يأسرك بكلماته، ويسحرك بعباراته، يأخذك في نزهه جميله للاستمتاع بجمال الكلمة، وروعه التصوير. أن تقرأ لأديب الصحافة اليمنية جمال أنعم، يعني أن تعقد صداقة أبدية معه، تقع في غرام مقالاته، تذوب من فتنة تشبيهاته، تكون أحد ضحايا عشق التعلق بحبه وتقديره.
جمال من الكتاب النادرين الذين يستحقون أن تدفع لتقرأ لهم، قطع أدبية، ولوحات عربية فائقة الحسن والجمال، تجد ذاتك، أشواقك وأحلامك، همومك وأحزانك، في تعبير منطوق بالكلمات يرويها جمال، دون تصريح أو تلميح بمعرفة مكنونات نفسك، لكنك تندهش بفرح وتوافق بفخر، حينما تجد ما تريد التعبير عنه ماثلا أمامك، بلسان آخر أفصح وأوضح، أعفاك المهمة، وسد عجزك كفقير المال والكلام بإخراج هكذا تعبير.
لا يكتب جمال تفريغا لحاله شعورية قررت الخروج، أو طلبا للمال، إنما يكتب لضرورة الحال، واقتضاء المقام، لتقويم اعوجاج حاكم ومسؤول فاسد، بنقد لاذع وبثبات شاجع، لأجل شعب ظل طريقه في استعاده حقوقه، يرشده للسير، ويمده بالإرشادات ومعالم الوجهة، لاستنهاض الهمم والتذكير بأمجاد الأوائل بمآثر الانجاز لتأكيد الارتباط بالأصل، يضع خارطة طريق وبرنامج نضال للمعارضة في تحمل مسؤولياتها تجاه تاريخها وجماهيرها.
أشفق على نفسي حينما خاطرت بالكتابة عن قامة أدبيه سامقة، ومثقف سياسي بارع، وعن صحفي يذود بشجاعة وببسالة منقطعة النظير عن حريات زملائه الصحفيين الملاحقين والمقموعين بسياط الحاكم وأجهزته الأمنية القمعية.
لا جديد سوى أنني قررت المخاطرة، بعد تفكير مرات كثيرة طيلة فتره ليست بالقصيرة، هي محاوله للتعبير عن الحب وإظهار فائض المشاعر والود تجاه قلم كاتب اعتدت المواظبة على قراءته أسبوعيا وإن غاب لبرهة على أخيرة جريدة الصحوة الغراء.
قبل أن التحق بكلية الإعلام بجامعه صنعاء قبل أربعة أعوام، وضعت قائمة تضم أسماء عديدة، سياسيين وأدباء وكتاب وثلة من الصحفيين والأكاديميين، ممن عرفتهم عن طريق الصحف، وقرأت لهم مقابلات أو مقالات، تمكنت بعد وقت وجهد لم يتوقف من اللقاء والتعرف على بعضهم، وبقي جمال واحد من أولئك الذين لم تسنح الفرصة لصداقتهم بعد رحيل نصف عمري الجامعي، حينها جمعتنا الصحوة بالصدفة بعد رسالة بالتلفون عبرت فيها عن مشاعري وشوقي لرؤيته، وبالمثل رد سريعا.
كشف اللقاء الأول أن جمال يتجاوز الاسم إلى جمال آخر في التواضع، وجمال رائع في البساطة، وجمال أكثر روعة في الابتسامة والترحاب، من أول وهلة عربون صداقه وبطاقة تعارف، يمنحك بموجبها ما تريد من الجمال الأدبي، ويغدق عليك بغزاره من موسوعته الثقافية والمعرفية، يغمرك بالنصائح الثرية والتجارب الذاتية الغنية.
يكفي أن تفكر بالتعبير عن أمر ما يجول بخاطرك، حتى تجد جمال أسرع أليك من تفكيرك في تحقيق أمنيتك، بمقال ناقد، أو نص أدبي ذائق النكهة وكامل الوصفة.
سيحضر ثلة من الأفذاذ ورواد الأدب والفكر في كتاباته، الرافعي، وبديع الزمان النورسي، البردوني وعروة بن الورد والشوكاني والأكوع وغيرهم، استدعاهم من الذاكرة تذكيرا بمناقبهم، أو داعية لاقتفاء أثرهم في اقتباس لبعض إنتاجهم.
هناك في "الصحوة"، التي ترعرع بها جمال وسكنته الوجدان، خالدا فيها كعنوان وحيد لقراءته وزيارته، يستحق فعلا أن تدفع مالا لتقرأ له.