وأنتَ تنْظرُ في الرّمادِ رأيْتَني: سوْداءَ مثْلَ حِذائكَ البرّاقِ.. لا أقْوَى على التّحديقِ فيك أنا تونسُ يا أخي محروقةٌ لا شَعْرَ لي لا عيْنَ لي لا أُذْنَ لي.. وكما ترَى قدْ لا أعودُ إلى الحياةِ وقدْ أعودُ.. صريحةً..كصِياَحِ ديكْ. لا تُعْطِني قلمًا فانّ أصابعي طارتْ مع النّارِ الرّهيبةِ للسماءِْ أتشُمُّ رائحةَ الشِّواءْ ؟ ماذا تقولُ لصاحِبيْكَ ؟ ومَنْ هُمَا ؟ ..لم يفهما أن الخريفَ ببابِهِ فصل الشتاءْ ؟ أنا تونسُ الوُسْطى: أعيشُ على القناعةِ والمطرْ أنا تونسُ الأخرى رمادٌ مُبْتَكرْ
هكذا عبر شاعر سيدي بوزيد وهو يرى صورة الرئيس المخلوع وهو واقف أما م جثة البوعزيزي عندما زاره إلى المستشفى، ولم يكن يعلم أن ذلك الجسد الملتهب والمحروق أحرق عهده الظالم وأسقط أسطورته البلهاء منذ ثلاثة وعشرون عاما.
تونس أعطت ثورة في زمن اللا ثورات، في غفلة من الزمن الرديء والخنوع في سطوة الظلم المستبد، جاء ذلك الدرس التونسي صعب المفردات عميق المعاني، يعيش حالة الإجابة في زمن تعيش بلداننا العربية حالة الأسئلة.
من هناك حيث الحكايات المريرة التي يرويها كل من فر ببضع من بقية حياة وكرامة في عهده وهو يروي كيف اقتلع لسانه وكيف اقتلع دمعه من محاجره وهو يفارق الأهل والأحباب خفية من الليل، كيف شَوه من بقوا هناك حيث لا نسمات ولا حياة.
اذكر عند ما كنت أمر من أمام وزارة الداخلية يقول صاحبي لا تنظر إلى البوابة، لا تنظر فقد يشكون في نظراتك، كنت ألامس بعض تلك الجدران التي تبكي رحيل الحرية وغيمة الأنس ونسمات الياسمين في ليالي تونس الباردة، غادرت وان اعلم أني سأعود ولم أكن اعلم بان تونس مؤنسة النعمان ستسبقني إليها.
من أسطورة بن على جاءت أسطورة البوعزيزي أقوي وأمَر، من ذلك الجسد المتفحم خرج النور ليسطع ويضيء ويحرق في آن معا من نفسه المحروق تنفس التونسيون الحرية حتى الثمالة.
تونس الخضراء كيف أجدك الآن.. مخضبة بدم الحرية تونس الحمراء..
تونس من كان يروي قصص اللاحياة واللاحرية واللا إنسان، يذكرك وأنت هناك تنتظري ببؤس.
الآن قصص الأبطال، قصص الثورات، قصص الهبات تأتي من تونس اليوم ، تونس أولا، تونس الثورة بلون الشعب بعرق الشعب برائحة الياسمين برائحة جسد البوعزيزي المحروق الذي لم يشهد ولادة جسده من جديد كيف هو الآن.
أقول له اليوم: نم قرير العين فقد نبت جسدك مرة أخرى بعيون أحلى وفم أحلى وشعر أحلى بلون المطر بلون العشب برائحة الأرض برائحة كل الشهداء على دربك.
تحية مني لك يا أرض نبت على جدرانك وأرضك شيء لا نفقه الآن لربما يورق فينا بعد حين، سلام على تونس سلام على الشعب سلام على الشابي الذي صرخ من قبل مائة عام إذا الشعب يوما أراد الحياة فاستجاب البوعزيزي ورهطه فكان المشهد الوحيد في تاريخنا العربي المعاصر ليجدد فينا دروس التاريخ وانتصاراته بالصوت والصورة.