توضيح من أمن عدن بشأن مطاردة ناشط موالٍ للانتقالي    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    أهالي اللحوم الشرقية يناشدون مدير كهرباء المنطقة الثانية    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    34 ألف شهيد في غزة منذ بداية الحرب والمجازر متواصلة    قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    الخميني والتصوف    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    الريال ينتظر هدية جيرونا لحسم لقب الدوري الإسباني أمام قادش    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    أول تعليق من رونالدو بعد التأهل لنهائي كأس الملك    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    بن الوزير يدعم تولي أحد قادة التمرد الإخواني في منصب أمني كبير    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    الخطوط الجوية اليمنية توضح تفاصيل أسعار التذاكر وتكشف عن خطط جديدة    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    مقتل واصابة 30 في حادث سير مروع بمحافظة عمران    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    الانتقالي يتراجع عن الانقلاب على الشرعية في عدن.. ويكشف عن قرار لعيدروس الزبيدي    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    احتجاجات "كهربائية" تُشعل نار الغضب في خورمكسر عدن: أهالي الحي يقطعون الطريق أمام المطار    غارسيا يتحدث عن مستقبله    العليمي: رجل المرحلة الاستثنائية .. حنكة سياسية وأمنية تُعوّل عليها لاستعادة الدولة    الحوثيون يعلنون استعدادهم لدعم إيران في حرب إقليمية: تصعيد التوتر في المنطقة بعد هجمات على السفن    مخاوف الحوثيين من حرب دولية تدفعهم للقبول باتفاق هدنة مع الحكومة وواشنطن تريد هزيمتهم عسكرياً    مبلغ مالي كبير وحجة إلى بيت الله الحرام وسلاح شخصي.. ثاني تكريم للشاب البطل الذي أذهل الجميع باستقبال الرئيس العليمي في مارب    الرئيس الزُبيدي يعزي رئيس الإمارات بوفاة عمه    رئاسة الانتقالي تستعرض مستجدات الأوضاع المتصلة بالعملية السياسية والتصعيد المتواصل من قبل مليشيا الحوثي    مأرب ..ورشة عمل ل 20 شخصية من المؤثرين والفاعلين في ملف الطرقات المغلقة    مكتب التربية بالمهرة يعلن تعليق الدراسة غدا الخميس بسبب الحالة الجوية    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    رئيس الوزراء يؤكد الحرص على حل مشاكل العمال وإنصافهم وتخفيف معاناتهم    الذهب يهبط إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    التعادل يحسم قمة البايرن ضد الريال فى دورى أبطال أوروبا    كأس خادم الحرمين الشريفين ... الهلال المنقوص يتخطى الاتحاد في معركة نارية    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    بنوك هائل سعيد والكريمي والتجاري يرفضون الانتقال من صنعاء إلى عدن    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جوانب القوة والضعف في تنظيم القاعدة
نشر في المصدر يوم 09 - 09 - 2010

تسعة أعوام خلت على هجمات 11 سبتمبر/أيلول الدامية، ولا يزال تنظيم القاعدة يوغل في سحب المسلمين إلى حرب كونية مع الغرب، وحرب أهلية داخل مجتمعاتهم، وهو أمر يحتِّم على الجميع النظر إلى هذا التنظيم برؤية فاحصة.

وفي هذا المقال نلقي نظرة خاطفة على جوانب القوة والضعف في تنظيم القاعدة، من الناحيتين الأخلاقية والعملية، آملين أن يحقق ذلك فهما أفضل لهذه الظاهرة التي تتسع في مداها، وتتشعب في مظاهرها يوما بعد يوم.

لقد أصبح من العسير على العديد من المسلمين أن يحكموا على القاعدة حكما أخلاقيا أو إستراتيجيا. ويمكن اختزال أسباب ذلك في أربعة أمور:
أولا: أن هذا التنظيم يقاتل غالبا من أجل غايات شرعية، لكنه يستعمل غالبا وسائل غير شرعية. فشرعية الغاية تزكيه، وعدم شرعية الوسيلة تدينه.

ثانيا: أن الأمة بلغت من الانكشاف وتخلي قادتها عن مسؤولياتهم حدًّا جعل بعض المسلمين مستعدين لتفهم أي وسيلة لدفع العدو الصائل، حتى وإن لم تكن ضمائرهم مرتاحة لهذه الوسيلة.

ثالثا: أن القوى الأجنبية التي تقاتلها القاعدة أضعف موقفا أخلاقيا من القاعدة، فهي تستخدم وسائل غير شرعية لتحقيق غايات غير شرعية. فلا الغاية تشفع لها ولا الوسيلة.

رابعا: أن أفراد التنظيم يُظهرون من الإيمان برسالتهم والتضحية في سبيلها ما يجعل نقدهم صعبا على بعض الضمائر المسلمة.

وهذه النقطة الأخيرة تستحق وقفة خاصة، فهي مثال حي على "خديعة التضحية" كما يدعوها صديقي الكاتب الإستراتيجي المصري الشاب وائل عادل. ففي مقال لطيف بهذا العنوان يبين وائل عادل أن "خديعة التضحية تجعلنا أحياناً نمنح ثقتنا لأولئك الذين ضحوا كثيراً في حياتهم من أجل المبادئ والأفكار، بحجة أنهم أمناء على المبادئ".

لكن منح الثقة بهذه الطريقة الاعتباطية قد لا يكون أمرا حكيما، بل قد يكون ذلك تضحية منا بعقولنا. ذلك أن هناك "تضحيات يحتذى بها" و"تضحيات كارثية"، و"بين التضحية الهدامة والبناءة شعرة" يعسر على الكثيرين تبينها.

وللتعاطي مع هذا الأمر المثير للالتباس، يرى وائل أن علينا أن "نقف بالمرصاد لتلك الأفكار التي تريد أن تخترق عقولنا على رماح التضحية. مهما كان سحر الفكرة، سنحتجزها وننقيها مما اختلط بها من عرق البذل ودم الفداء، لننظر إليها عارية مجردة من ملابس الخديعة... فكم من أفكار قاتلة انتشرت رغم سوئها وقلة فاعليتها، والسبب هو تضحية حملتها".

فالتضحية قد تكون أحيانا "هي الباروكة الشقراء التي تغطي صلعة القرارات الخاطئة، فتفتن الناس محاوِلةً التلاعب بعقولهم.. ودور مزلزلي العقول هو نزع تلك الباروكة وإظهار ما تخبئه التضحيات الخداعة من مثالب".

وليس من ريب أن الكثير من تضحيات القاعدة ينطبق عليها هذا التشخيص البديع الذي كتبه الأستاذ وائل، فهي تضحيات تخفي تحت برقعها الشفاف قرارات سياسية خاطئة، وخيارات إستراتيجية مهلكة، فضلا عن اللبس الأخلاقي المحيط بها ابتداءً وانتهاءً.

وقد واجه المسلمون الأوائل هذه المعضلة الأخلاقية حينما ظهر بعض التجاوز من بعض قادة الجهاد في العصر النبوي والخلافة الراشدة.

فقد ورد في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه إلى السماء وقال "اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد" ثلاثا، وذلك حينما ترخَّص خالد في قتل قوم بعد إسلامهم واستسلامهم لجيشه.

وقد فسر ابن تيمية ما وقع بأن خالدا "لم يكن في الفقه والدين بمنزلة غيره، فخفي عليه حكم هذه القضية. ويقال إنه كان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية، وكان ذلك مما حركه على قتالهم" (منهاج السنة 4/487).

لكن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ من هذا التجاوز، وصححه بدفع ديات القتلى، فعلَّمنا بذلك الموقف درسا بليغا، هو ضرورة الوضوح الأخلاقي في قضايا الحرب والقتال، رغم صعوبة ذلك ودقة مسالكه.

ففي هذه الحادثة درسان بليغان جديران بالتأمل:
أولهما: أن المجاهد ليس فوق النقد، بل هو بشر يصيب ويخطئ، فالواجب بيان خطئه إذا أخطأ، والتبرؤ من فعله إذا أساء. وكونه يحمل هم الدفاع عن الأمة، ويستعد للتضحية في سبيل ذلك بأغلى ما يملك، لا يمنع من تسديد سهام النقد إليه وإدانته، حين يتجاوز أخلاق الإسلام في الحرب والقتال.

وثانيهما: أن التبرؤ من تجاوزات المجاهدين لا يعني التبرؤ من مبدأ الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، ولا التبرؤ من المجاهدين الذين هم درع الأمة وحصنها الحصين.

فالنبي صلى الله عليه وسلم تبرأ من فعل خالد بن الوليد، لكنه لم يتبرأ من شخص خالد، ولا عطل الجهاد بسبب أخطائه، بل ظل خالد أحد قادته الكبار بعد التبرؤ من فعله ذلك. وهذا أمر دقيق المسلك نحتاج إلى تدبره بروية.

وأحيانا تزدحم الاعتبارات الأخلاقية بالاعتبارات العملية، كما نجده في قصة أخرى حول خالد بن الوليد. فقد "كانت في بني سليم رِدَّة، فبعث إليهم أبو بكر خالد بن الوليد فجمع منهم أناسا في حظيرة حرَّقها عليهم بالنار، فبلغ ذلك عمر فأتى أبا بكر فقال: انزع رجلا يعذب بعذاب الله. فقال أبو بكر: والله لا أشيم [أيْ لا أُغمِد] سيفا سله الله على عدوه... وأمره فمضى من وجهه ذلك إلى مسيلمة" (مصنف ابن أبي شيبة 6/547 ومصنف عبد الرزاق 5/212).

فقد تشبث عمر هنا بالاعتبار الأخلاقي الصِّرف المانع من قتل الناس حرقا، لكن أبا بكر كان يؤرقه اعتبار آخر عملي وأخلاقي معا، وهو انكشاف الأمة كلها أمام المرتدين وقوتهم المدمرة.. كانت عين الصديق على مسيلمة وخطره الداهم، ورأى في ذلك أولوية الوقت.

على أن مقارنة القاعدة بقصتيْ خالد بن الوليد هنا تشتمل على الكثير من المجازفة، فتجاوزات خالد رضي الله عنه كانت أخطاء عرَضية غير مقصودة، واستثناءً من مسار عام محكوم بأخلاق الإسلام، كما كانت بسيطة جدا مقارنة مع سجله المشرِّف الحافل، بينما تتخذ القاعدة من هذه الأمور المناقضة لأخلاق الحرب في الإسلام منهجا دائما، وتؤصلها وتسوغها تسويغا.

والسبب في ولوغ القاعدة في دماء الأبرياء هو اللوثة التكفيرية الطاغية على فكرها وخطابها، وهو أمر جعلها تشتد على المسلم الذي تدعي الجهاد لنصرته شدَّتَها على غير المسلم الصائل، وتعامل البريء المسالم معاملة المقاتل الظالم، وتستبيح الدماء بتأويلات غثة ليس لها ركن من الشرع ركين.

والمجاهد الحق لا بد أن يكون عطوفا على المسلمين الذين يدافع عنهم، حريصا عليهم، متألفا لهم، حتى وإن اختلف معهم في تفسير دقائق العقائد أو تفاصيل الأحكام. وذلك هو مغزى وصف النبي صلى الله عليه وصحبه في القرآن الكريم بأنهم "أشداء على الكفار رحماء بينهم" (سورة الفتح، الآية 29).

وما أبعد الحكمة والرحمة عمن يفجرون أنفسهم في مظاهرات تم تسييرها في يوم القدس العالمي، في شهر رمضان المبارك، في بلد يعيش كارثة إنسانية.

فإذا كان قادة تنظيم القاعدة وحلفاؤهم يعتقدون أنهم بالشدة على المسلم وغير المسلم، واستهداف المحارب والمسالم، والتخلي عن الحكمة والرحمة، سيحققون أمرا ذا بال لأمة الإسلام، فتلك غفلة شنيعة، وجهل بسنن الشرع وعِبَر التاريخ.

وخلاصة هذا الشق الأخلاقي من المسألة أن أهم جانب من جوانب القوة في تنظيم القاعدة هو شرعية بعض غاياته، لكن أكبر جانب ضعف فيه هو عدم شرعية بعض وسائله.

ولن يكسب تنظيم القاعدة ولا غيره من التنظيمات الجهادية قلوب المسلمين إلا بالوضوح الأخلاقي الذي يجمع بين شرعية الغاية والوسيلة معا.

أما إن واصل التنظيم إيغاله في استباحة الدماء جملةً، دون تمييز بين محارب ومسالم، فسيكون مآله الإفلاس الأخلاقي والهزيمة العملية، بعد أن يترك وراءه حرائق في كل أصقاع الأرض، سيكلف إطفاؤها الأمة الإسلامية الكثير.

إن قوة الضعفاء تكمن في شرعية أهدافهم لا في فاعلية وسائلهم، بينما يكمن ضعف الأقوياء في عدم شرعية أهدافهم.

وحينما تصبح وسائل القاعدة وسائل غير شرعية فإنها تكون أفقدت نفسها وأفقدت الأمة مكسبا كبيرا كان في ميزانها الأخلاقي والإستراتيجي.

فإذا تركنا هذه الجوانب الأخلاقية والإستراتيجية جانبا، ونظرنا من الوجهة التكتيكية، فيمكن إجمال جوانب القوة في القاعدة في ثلاثة، هي روح التضحية في صفوفها، وأمنها الوقائي، وتنوع مصادرها البشرية.

إن استعداد أعضاء تنظيم القاعدة وامتداداته للتضحية بأرواحهم، واعتمادهم أسلوب التفجير الذاتي، جعلهم قوة عصيَّة على الهزيمة. فلا يمكن هزيمة الباحث عن الموت في مظانه، وذلك هو مكمن القوة الذي لم تستطع أقوى الجيوش في العالم كسر شوكته حتى الآن.

لقد حولت القاعدة أعضاءها إلى قنابل بشرية تفكر وتخطط وتغير مسارها كما تشاء. إنها "القنبلة التي تمشي وتتكلم" The Bomb That Talks and Walks كما دعاها الكاتب الإيراني أمير طاهري، وهي قنبلة من العسير اكتشافها أو ثنيها عن مرادها.

وفي جانب الأمن الوقائي تبدو القاعدة قوية أيضا. ولذلك حمت قيادتها العليا من الاعتقال أو القتل حوالي عقد من الزمان رغم الملاحقات الأمنية على المسرح العالمي كله.

صحيح أن القاعدة خسرت قيادات متمرسة من الصف الثاني، أهمها خالد شيخ محمد ورمزي بن شيبة، وربما كان ذلك من أسباب عجزها عن تكرار هجوم كبير بحجم هجمات 11 سبتمبر/أيلول، لكن قدرتها على تأمين قيادة الصف الأول ذوي الرمزية العالية -خصوصا بن لادن والظواهري- يدل على خبرة كبيرة وقدرة متميزة في مجال الأمن الوقائي.

ولو أن الأميركيين وحلفاءهم حققوا نصرا في الإمساك بأحد هذين الرمزين لربما أدى ذلك إلى تصدع عميق وانهيار معنوي في بناء القاعدة كله.

أما جانب القوة الثالث فهو تنوع واتساع المصادر البشرية التي تستمد منها القاعدة. فهي نظريا تعتبر كل مسلم في أي بقعة من الأرض جنديا محتملا من جنودها.

وقد استمدت القاعدة عضويتها المقاتلة من جنسيات عديدة وبلدان شتى. وهذا ما يجعل متابعة عمليات التجنيد في هذا التنظيم عسيرة للغاية، لأن مسرحها العالم كله، وهو ما يربك وينهك المخططين الأميركيين كثيرا.

أما جوانب الضعف التكتيكية في تنظيم القاعدة فيمكن إجمالها أيضا في ثلاثة: فمن نقاط ضعفها على المستوى التكتيكي خطابها السياسي الضعيف وغير المتماسك مقارنة مع جهدها الميداني.

فالقاعدة لا تترجم انتصاراتها الميدانية إلى رأسمال سياسي. فالرسالة السياسية المصاحبة لهجمات 11 سبتمبر/أيلول كانت ضعيفة جدا مقارنة مع هول ذلك اليوم الذي هز العالم كله. ورسالة همام البلوي التي خلفها باهتة جدا مقارنة مع براعة العملية التي نفذها، حتى إن مايكل شوير -رئيس وحدة بن لا دن في سي آي أي سابقا- لم يتمالك نفسه من القول إن عملية البلوي "عملية رائعة" بالموازين الاستخبارية.

ومن نقاط الضعف التكتيكية في القاعدة اتجاهها وجهة القتال على جبهات عريضة، حيث اعتبرت العالم كله مسرحا لعملياتها، وحولت أغلب دول العالم عدوا لها دون ضرورة.

ولو أن القاعدة سددت رميتها بشكل أدق، وضيقت جبهة المواجهة وحصرتها في عدوها المباشر، لوفر عليها ذلك الكثير من العداوات والمطاردات التي أنهكتها في حروب جانبية لا صلة لها بوجهتها الأصلية.

أما نقطة الضعف التكتيكية الثالثة في القاعدة فهي إهمالها الجبهة الفلسطينية، وهي أكثر الجبهات وضوحا من الناحية الأخلاقية، وأكبرها جاذبية سياسية لمن يريد تحريك الأمة وكسب الأتباع. لكن القاعدة لم تهتم بالجبهة الفلسطينية بشكل عملي مباشر. وربما لسوء تقديراتها السياسية تظن القاعدة أنها بضرب الأميركيين تُوجِع الإسرائيليين، بينما العكس هو الصحيح تماما.

ولو أن القاعدة ركزت على الجبهة الفلسطينية لدخلت أعماق الوجدان المسلم، ولتحولت إلى مصدر إلهام للشباب المتعطش للفداء.

ومهما يكن من أمر فإن القاعدة تبدو اليوم بعد تسع سنين من هجمات 11 سبتمبر/أيلول الدامية متجهة إحدى وجهتين، إما أن تتحول إلى حركة تحرير أكثر فاعلية وتركيزا، وأكثر تخففا من الخطاب التكفيري المفرِّق الممزِّق، ثم تركز على القضايا الإجماعية مثل قضية فلسطين، وتحصر حربها في جبهات ضيقة واضحة كل الوضوح من الناحيتين الأخلاقية والسياسية. وإما أن تتفكك إلى "قواعد" متعددة، ذات مشارب شتى، سيكون بعضها أقوى وأبقى، وأدرى باللعبة الإستراتيجية من القاعدة الحالية، وسينتحر بعضها الآخر على أعتاب العدمية.

وفي كل الأحوال فإن ظاهرة "القاعدة" لن تختفي حتى تنتفي مبررات وجودها، وهو أمر غير وارد في الأمد المنظور.

فما دامت أمة الإسلام منكشفة الصدر مستباحة، وما دام قادتها متخاذلين لا يحملون همًّا سوى إشباع غرائز التحكم والبقاء، فسيظل على الساحة من يحركه الغضب وتدفعه الحمية إلى رفع راية الجهاد، حتى ولو كان ذلك في حروب هوجاء لا أول لها ولا آخر.

عن الجزيرة نت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.