يبدو لي بديهياً أن اليمانيين لم يعودوا يطيقون كل هذه المشاكل التي تعصف بهم. هكذا يبدو ليمن خلال حالة الهيجان الغير معهودة، ومن خلال هذا الهم الكبير من القلق العام , من خلال القراءة لكتابات كثيرة ساخطة، وتشبيهات كثيرة تجعله وطناً مشوهاً ومسخاً في عيون قراء هذه المقالات، ومن يقرأ المقالات التي توصف الوطن وحالة الكاتب النفسية تجاهه يدرك كم أن الوضع مؤلم بالنسبة لصاحب حس وأمل يبدأ بالتوصيف للمشكلة أولاً ويكرر ذلك التوصيف ويزيد من تأنيب الضمير ويوسع الجرح ويحاول مراراً وتكراراً إيقاظ ضمير القارئ، وتوسيع مداركه الفكرية وتبصيرها بالمشاكل الاجتماعية والسياسية التي تعصف بالبلد.
إنه يحاول أن يخنق اليأس بتوصيف المشكلة ليس من أجل التوصيف فحسب لكنه يحاول إيقاظ الضمير الإنساني والعقل العربي ليبحث عن حل لهذه المشاكل أو تلك، كما أنه يحاول أن يعطي المشاكل أبعد من مجرد الرؤية إليها من زاوية واحدة ، فكم من المقالات والكتب ربما تعطيك من عناوينها نفس الانطباع الأولي لكنها في المضمون تحتوي على معاني عديدة وطريقة أخرى لطرح وعرض الموضوع لتبدو لنا طريقة كل كاتب في التوصيف للمرض وللعلاج كما هو حال الطبيب بالضبط.
الكتاب العرب وخلال المرحلة الماضية شاركونا ذلك الهم ومازالوا يشاركوننا , ولأن دائرة الجدل حول الوضع اليمني توسعت عربياً وعالميا،ً فيجدر أن أشير إلى رؤية بعض الكتاب العرب للواقع العربي واليمني خاصة لنرى بعيونهم حالنا ومآلنا.
الكاتب السوري محمد علي الحلبي في مقاله الأخير في موقع الجزيرة نت والذي يحمل عنوان"اليأس والتيئيس"والذي افتتحه بكلمات للشاعر أبو علي الحداد وهو يقول بعتُ الدفاتر وهي آخر ما يباع من المتاع لا تعجبي مما رأيت فنحن في زمن الضياع
بدأ يصف العالم العربي وأزماته محدداً نقاط الخلل والضعف وحالة اليأس التي وصل إليها العالم العربي مستذكراً حالة مصر والأردن والمغرب والجزائر والسوادان وفلسطين حتى وصل إلى اليمن، فقال:اليمن "غير السعيد"، نظام الحكم فيه دخل العقد الرابع من عمره، والأوضاع المعيشية فيه تزداد سوءا.
وضعت خطتان خمسيتان بالتعاون مع صندوق النقد الدولي لإنقاذ أوضاعه بين عامي 1995 و2005 وفشلتا، فكان التنادي إلى عقد مؤتمرات للمانحين للتخفيف من الأضرار الواقعة على شعبه، خاصة في ارتفاع الأسعار والغلاء والفساد وهبوط سعر صرف العملة المحلية، وحركات مناهضة الجنوب للوحدة التي تتزايد بازدياد الاستئثار بالسلطة في الشمال، الهمّ الوحيد لقيادته.
كل القراء والمفكرين والكتاب أدخلوا اليمن من خلال قراءتهم للواقع اليمني في دائرة حمراء عليها علامة إكس حمراء كبيرة كبر المشاكل اليمنية، فهذا فهمي هويدي يقول في مقال نشرته جريدة الشروق المصرية وهو يجيب على تساؤل أين المشكلة في اليمن ؟ . فيقول " في اليمن الآن أزمة عربية نمطية. نظام قبض على السلطة منذ أكثر من ثلاثين عاما، وتمسك بالاستمرار فيها واحتكارها.
ولإحكام القبضة سلمت مفاتيح البلد ومفاصله إلى الأبناء والأشقاء والأصهار ومن لف لفهم. وحين استتب احتكار السلطة انفتحت الشهية لاحتكار الثروة، التي أطلقت فيها الأيدي بغير حساب مما وسع من دائرة المنتفعين في الأسرة والقبيلة.
وهو ما أعاد إلى الأذهان ذكريات عهد الإمامة، وصار بعضهم يتندر قائلا إن الإمامة في هذا الزمن غدت في «سنحان» قبيلة الرئيس وكانت العرب تقول إن «الإمامة في قريش». ومنهم من أصبح يعبر عن تعجبه من استشراء نفوذ الأسرة الحاكمة قائلا: سنحان الله، بديلا عن سبحان الله!".
وفي ختام مقاله يقول بعد أن تحدث عن مشاكل اليمن والاتفاقات والحوارات وإعلان الرئيس بالعفو عن المعتقلين ودعوة الرئيس للحوار والذي أعتبرها من خلال سياق حديثه أنها مجرد مناورة أجريت لخروج النظام اليمني من مآزقه. كما تحدث الكاتب طلعت رميح في مقال بعنوان " اليمن : من وراء ما يجري؟ معتبراً أن ما يحدث في اليمن يعد نموذجاً شبيهاً بالنموذج السوداني حيث أن وقائع الأزمة في كلا البلدين في صراعاتهما ا لمسلحة وعملية تفكيك جغرافيتها وجهاز الدولة المركزية، دون احتلال عسكري أجنبي مباشر على الأرض. مستطرداً في الحديث عن الأزمات في كلا البلدين ليستنتج أن ما يهدد البلدين الآن ليس استمرار الحكم ولكن بقاء الدولة وكيف أن الحكومات العربية بدأت الحكم بعد الاستقلال على أساس فكرة الوطن ومواجهة المستعمر، وكيف أنها الآن تترك الساحة للاضطرابات والحروب والفتن الداخلية، وما يهمها هو مصالحها ومن أقرب إليها في الحكم ومؤسساته.
وأستطرد في المقال وهو يقارن بين البلدين ورغبة المستعمر في استياء الوضع في كليهما حسب زعمه، إلا أنه في نهاية مقاله يضع تساؤلاً ليجيب عليه فيقول لماذا تتمكن الدول الأخرى من إحداث مثل تلك الاختراقات في داخل هذه الدول التي تملك كل الحقوق في السيطرة على مجتمعها وإدارته؟.
ويجيب إن العامل الداخلي هو ما يهيئ الأجواء لتلقى الرأي العام لتلك الحركات والتعاطف معها على هذا النحو أو ذاك، وبالدقة إن نظم الحكم — كمسيرة تاريخية — هي المسئولة عن وصول المجتمعات إلى هذه الدرجة من التفكك، بفعل الفساد والاضطهاد وعدم الكفاءة وغلبة المصالح الضيقة لنخب الحكم على مصالح المجتمعات والدول، بل هي المسئولة عن تدهور الروح والولاء الوطني وسيادة النزعات العرقية والقبلية والجهوية في داخلها.
الكاتب العلماني التونسي منصف المرزوقي كتب أيضاً يقول في مقال بعنوان "الاستبداد "الصالح" بعد الاستبداد الطالح "، أن حظ المشروع ا لديمقراطي في الوطن العربي ضعيف جداً لعوامل عدة تضافرت كلها ضده ليسأل سؤالاً هو الآخر وهو المهتم بالديمقراطية والذي يطلق عليها الدمقرطة فيقول :هل نقول على أحلامنا بالدمقرطة السلام ، وآنذاك ما البديل ؟ ويبتعد المرزوقي في هذا المقال عن التعميم وفي تصوره أن النظام السياسي العربي واحد في هيكله لكن بحالات متباينة، فبدأ ا لتصنيف تماماً كما فعل الحلبي ليصل المرزوقي في مقاله بعد أن تحدث عن دول الخليج قائلاً أن هذه الدول قادرة على التواصل طويلا لأن الاستبداد ملطّف بالأبوية، محمي بالقبلية، قادر على شراء الأمان الاجتماعي بفائض الثروة، ناهيك عن الحماية الخارجية المضمونة على الأقل في الوقت الحالي.
لينتقل بعدها للحديث عن البطن الرخوة للنظام الاستبدادي والذي يمثل الجملكيات (مصر، سوريا، تونس، ليبيا، الجزائر، موريتانيا، السودان، اليمن)، حيث لا شرعية تاريخية أو سياسية ولا إنجازات وإنما العجز والفساد والقمع. قدر هذا الاستبداد الفاشل العيش بأقصى العنف لا خيار غير شعار "وداوني بالتي كانت هي الداء".
الصيرورة هنا بديهية: مرحلة احتضار نعايشها ولا أحد يعرف مدتها، ستتبعها مرحلة فوضى لا أحد يعرف خطورتها، ثمّ مرحلة بناء نظام جديد. لكن على أي شكل؟.
ما يجب أن لا أنساه في النهاية هو قانون المؤرخ الشهير توينبي :التحديات الكبرى هي التي تصنع الأمم الكبرى. وأنا دائماً أحدث نفسي وأطلق لها العنان للتفاؤل والأمل فأردد مقولة تقول لا يفوح العطر حتى يسحق ولا ينتشر العود ويطيب حتى يحرق ، ولا تنبت النبته حتى تدفن في الأرض وهكذا هي الشدائد فهي لنا نعمة في استخراج ما لدينا..
على الأقل في الوقت الراهن أظن أن المجتمعات لن تنتظر الحل من المفكرين والسياسيين بل ستبحث عن طريق الأشخاص والجماعات عن حلول جزئية بغض النظر عما يعمل في صلب الدولة . المصدر أونلاين