إذا كانت البداية أن يصبح "بلال" الحبشي الأسود سيداً للمسلمين، وأن يتم اختياره من بين سائر الصحابة والأتباع لكي يرفع أول نداء للصلاة على سطح الكعبة بعد تحريرها، ونعلاه يخفقان فوق رؤوس السادة والكبار من طلقاء مكة.. وإذا كانت البداية أن يقول الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مخاطباً أبناء أمته: اسمعوا وأطيعوا ولو استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة" والقرآن الكريم قالها بوضوح منذ اللحظات الأولى "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و....." والرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم يقول: "لا فضل لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي إلا بالتقوى والعمل الصالح" ومن هذا المنطلق يقف الإنسان على قدم المساواة بغض النظر عن لونه وعرقه وجنسه، وليس ثمة كالحضارة الإسلامية منحاً للفرصة المفتوحة للخدم والعبيد والجواري والمستضعفين، ولم يقل أحد من أبناء الأمة وقاداتها هذا لا يجوز. وفي التاريخ الإسلامي صعود للفقراء والكادحين والعبيد إلى أعلم السلع. إنها حالة طبيعية في ساحة حضارة الإسلام، إذ لا فرق بين السادة والعبيد والشيخ والرعوي ولا زال بلال سيدنا حتى في القرن الحادي والعشرين، والممالك الذين كانوا يباعون ويشترون في الأسواق أقاموا في مصر والشام والحجاز دولتين كبيرتين أسهمتا بشكل واسع في الإبداع الحضاري الإسلامي، وهناك أعلام مشاهير من طبقة الموالي والعبيد.
هذا في الزمن البعيد، كان في الهند -على سبيل المثال- المنبوذ يظل منبوذاً مهما امتلك من طاقات وقدرات أو قدم أي عمل. وفي روما كان غير الرومانيين محسوبين على الخدم والعبيد الأُجراء، أما في العصر الحديث فيكفي أن نلقي نظرة على ما كان يجري في الولاياتالمتحدةالأمريكية حتى عهد قريب أو تقرأ كتاب ك"الجذور" للكتاب الأمريكي الزنجي "ألكس هيلي" لكي نرى بأم أعيننا ما فعله البيض بالسود هناك مما تقشعر لهوله الأبدان.. ولم يكن بمقدور الزنجي في أمريكا أن يأكل في مطاعم البيض أو ينزل في فنادقهم.
إن العبودية دعوة صريحة لهدم النفس الإنسانية وكيانها الروحي والبدني وتحويله إلى حيوان للتجربة، ولهذا فالحرية وليس غيرها هي التي تضيء الطريق وتسرع بالخطى إلى التقدم الحقيقي، وتخلق الوعي المستنير، وتجعل من أفراد المجتمع مواطنين شرفاء، فالعبيد يؤدون دورهم في الحياة بالإكراه، والأحرار يجدون دوافع سامية لتخليصهم لتشرق الحياة في قلوبهم وأرواحهم وتملؤهم اعتزازاً بأنهم حماة الوطن وتراثه ودينه لو أُحسن توظيف طاقاتهم وقدراتهم.
والحرية لا يخافها إلا المرضى والمتشككون والطغاة، ولا يحاد بها إلا منحرف، لندعها تنطلق فالسلطة ليست وحدها صاحبة حق الرفض والقبول فالمصلحة العامة تكتسب صفة العمومية، فهي مصلحة القائل والمتلقي، والذين يرفضون الحرية للناس يشعرون بالإثم الذي يعمل في قلوب اللصوص والكاذبين والمتآمرين.
أيها المثقفون أعطوا العبودية من النقاش ما يستحق ولو نصيباً من زواج الصغيرات. وللحكومة ومنظمات حقوق الإنسان.. لماذا لا يحال هؤلاء الإقطاعيون الذين يستعبدون الناس إلى القضاء لأنهم يرتكبون جرائم ضد مشاعر الإنسانية. فلنجعل من الحرية أغنية على كل الشفاه. ولأن رحلة التحرر مرهقة وطويلة إلا أنها في النهاية ممتعة ولذيذة، يقول: نيلسون مانديلا في كتاب "رحلتي الطويلة إلى الحرية": "ما وصلت إلى ما أرى إلا بعد تعب ومشقة وحبس وأذى وألم. وكنت أقول للسّجان وهو .... في الزنزانة": "سوف أخرج وتسطع الشمس بأشعتها في جبيني, وأطأ بقدمي في حديقة الحرية الخضراء".