أكتب اليوم الأحد قبل يوم من افتتاح خليجي عشرين، ويومين من صدور «المصدر»، و«يدي على قلبي»، والمعنى أن القلق لم يفارقني بعد، ويمكن القول إن «أظافر يدي بين أسناني»، للتعبير عن التوتر، وأخشى أن تنتقل يدي بعد ذلك إلى رأسي فتنتف شعري بالمفرد والجملة، إذا بالغ ضيوفنا الخليجيون بتسجيل الكرة في مرمانا اليمني. لكني أفضل أن أضع يدي مصافحاً في يد كل خليجي قَدِمَ إلى اليمن، وفي يد كل يمني ساهم في تجاوز الأصعب في عملية الترتيب والتنظيم للبطولة، وأرغب أن أصفق كثيراً في حفل الافتتاح، فأنا ومثلي القارئ نريد أن تذهب هذه الأكف للتصفيق وليس لتغطية العيون، فلا أحد يرغب في رؤية ما يدعو للحرج و«التِّنِهاد»، كما حدث في القرعة قبل أسابيع.
المفاجآت غير السارة تجعل القلق والتوتر مستمرين حتى ما بعد حفل الافتتاح وإلى ما بعد لحظة التتويج باللقب، لأن القصة كلها لا تدور حول الكرة المستديرة، بل تتعلق بقدرتنا نحن كيمنيين على تجاوز تحديات تنظيم البطولة، وأننا في هذا الجزء من العالم قادرون على إخراج حدث كبير ومهم بشكل مقبول.
حفل الافتتاح وما يليه من مباريات اليوم الأول سيختبران عمل الشهور الطويلة الماضية سواء لجهة التنظيم وجاهزية المنشآت الرياضية والفندقية، أو لجهة إعداد المنتخب، على الأقل ستحدد تلك الساعات الملامح الرئيسية، وبقية التفاصيل تأتي مع قادم الأيام، وخلال ذلك يجب أن لا ننسى أننا حتى اللحظة التي أكتب فيها، استطعنا تجاوز أغلب التحديات، بشكل يصعب أحياناً تصديقه، وأثار إعجاب كل من وصل من الجيران إلى عدن.
مساء الجمعة الماضي اجتاح صدري انفعال طاغٍ، سعيد ومتوتر ومجنون، من ذلك النوع الذي يجعل باطن الكف يعرق ويرتعش بلطف، في تلك الليلة شعرت أن ثمة شيئاً مختلفاً، شيئاً يبعث الفرح والأمل والتفاؤل، ربما كان مصدره قناة أبو ظبي الرياضية، وهي تبث على خلفية أغنية «أمي اليمن» للعملاق أبو بكر سالم تقريراً جميلاً عن البطولة، بمشاهد متنوعة عن اليمن والمنشآت الرياضية، ولقاءات مع المدرب واللاعبين اليمنيين، وبدا صوت المذيع يعقوب السعدي ممتلئاً بالحماس وهو يصف الأجواء الفرائحية والآمنة التي رافقته أينما ذهب، حتى حمود عُباد الذي سمعت عنه قصصاً غريبة، وتصريحات غير مسؤولة، بدا لي رجلاً تستطيع أن تبارك أغلب كلامه، وتشد على يديه، وتعزمه على أقرب مقهى أو ديوان مقيل، ولا تدعه يدفع أبداً.
صباح اليوم قرأت كلمات جديدة، إطراء على استحياء، ومديحاً غير مباشر في تقارير وأعمدة صحفية خليجية كانت حتى الأمس تشكك في قدرة اليمن على الاستضافة، وتتحدث عن إمكانيات الانتقال أو التأجيل، في الواقع فقد كان البعض مسيئاً جداً، وكأنه يوجه لك الشتائم أو يرمي في وجهك الإهانة وراء الأخرى، لم يكن لما يتحدثون ويكتبون عنه علاقة بالاستعدادات أو البطولة، كان هناك شعور بالفوقية والاستعلاء والتقليل من قدرة «أبو يمن» على أن يكون مرتباً ومنظماً في أي شيء.
وذهب البعض إلى الحديث عن الحراك والقاعدة والفقر، ومعهم بعض الحق، فالأوضاع ليست في حال جيدة، وغير مطمئنة في بعض المناطق، ولا أحد يستطيع أن ينكر هذا، لكن هذه الأشياء يبدو أننا استطعنا تجاوزها ولو مؤقتاً خلال البطولة ليس بفضل الأجهزة الحكومية والأمنية وحدها، ولكن بفضل اليمنيين أنفسهم.
أحب الاعتقاد دائماً أننا اليمنيين على ما فينا وما عندنا من مشكلات نظل جيدين من داخلنا تجاه الآخر، وعندما يتعلق الأمر بالضيف القادم من خارج الحدود نشرع في فتح الأبواب والقلوب له على الفور، وفي المسألة نفسها يمكن الحديث عن المنشآت الرياضية التي تم بناؤها أو إعادة تأهيلها خلال الفترة القصيرة الماضية، ولو أن الأمر تعلق ببطولة يمنية بحتة، أو مطالب حقوقية ما كنا استطعنا أن ننجز شيئاً.
أعترف إن ثمة شكوكاً ساورتني منذ ما بعد الاتفاق على إقامة هذه البطولة في اليمن، حول قدرتنا على بناء وتأهيل الملاعب والمرافق الفندقية والخدمية، لأني أعرف كيف تعمل حكومتنا، وكيف تعجز عن إنجاز مشروع صغير في سنوات طوال، والشواهد كثيرة، وخلال تلك الفترة، ودائماً كان هناك أمل، لكن ذلك الأمل لم يكن يصمد كثيراً أثناء الحديث مع بعض الأصدقاء الخليجيين.
اليوم فقط أستطيع أن أطمئن أصدقائي، وأستطيع فتح صفحة الرياضة في الصحف الخليجية دون خوف من الاصطدام بعناوين أخبار سيئة عن تحديات البطولة في بلدي، ويمكن بالكثير من التفاؤل أن أجهز منذ الآن مكاناً مناسباً في مكتبي لصورة علي النونو وإخوانه وهم يرفعون كأس البطولة. هل أسرفت في التفاؤل؟ ممكن جداً، من الذي يستطيع أن يمنع هذا الفرح والتوتر الجميل الذي يزداد مع اقتراب انطلاق البطولة، لقد مر زمن طويل منذ آخر مرة فرحنا فيها بشيء له علاقة بالوطن، وبيني وبين القارئ فكل ما أرجوه وأتمناه هو أن يلعب منتخبنا الكرة بشغف، برغبة في الفوز والانتصار، يعني يقدموا أداء جيداً وبعدها مش مشكلة أن نستمر في استقبال الأهداف! الأهم قبل ذلك أن ننجح في البطولة، على الأقل إذا خسرنا الكرة داخل الملعب نكون قد ربحنا الملاعب والجمهور واحترام الجيران.
ما الذي يقلقني الآن؟ أن «يُوسِح» رجال الحكم في صنعاء ويركنوا إلى أن كل الأمور في هذا البلد على ما يرام، وأن الحديث عن مشكلات البلاد السياسية والحراك والقاعدة ليس سوى زوبعات إعلامية تشبه الحديث الذي سبق إقامة البطولة الخليجية.
كلمة أخيرة: ولدت ذات 22 نوفمبر، وفي مثل ذلك اليوم اغتيل كيندي ورينيه معوض وولد الشيخ عبد العزيز بن باز والممثلة سكارليت جوهانسون، وانطلقت الثورة البرتقالية في أوكرانيا، أشياء كثيرة حدثت في مثل ذلك اليوم، لكني سأحب دوماً أن يرتبط تاريخ ميلادي بشييء أعاد لنا نحن اليمنيين الكثير من الفرح والكثير من الأمل.