مع الذكرى الثالثة لرحيل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، أقام المركز اليمني للدراسات الإستراتيجية اليوم الاثنين ندوة تناولت دوره السياسي في القضايا الوطنية وعلاقته بالإصلاح ورجالات اليمن ودوره البرلماني، وأثره في ترسيخ الممارسة الديمقراطية والشورى وإدارة البرلمان، وكذا دوره القبلي. ودعا الشيخ صادق بن عبدالله بن حسين الأحمر في كلمته إلى ضرورة إقامة الفعاليات العديدة للشخصيات التي أسهمت في التغيير وتركت فراغاً بعد رحيلها، مقابل ما قدموه من تضحيات لهذا البلد.
وأضاف "لا نريد أن تكون هذه المناسبات إلا دافعاً وحافزاً لخدمة ديننا ووطننا ونجعلها أسوة حسنة للسير على خطاهم، ويجب علينا دراسة حياتهم وسيرتهم وهناك الكثير ممن ضحوا وقدموا نسيناهم ولم نذكرهم".
من جانبه أكد الدكتور محمد الأفندي مدير المركز اليمني للدراسات الإستراتيجية على أهمية إقامة مثل هذه الفعاليات، وقال "إن الرجال يعرفون بالمواقف التي تصنع بالشجاعة والحكمة، وقد كان موقف الشيخ عبدالله قوياً في القضايا الوطنية حكيماً في التأليف بين الاجتهادات المتباينة وهذا ما يدفعنا للاهتمام بدراسة ما قدمه خلال حياته".
وأضاف "كان صوته مرفوعاً في القضايا العربية والإسلامية والدولية. يتكلم إلى القلوب مباشرة من دون حواجز اللغة أو السياسة أو دهاليز المصطلحات والمعاجم واضحاً في عبارته يفهمها الرجل العادي ويدرك أبعادها السياسي ويقيسها بميزان الربح والخسارة الاقتصادية".
وتابع "عاصر حكيم اليمن أحرار ورجالات وقادة اليمن، ومعظمهم قد رحلوا، اتفق معهم كثيراً واختلف معهم في بعض الأحيان، لكنهم جميعاً وعلى مختلف رؤاهم وخلفياتهم قد ابتغوا مصلحة اليمن وما تركوا من تفاصيل هذه الأحداث أصبح تاريخاً تعتز به الأجيال وتأخذ منه العبرة والعظمة الحسنة، وإن كل تلك الأحداث الذي كان حكيم اليمن مشاركاً فيها وصانعاً كبيراً من صناعها، تؤكد بجلاء أن بناء يمن خال من الاستبداد والظلم والطغيان والفساد إنما هي فريضة شرعية ومسؤولية مشتركة يصنعها كل أحرار اليمن عبر الأجيال".
وأشار إلى أن المركز يهدف من إقامة هذه الندوة "ترسيخ قيم الوفاء والعرفان لأولئك الرجال الذين صنعوا تاريخ اليمن، وفي مقدمتهم حكيم اليمن الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، إضافة إلى عرض وتحليل بعض الجوانب المشرقة في الحياة السياسية التي عاشها".
وقدمت في الندوة أربعة محاور، حيث ناقش المحور الأول الدور السياسي للشيخ عبدالله في القضايا الوطنية، تحدث فيها الدكتور أحمد الأصبحي عضو مجلس الشورى والدكتور محمد عبدالملك المتوكل الرئيس الدوري للقاء المشترك، فيما قدم الدكتور عبدالوهاب الروحاني عضو مجلس الشورى وزيد الشامي عضو مجلس النواب عن دوره البرلماني وأثره في ترسيخ الممارسة الديمقراطية والشوروية في اليمن وجانب إدارة البرلمان.
وناقش المحور الثالث علاقة الشيخ عبدالله بالإصلاح ورجالات اليمن من العلماء والمشائخ، حيث قدم الشيخ حمود الذارحي عضو مجلس النواب بعض النماذج التي عايشها الأحمر خلال مسيرة حياته، فيما ختم عبدالسلام العنسي عضو مجلس الشورى دوره في القضايا العربية والإسلامية وفي مقدمتها قضية فلسطين.
وطالب المتحدثون بالندوة ضرورة دراسة شخصية الشيخ الأحمر التي قالوا أنها اتسمت بالمصداقية والتسامح والحكمة والوضوح وجمعه بين كثير من الأعمال والمهام الرسمية والقبلية والشعبية والسياسية، إضافة إلى تفاعله الكبير مع القضايا العربية والإسلامية والعالمية.
الدكتور محمد عبدالملك المتوكل أشار إلى أن الشيخ الأحمر ندد بمقتل الرئيس إبراهيم الحمدي وقال حينها "هؤلاء السفلة قتلوه وهو عازمهم على الغداء في بيته"، لافتاً إلى أن الأحمر رفض مبدأ تسليم الرئاسة لعسكري (الرئيس صالح) وقال "إذا اخترتموه فلن أختلف مع صاحبي أبداً".
وأوضح أن الشيخ عبدالله كان له رأي بخصوص الوحدة عبر التدرج في الحوارات بين الشطر الجنوبي والشمالي، ورفض حينها طلب بعض القيادات الشمالية بدخول الوحدة لمدة ستة أشهر ثم ترك الجنوبيين وعدم التعامل معهم.
وبحسب ورقة الدكتور عبدالوهاب الروحاني، "فقد ارتبط اسم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر بالنضال الوطني ضد الظلم والقهر والتخلف، وارتبط بالنضال من أجل بناء مؤسسات الدولة، ونشأة وبناء وإدارة المؤسسة البرلمانية بصورة خاصة، وكان لدوره في مقاومة ظلم وطغيان الأسرة الحميدية الحاكمة دور كبير ومؤثر في استقطاب القوى السياسية اليمنية".
وطرح الشيخ الأحمر رؤية في البناء المؤسسي تقوم على مفهوم الشركة ومطالبته المستمرة بإقامة المجلس الجمهوري كقيادة جماعية بديلة للقيادة الفردية التي كانت قائمة حينها، والتي قدمها في مؤتمر خمر عام 1965م، وهو ما أقر بعد ذلك، وترأس أول برلمان يمني وهو المجلس الوطني من عام (1969 – 1971م).
ويقول الروحاني "في مجلس النواب ورغم كونه رئيساً لتنظيم سياسي كبير ومعارض، إلا أن أسلوبه في إدارة التنوع السياسي بداخل المجلس وتعامله مع الأعضاء بانتمائتهم المختلفة كان يتسم بالحيادية التامة، ولم يكن ينظر لأعضاء المجلس بكون هذا اشتراكياً أو إصلاحياً أو مؤتمرياً و...، ولا كأعضاء مجلس يخضعون لإدارته، وإنما كشركاء عمل وطني لا يمكن أن يكون ناجحاً إلا إذا تكامل الجميع في تنفيذ مهامه".
وعرج المتحدثون إلى حياة الشيخ الأحمر مع المؤتمر الشعبي العام قبل تأسيس التجمع اليمني للإصلاح الذي كان أول المبادرين في تأسيسه عام 1990م، واستمر في رئاسته حتى وفاته، إلا أنه لم يكن متعصباً كما هي بعض القيادات في الأحزاب المختلفة، بل أنه ربما كان مؤتمرياً متعصباً بتعامله وإصلاح ذات البين، إصلاحياً بمبدئه. حسب قولهم.
وكان الشيخ الأحمر قد أدان اجتياح العراق للكويت عام 90م وتبنى تأليف لجنة لمناصرة الشعب الكويتي أثناء الحرب، واستضاف الوفد الشعبي الكويتي الذي زار صنعاء في تلك الفترة.بحسب الورقة.
ولم يكن همه داخلياً فقط، بل أصبحت القضايا العربية والإسلامية أحد الأمور التي كان يتعامل معها بشكل كبير ويقدم الأموال من أجل إنجاح كل ما يهم تلك القضايا، فقد شارك في تأسيس مؤسسة القدس واختير نائباً لمؤسسة القدس العالمية التي يرأسها الدكتور يوسف القرضاوي، ورئيساً لمؤسسة القدس فرع اليمن.
وكان دعمه لقضية فلسطين واضحاً، فقد أسس الهيئة الشعبية لمناصرة الشعب الفلسطيني، وأسس لجنة خاصة لمناصرة الشعب الفلسطيني بمجلس النواب، ودعمه المستمر للفعاليات التي كانت تقام مناصرة لفلسطين.حسب ما قدم.
وفي المداخلات التي عقبت المتحدثين قال القيادي الاشتراكي محمد غالب أن الشيخ عبدالله الأحمر رفض قيام البعض بإعلان معاداتهم لأعضاء الاشتراكي في مجلس النواب وقال "بعد الحرب تعامل معنا البعض كأننا كالكلاب حتى نعلن توبتنا واعتذارنا عما حدث في 94م، ولكن لم يسمح لأحد أن يهيننا".
وأضاف "اجتمعنا ذات مرة في بيته وبدء بعضهم يتحدث عنا ويشتمنا وقاطعهم الشيخ الأحمر وقال لهم، من أراد أن يحترمني عليه أن يحترم ضيوفي محمد غالب ومن معه ولن أسمح لأحد أن يتكلم عليهم في بيتي".
ويقول غالب "لم يجتمع اليمنيين في موقف واحد بمختلف أحزابهم وتوجهاتهم إلا في موقفين، الأول في 1990م أثناء إعلان الوحدة، والثاني يوم موته".
من جانبه أشار عبدالله المقطري عضو مجلس النواب أن الشيخ الأحمر كان رئيساً لكل الأحزاب وليس للإصلاح فقط، وكان يعامل الجميع بصدر رحب وبنفس المساواة، لافتاً إلى أن القضايا القومية والعربية لقيت اهتماماً خاصاً وكبيراً.
وقال "الشيخ الأحمر شكل لجنة خاصة بمجلس النواب وأسماها لجنة القدسوفلسطين برئاسته، وهذه اللجنة ماتت بموت الشيخ عبدالله"، موضحاً بأنه كان ينحاز في القضايا التشريعية إلى ما فيه مصلحة للشعب والقلة الفقيرة.
كما قدمت عدد من المداخلات تحدثت جميعهاً حول الحياة السياسية والقبلية التي عاشها الأحمر وخلفت ذكرى بين المواطنين، والذي قال بعضهم أنه لو كان موجود حالياً لما كان وضع البلاد لما آلت إليه الأحوال.