ظهر أمس الأحد زعيم المتمردين الحوثيين عبدالملك الحوثي وهو يؤم المصلين في صلاة الميت على جثمان والده بدر الدين الحوثي الذي وافته المنية الخميس عن عمر ناهز ال86 عاماً. ويعد هذا الظهور العلني لعبدالملك الحوثي هو الأول منذ آخر ظهور متلفز له أواخر العام 2009، لنفي أنباء تزايدت حينها عن مقتله في غاره جوية للجيش في الحرب السادسة. لكن ذلك الشريط المصور الذي ظهر خلاله الحوثي لم يضع حداً قاطعاً لأنباء مقتله، ومنذ مطلع العام الجاري ظلت مسألة بقاءه على قيد الحياة محل شكوك الكثيرين، وعزز هذه الشكوك تواريه عن الأنظار طيلة الفترة الماضية.
إلا أن وفاة الأب الروحي للحوثيين، كانت على ما يبدو فرصة ملائمة للقائد الميداني عبدالملك الحوثي الذي ظهر إماماً للمصلين في صلاة الميت على جثمان والده، كي يقدم دليلاً إضافيا لدحض الأنباء المتداولة عن مقتله.
وحسب صورتين فوتغرافيتين أرسلهما المكتب الإعلامي للحوثيين، فقد ظهر الحوثي وهو يؤم الناس لصلاة الجنازة باللباس اليمني التقليدي، ويقف على يمينه ويساره شخصان مسلحان لحراسته، يوليان ظهرهما للكاميرا. وعمد المكتب الإعلامي إلى تمويه وجوه بعض المصلين الذين يقفون تماماً خلف عبدالملك الحوثي لأداء صلاة الجنازة، حتى لا يتسنى لأحد معرفة هويتهم.
وقال موقع إلكتروني للحوثيين، إن وفوداً من عموم محافظات صعدة وصنعاء وعمران ومأرب وحجة شاركت في مراسيم تشييع جنازة العلامة بدر الدين الحوثي في منطقة ضحيان بصعدة، شمال اليمن.
وأشار إلى إن عبدالملك الحوثي ألقى كلمة موجزة وسط دهشة الجميع بحضوره. لكن الكلمة اقتصرت على شكره للوفود المشاركة في تشييع جثمان والده، ونقله للجميع "سلام الراحل ووصاياه الهامة التي أوصى بها قبل رحيله والتي منها تقوى الله والاستمرار في هذه المسيرة وهذا الطريق نصرة لدين الله لأنها مسؤولية الجميع" حسبما أورد ذات الموقع.
وبالنظر إلى مسيرة الرجل، فقد ظهر عبد الملك الحوثي كشخصية قوية مؤثرة بعد مقتل شقيقه حسين الحوثي في عام 2004 على يد الجيش بعدما قاد تمردًا مسلحًا عنيفًا ضده في محافظة صعدة. وحينها تنفس كثيرون الصعداء، وساد شعور عام بأن نظام الرئيس علي عبد الله صالح قد نجح مجددًا في تجاوز واحد من أصعب التحديات التي صادفته خلال فترة حكمه الطويلة لليمن، لاسيما وأن إخماد نيران "التمرد الشيعي"، الذي قاده نجل أحد أبرز المرجعيات الزيدية والشيعية اليمنية، استغرق وقتاً طويلاً (أكثر من ثلاثة أشهر) مقارنة بالحسم السريع في حرب صيف عام 1994 مع الانفصاليين الجنوبيين، والتي انتهت بهزيمتهم خلال مدة أقصر (شهرين وبضعة أيام).
غير أن مجريات الحوادث وما آلت إليه في الشهور والسنوات القليلة التالية، أثبتت أن ذلك الشعور كان خادِعًا ومُضلّلاً. إذ عاد التمرد إلى الواجهة مرة أخرى بقيادة جديدة، أصغر سناً وأشد عزماً وتصميماً على تنفيذ المشروع الذي بدأه حسين الحوثي من خلال تأسيسه ما عُرِف يوماً بتنظيم "الشباب المؤمن"، برعاية وتفهم تامّين من والده بدر الدين المرجع الزيدي المعروف.
ومع أخذ عبد الملك بدر الدين الحوثي، الشقيق الأصغر لحسين، زمام قيادة حركة التمرد المناهض لنظام حكم الرئيس صالح بدءًا من عام 2006، حدث تطور نوعي في أداء التمرد، عسكريًا وتنظيميًا وسياسيًا وإعلاميًا، فضلاً عن أنه أصبح أكثر عنفًا وشراسة. وبمرور الأيام وتوالي جولات الصراع مع السلطة المركزية الضعيفة، تمدد نطاق تمرد الحوثيين الجغرافي ليشمل إلى جانب صعدة، حاضنته الرئيسية، مناطق مجاورة في محافظات عمران والجوف، وأخذ يقترب شيئًا فشيئًا من مديرية ميدي المطلّة على البحر الأحمر.
ورغم أن اسم عبد الملك الحوثي تردد كثيرًا خلال السنوات الأخيرة بوصفه القائد الميداني والفعلي لجماعة الحوثيين، لكن شخصيته ما زالت محاطة بالغموض الشديد وما يعرف عنها يظل شحيحًا للغاية ولا يسمح بتكوين صورة متكاملة ودقيقة عن هذا الشاب، الذي خاض بصفته القيادية (وما يزال) أربع جولات من القتال المرير مع الدولة اليمنية.
على أن المعلومات المتوفرة تشير إلى أنه ولد في صعدة عام 1979، أي أنه يبلغ حاليًا الثلاثين من عمره، وقد نشأ في أسرة ريفية مُحافِظة ولها "اهتمام بمتابعة الشأن المحلي والدولي"، وتنقّل في طفولتهِ بين منطقتي مران وجمعة بن فاضل بمديرية حيدان الجبلية الوعرة، وتلقى تعليمه في المدارس الدينية الزيدية المنتشرة في تلك الربوع. وهو متزوج وله عدد من الأولاد.
وحتى وقت قريب، كان اسم عبد الملك الحوثي يتردد على مسامع اليمنيين إلا أن ملامح وجهه ظلّت بالنسبة للكثير منهم، مجهولة. ومنذ مطلع عام 2005، تداولت وسائل الإعلام في اليمن صورة غير واضحة للرجل يظهر فيها بوجه طفولي حزين وصارم، ولحية صهباء خفيفة كأنها بزغت للتو، وتكاد تكون ملامحه عاديةً تمامًا. وعندما وزّع المكتب الإعلامي لعبد الملك الحوثي صورة حديثة له في أواخر 2008، عُدّ ذلك حدثًا إعلاميًا، لاسيما أنه ظهر فيها بملامح واضحة وإن بدا أكبر من المتوقّع. ولم تخلُ الصورة من مضامين استعراضية ذات مدلول رمزي فاقع، إذ بدا أنه يلوّح متأنّقًا، ويلف حول رقبته شالاً فلسطينيًا، ويقف خلف منبر تزيّنه الورود البلاستيكية، بينما تنتصب الميكرفونات أمامه. وهي، كما لاحظ البعض بدقة، مظاهر قلّما يعثر عليها المرء في محافظة صعدة النائية.
وبعكس ظهوره الإعلامي المتأخر، فإن نجم عبد الملك الحوثي - بوصفه أحد قياديي التيار الحوثي - أخذ في السطوع منذ وقت مبكر نسبيًا، خصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار عمره وقتئذٍ. وفي البداية ظهر اسمه إلى جانب اسم عبد الله عيضة الرزامي، عضو البرلمان السابق والقائد الميداني للحوثيين، الذي سرعان ما استأنف حركة التمرد في صعدة وخاض جولة ثانية من القتال مع الجيش اليمني بين شهري آذار/مارس وأيار/مايو 2005.
لكن عبد الملك الحوثي مع بداية العام التالي مباشرة، وخلال نشوب جولة الحرب الثالثة مع السلطات اليمنية، لم يلبث أن نجح في تأكيد زعامته للتيار الحوثي، متجاوزًا الرزامي وشخصيات بارزة أخرى في التيار، من بينها عدد من أشقائه الذين يكبرونه سنًا.
ويُعتقَد أن الحوثي الأب الراحل، الذي أشرف على الحرب الثانية، تمكّن من إزاحة القادة البارزين والميدانيين، ممن كانوا الذراع الأيمن لنجله حسين في الحرب الأولى وقبلها في مرحلة التأسيس للحركة، عن واجهة القيادة الميدانية والسياسية وتحشيد المؤيدين من القبائل الموالية والقادة الميدانيين لنجله عبد الملك، وخصوصًا ممن ينتمون للأسر الهاشمية الموالية للحركة أو ممن تربطهم علاقة قرابة ومصاهرة مع أسرة بدر الدين، بحيث أصبح عبد الملك بدر الدين القائد الفعلي لحركة التمرد والحائز على التأييد المطلق لأغلبية أعضاء الحركة وأتباعها وأنصارها في اليمن، وبات عبد الملك الحوثي هو من يختار ممثليه في جولات التفاوض مع الحكومة ولجان الوساطة، بما في ذلك اتفاق الدوحة الذي وقّع رسميًا في شباط/ فبراير 2008 برعاية دولة قطر، ولم تدم مفاعيله كثيرًا. وتلاه الاتفاق الذي وقع مؤخراً في الدوحة وأوفد إليه يوسف الفيشي.
ويكاد يجمع القريبون من عبد الملك الحوثي أنه يمتلك عددًا من المؤهلات التي مكّنته من قيادة حركة تمرد مسلحة ذات طابع مذهبي إحيائي، فهو - كما يؤكدون - شخصية قوية تتسم بالحصافة والذكاء، ولا تعوزها موهبة الخطابة والقدرة على حشد المناصرين والأتباع. ويدللون على ذلك بما جرى في آذار/مارس 2009، عندما استغل عبد الملك الحوثي مناسبة عيد المولد النبوي لحشد الآلاف من أتباعه، وتحدّث فيهم بصوتٍ جهوري مُندِّدًا بتحالف اليمن مع الولاياتالمتحدة ومتهمًا السلطة اليمنية بالخيانة والولاء للخارج على حساب الداخل، ومُحذرًا إياها أنها ستخسر إن هي قامت بشن هجوم جديد ضد حركته.
وكان قبلها قد استعرض مع قادة حركته الآخرين قدرتهم في حشْد أعداد كبيرة من الأنصار، إذ قاموا خلال حرب غزة في كانون الثاني/ يناير 2009 بتنظيم مظاهرات معادية لإسرائيل وأمريكا، تزخر بشعارات "الشباب المؤمن" التقليدية.