جانب أن يعمل قدر الإمكان حتى نحقق الهدف، ونحن سمعنا بعض الملاحظات اليوم من رجال الأعمال حول مستوى تنفيذ هذا المشروع، إلا أننا حرصنا أن يأتي مجموعة من الوفد اليمني إلى السعودية عن طريق الوديعة للرفع بتقرير عن الوضع القائم حاليا".