ينبغي أن ندرك جميعاً أن الظهور في الإعلام ليس دليل الكفاءة، خاصة بعد أن أصبحت القنوات الفضائية مملوكة للأفراد، وبإمكان صاحب ميزانية بسيطة أن يفتح قناة فضائية ليدير حواراً أو يعبأ رأياً ويقول كلمات ويعرض صوراً.. كما هو حال الكثير من القنوات الفضائية العربية أو التي تبث بالعربية، وبالتالي فإن وسائل الهدم باعتقادي كثيرة في عالمنا حيث لم يعد خفياً على أحد أن هناك قنوات فضائية تديرها عناصر كثيرة تمارس القتل والتشريد والهدم بدعوى الحق والحقيقة والشهادة والاستشهاد، ولم يعد خافياً أيضاً أن كثير من القنوات الإعلامية الفضائية تعرض الهزل والتمايل لتشرح الحال العربي هزاً ورقصاً على وتر الإحباط والتشاؤم والإحساس بالدونية، وهناك أيضاً من سخرت نفسها لصور القائد الزعيم المبجل فليس لها حديث إلا حديثه، ولا تقول كلاماً إلا بصوته، ولا تعرض صوراً جميلة في بلداننا إلا وتحشر صورته "المتعفنة" في القلوب إلى الطبيعة لتشوه كل شيء، وذلك حتى تتجسد في أذهان كل من يشاهد هذه القنوات الفضائية بأن هذه الصورة من منجزاته ومن مآثره التي يجب أن يبقى لتبقى وأن لا يزول حتى تضل هي بما فيها تعبأ الروح الوطنية، عندها يبقى كل شيء جميل مرتبط بالسلطات القائمة، وكل ما عداه يُربط في ليل بأحد المتآمرين على الزعيم حتى وإن كان باحث أو ناشط أو صحفي. هذا الهوس بالظهور الإعلامي يقود أصحابه إلى الفضيحة في كثير من المحطات، حين تخلو عقولهم من أي فكرة وتحس من مظاهرهم في الإعلام كم أن الرؤوس خالية، وتحس أيضاً أن ما يقولونه في الإعلام يتنافى بشكل كلي عن ما هو ظاهر أمام الناس، فالدول العربية كلها تمتلك قنوات خاصة، تعرض صور القائد وإنجازاته مع أصوات بديعة تغني بحياة القائد "المناضل" والذي لا قائد غيرة، دون أن يتطرق هذا الإعلام إلى كل مظاهر الفشل العربي وأسبابه والذي جعلنا ننتقل انتقالاً تدريجياً من الصفوف الأولى إلى الأخيرة في تحضير رسمي عربي نخبوي للانتقال إلى المراحل المتخلفة والمولية للإدبار فيما يخص الصراع على الحياة بكرامة وبعزة، هذا الانتقال يحكم عليه السلوك العام للحكومات العربية والتي تبذل جهداً لا بأس به في إرباك العامة وتبليدهم وتسطيحهم، ويسعون أيما سعي في المحافظة على بقائهم وبقاء دولهم الضعيفة والفاشلة اقتصادياً سالكة الطريق المؤدي إلى الفشل السياسي في خطوة تبدو الحالقة أو السابقة للفصل الأخير، خاصة بعد أن أدخلت عليهم فئة القاعديين والمستعدين بالذود بحياتهم في سبيل أفكار تم تصنيعها على المقاس بعد أن تبلدت مشاعرهم وتخدش جوهر عقيدتهم ودينهم وبدت تتخلس يوماً بعد يوم في خطوات متسارعة وصولاً إلى العري والفضيحة.
وقد تجلت حالة الخزي بالنسبة لصناع الأخبار السيئة والمعيبة الكارهة للمجتمع والمتناقضة مع سمات وأخلاقيات العقيدة والدين، والتي ظلت بجوهرها العميق تحثنا على الالتزام الكامل بما آتى الله ورسوله واجتناب ما عداه فقد قال الله تعالى "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا".
ولمن يعرف سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم يدرك أنه صلى الله عليه وسلم لم يقتل أحداً من أصحابة حتى مع علمه وإدراكه أنهم منافقين و فُضحوا للناس بآية قرآنية تنزل بشأنهم، ولذلك همّ بعض الصحابة بقتل عبدالله بن أبي بن سلول حينما قال "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل" فأخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك فقال "أتريدون أن يقال بأن محمد يقتل أصحابه"، فكان هذا هو الرد النبوي على كل التصرفات الجبانة والإجرامية بحق المجتمع الواحد المسلم، كان هذا هو الرد لمن يقتلون الناس على الهوية والمناطقية والعرقية والقبلية والطبقية والحزبية بدعوى أنهم منافقين وعملاء لطرف مناوئ أو مختلف، فقد أصبح الكثير يفخر في الإعلام عياناً بياناً بأنه منفذ العملية الفلانية أو قاتل الصحفية الفلانية أو مفجر المبنى الفلاني أو ناسف المبنى الفلاني متباهياً بصورة الدين المتردي والذي تجسده صورته المتردية في القلوب والعقول.
إن فضائح المهوسين بالظهور الإعلامي تتجسد يومأً بعد يوم سواء من أبناء جلدتنا أو من غيرهم فهذا الهوس اللعين يولد رغبة كبيرة لدى أصحابة في محاولة صناعة حدث أو قول خبر ( نشاز) يغيض الكثير ويعبث بمشاعر الكثير ليشبع رغبته الغارقة في العدمية ويلبي طموحه الخالي من أي مسؤولية تجاه هذه الأمة المتخمة بالمعاناة والألم، ولهذا كثرت الفتاوى الإسلامية الشاذة، وكثرت الأعمال الإجرامية بدعاوى باطلة مظلله لا أساس لها، وكثر السجال السياسي وأصبح الكثير من هواة الإعلام بدون فهم هم من يتصدرون الأخبار، ويلتفت العالم إلى أقوالهم المتناقضة والباطلة، بعد أن أصبح الخبر هو الأهم بالنسبة للإعلام والإعلاميين والمهتمين وأنا منهم، ولأن هؤلاء أصحاب تأثير كبير في الإعلام وكلامهم يشكل قوة لا بأس بها في تصدير الصورة المقلوبة للدين بالإضافة إلى السياسة العربية الفاشلة كثر العابثين بهذه الأمة حتى وصل الأمر للعبث بمقداساتها وأجل ما عندها وهو القرآن الكريم وصاحب السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم، حتى سمعنا عن ولادة شخصيات من أمثال كيرت جارد رسام الكاريكاتور المسيء للنبي الكريم، وولادة أمثال سلمان رشدي صاحب رواية "آيات شيطانية" حيث كرم الأول مؤخراً من قبل ميركل والثاني من قبل الإيزابيت ملكة بريطانيا، وولادة غبي جديد كان يريد حرق المصحف في ذكرى الحادية عشر من سبتمبر هذا العام، وهذا يمثل حالة هوس جنوني يصيب أصحابه، فيبحثون عن الظهور إما بتصريحات أو بأفعال، وكما أن هؤلاء يعبثون بمشاعرنا بسبب نزعتهم العدائية ضدنا وميزتهم القرآنية بأنهم يكنون لنا العداء والبغضاء ولد هذا الهوس الإعلامي والرغبة في الظهور إعلامياً لديهم إظهار هذا الكره والعداء لنا لتحدث فضيحتهم إعلامياً لتصبح حديث الإعلام والصحافة وهذه ميزة للإعلام لأنه بإغرائه يجعل الناس يظهرون عاريين بهدف الاستمرار في الظهور والرغبة في الشهرة حتى سمع القاصي والداني بهذا المخزون العدائي الذي يتجلى يوماً بعد يوم، وسوف نسمع ما لا نطيق وما لا نحب في مستقبل الأيام، وسيظل العبث سارياً سريان قانون الطبيعة فيها طالما ظلت الأمة تتعامل مع قضاياها بهذا التسطيح والبله الغير مسبوق.. كما أن هناك من أبناء جلدتنا من يعبث بأوطاننا وبمشاعرنا من أجل أن يقفز إعلامياً ليتحدث عن عداءه للأمريكان والإسرائيليين وكأن بلداننا أصبحت مليئة بهم وأصبح البقال وبائع الثوم من الأمريكان.
إن صُناع الأخبار السيئة والمؤلمة يشعرون بالراحة والاطمئنان بصناعة حدث، وولادة موقف، وزرع فتنة، وعمل مؤامرة، وانتهاك حق، وبالتالي فوضى شاملة تعم البلدان بين مؤيد لهذا وكاره ذاك، وبين متعصب مع هذا ومقاتل ضده، إنهم يشعرون بالغبطة وهم يشتمون رائحة الدماء هنا وهناك بدعوى الصالح العام ومصلحة الأمة، إنهم سعداء بالهلع العام والخوف الدائم والعسكرة المستمرة.
الكل ضد المواطن، عناصر القوة الرادعة العربية تعبث بالمساكين، تقلق الفقراء، أينما ارتحلت رقصت في ميدان الأسى، وأينما توجهت تأكدت أن الحل بعيد قريب، بعيد باليأس و قريب بالأمل،إنها لغة فارغة وسرد عبثي، فالقرار لم يأتي بعد، والشعوب لم تتنبه إلى الخطر بعد، عناصر صناعة الخبر يشكلون كل يوم قوة، وقوة الردع جاهزة والحسابات يدفعها المواطن وأكثر الأطراف ضرراً هو الوطن وسمعته والمواطنين وسجيتهم المتعارف عليها، إنها فوضى سوف تعم البلد وتشكيل القاعدة لجيش عدنأبين هي مغالطة كبيرة تنقلنا جميعاً إلى ما وراء المسميات ولعل هذا المسمى هو الفضيحة بعينها فضيحة تبرير القتل وتشكيل جيش بلا هدف وباسم بشر به المصطفى صلى الله عليه وسلم والكل يفتي ويبرر ويقتل ويبرر وباسم الله والرسول ولا يتذكر هؤلاء جميعاً قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله " ولا يتذكرون قول رسول الله "لهدم الكعبة حجراً حجراً خير من أن يراق دم امرأ مسلم" والله سبحانه وتعالى يقول ((ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جنهم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيما)) وقال تعالى ((من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون))، وقد كنت أقول باستمرار أن هناك من يحمل القاعدة ما لا تحتمل ويلقي عليها بالتهم فيما تستطيع فعله وما لا تستطيع فعله ولكن أما وأن هناك من عناصرها من يظهرون في الإعلام ليعلنوا مسؤوليتهم عن تفجير هنا وقتل هناك واختطاف هنا واعتداء هناك فأنني لا أملك إلا أن أصدق مع احتفاظي برأيي السابق ولأنه لا يوجد ما يبرر كل هذا ولأن الحل لا يكون بهذا السلوك فإنني لا أجد المبرر فالمبررات كلها لا تقنعني ولا ترضيني فأنني أدعي أنه مجرد هوس وهوس كبير بالظهور في الإعلام حتى أخرج من حالة التفكير المعمقة، وإن رأى البعض في لغتي تسطيح فإنني لا يمكن أقف في مكان لأبرر القتل والاختطاف والعسكرة.
قمة سرت الثانية.. في قمة سرت الأخيرة ونحن نشاهد الحفل الفني العربي الأفريقي بدى الرئيس القذافي وكأنه هارون الرشيد وهو يعرض الرقصات على الزعماء العرب ليثبتوا جميعاً حالة الوفاة. فلم يكن حفلاً فنياً وإنما كان تأبيناً واضحاً فقد تجاوز معظمهم الستين عاماً وأغلبهم لا يقوم من مقعده إلا بمساعدين وبالتالي لا يستغرب أحدنا هذا الوضع العربي العجوز فالعجائز دائماً وأبداً تتقن الكلام والتصفيق والبكاء، وهذا ذكرني بقصة سوف أرويها لكم:
حُكى لنا أن اليهود يقولون أن الله عندما خلق الخلق خلق كل شيء وحدد له عمره أربعون عاماً طبعاً الإنسان والحيوان والنبات وغيرها فاعترض الثور وقال بأن أربعون عاماً كثيرة عليه وهو لا يريد هذا العمر وأنه يكتفي بعشرون عاماً، فدعا الإنسان الله بطمعه وجشعه أن يعطيه العمر المتبقي للثور وهي عشرون عاماً فاستجاب الله ذلك وأصبح عمر الإنسان ستون عاماً، ثم سلك الكلب نفس سلوك الثور فأصبح عمر الإنسان ثمانون عاماً، ثم سلك القرد نفس السلوك فأصبح من الممكن حسب القصة أن يعمر الإنسان مائة عام، الشاهد في القصة حسب ما حكي لنا أن عمر الإنسان الطبيعي هو أربعون عاماً عمر الشباب والقوة وأن ما بعد الأربعين إلى الستين عاماً هي عمر الثور أصلاً وهي بالنسبة للإنسان عمر الهم الحقيقي والكد والإنجاز وأن ما بعد الستين هي عمر الكلب أصلاً ولذلك فمن تجاوز الستين لا يتقن إلا الصياح والعويل ولا يعجبه شيء ولا يرتاح من أحد وأن بدى عطوفاً وحنوناً ووفياً، وأن ما بعد الثمانيين هي عمر القرد فهو يكتفي بالتعرض للشمس وحك الرأس والعودة إلى البيت. قد تبدو الحكاية فيها الكثير من الزلل الأخلاقي في التعامل مع المسنين وتشبيههم، لكنها تعطيك انطباعاً كثيراً ما تلاحظه في مجتمعاتنا العربية.
بقي أن يعرف كل منا قدر نفسه ويحاول قدر الإمكان أن يقيم نفسه ويعدل من سلوكه ويهذب روحه ويقدر حالته حتى لا يقع في شرك هذه الحكاية العجيبة.