يواجه الأديب المبدع في اليمن مشكلات جمة تحد من إبداعه بدرجة كبيرة، وهذه المشكلات أو المعوقات تتجلى ببذور ثقافة "من أنت لننشر لك"، فمعظم وسائل النشر من جرائد ومجلات لا تنشر إلا لصنفين: الأدباء والصحفيون المشهورون. والمسؤولون المتمتعون بمواقع حساسة في الحكومة كأعضاء مجلس النواب مثلاً. والأعجب أن ينشر لهؤلاء، حتى ولو افتقدت كتاباتهم إلى الأسلوب الأدبي من لغة وترابط ووزن إن كان شعراً، وأكثر كتاباتهم مكررة لا جديد فيها، ولا تغري بالنشر سوى أن كتابها معروفون أو مسؤولون في الحكومة. وهذا يكشف أن هدف هذه الوسائل ربحي ولا غير، لأن شهرة الكاتب عندها مقدمة على المضمون أو الهدف الأدبي. أما المبدع المبتدئ فإنه لو كتب مقالاً أو نظم أروع قصيدة، فإن الجريدة أو المجلة سترد عليه- هذا إن كانت محترمة: نحن متأسفون فالمساحة محدودة والمشاركات كثيرة! وهكذا يدور المبدع في حلقة دائرية، فإما أن ينسى إبداعه، أو يواصل مشواره حتى تتعرف عليه هذه الوسائل بعد اشتعال رأسه شيباً، ولا يقتصر الكلام السابق على صحف الحاكم ومجلاته، بل إن الصحف المعارضة والمستقلة تتصرف بالأسلوب نفسه، حتى إن أحد أصدقائي المبدعين قال لي: أتحداك أن تنشر قصيدتك الفائزة في إحدى المسابقات العربية في جريدة "......"، فأرسلت الجريدة التي ذكرها، ولم تنشرها الجريدة ولن تنشرها حتى بعد قرن، كما قال صديقي. وصديق آخر قال لي إنه حاول عشر مرات نشر قصيدة له في إحدى الصحف، ولكنهم يعتذرون له في كل مرة، فذيّلها باسم محافظ إحدى المحافظات فنشرت على الفور، مع تعليق يمدح موهبة الشاعر ومقدرته اللغوية، والغريب أن المحافظ لم يفد أنها ليست له! هناك أسماء وشخصيات معروفة تنشر لها الجرائد، ولن يضيفوا اسماً آخر لمبدع متألق أبداً، وهذا كله يكشف لنا أنه لا يوجد فرق بين إنسان وآخر في يمننا الحبيب، فالذي يتشدق بفساد ونفاق الحزب الحاكم، أبصم بالعشر أنه سيحكمنا مثلما حكمنا الحاكم، لأن صحفهم تضيق بأصغر مشاركة لعدم وجود موضوعية وعدالة في النشر، فمن أين إذن سيكتسبون الموضوعية والعدالة عندما يصبحون حكامنا، فهم مثلما ينشرون في صحفهم للمشهورين والأصحاب، فهم سيضعون في مراكز الحكم (هذا إذا حكمونا) أصحابهم وذويهم، ومن اشتهر في هذه البلاد، وأنا متأكد أن كلامي هذا لن يعجبهم، وهذا دليل آخر على افتقارهم للموضوعية والعدالة.. وفي الأخير تحية ل"المصدر"، و"الأهالي"، فقد وجدنا فيهما بعض ما لم نجده في غيرهما.