سألني صديقي عن حل ينتشل البلد مما هي فيه, وكنت غارقا في التفكير بحل ينتشلني من هذا البلد ومما هي وأنا فيه, لذلك طنشته. اتهمني هذا الصديق بالأنانية وبضعف الانتماء الوطني وبأشياء كثيرة ليس منها أن لي علاقة بجماعة الحوثي أو بتنظيم القاعدة أو بجمهورية إيران, على اعتبار أن هذا حق من حقوق الدولة وليس لأحد أن يستخدمه حتى للأغراض السلمية. حسنًا .. أثبت لي يا صديقي أن هناك وطنًا وسأكون من كبار الوطنيين, بل أثبت لي أنني مواطن وسأعيش على وهم وطن, فلا مشكلة لدي في ذلك .. ها هي حياتي سلسلة من أوهام وعود غزتني بها الحكومة لم يتحقق منها شيء .. ألا ترى أن التيار الكهربائي بات ينقطع ساعة ونصف كل ست ساعات في الأيام الأخيرة .. أين وعد النووي ..؟ ذهب صديقي المتفائل إلى أنني معقد, وذهبتُ معه إلى ترجيح هذا الرأي .. الوضع الطبيعي أن أكون معقدًا حتى أشعر أن لدي بقية من إحساس .. فلستُ رئيساً ولا مسئولاً ولا شيخاً ولا حتى مجنونا كي لا أتعقد. أصرَّ على أن لكل مشكلة حلاً, مع أن الواقع اليمني لا يخضع لأية قواعد مطردة أو مقاييس مضبوطة أو حسابات دقيقة, فكل شيء يسير بالبركة ودعاء الوالدين وتخدير القات ولطف الله سبحانه وتعالى بعباده. اسمعني جيداً يا صديقي واسمع حلي كرجل معقد وأناني ويعاني من ضعف في الانتماء الوطني وفي تصديق الحكومة : لا وجود لشعب. المشايخ وبعض المسئولين شعب الرئيس الفعلي, ونحن شعب المشايخ. لا وجود لحكومة هناك تجمُّع قبلي شيخ مشايخه الرئيس علي عبد الله صالح, وكفى الله المؤمنين الدولة والقتال وإرهاق المسئولية. والحل ؟ أن تسقط الحكومة ويسقط الشعب (رغم أنه ساقط بالفطرة) وتمطر السماء مياه حارة (تغلي) وكلوركس وديتول, لمدة لا تقل عن ثلاثين يوما ثم يأتي الله بشعب جديد لا يعرف مطلع ولا منزل برغلي ولا لغلغي جنوبي ولا دحابشي حاشدي ولا بكيلي ولا مذحجي ريمي ولا سنحاني يختار حكومته بنفسه صاح صديقي : هذا ليس حلاً يصدر عن رجل سوي .. هذه تشاؤمية مفرطة, وظل يردد نفس عباراته السابقة. أنا متشائم وإن كنت أحب التفاؤل ولا أحبذ ممارسته .. يكفي ما سببه لي الواقع من متاعب وأزمات, ولن أدعه يسخر من تفاؤلي العبثي. ما الذي يدعو للتفاؤل يا صديقي ..؟ ألا ترى أن النظام في اليمن قائم على المتناقضات وعلى مصالح المتناقضين, وأننا لا نسمع عن المصلحة العليا والصالح العام إلا مقترنين بإدانة ما لجهة ما فقط .. لم تقتض المصلحة الوطنية يومًا محاكمة فاسد أو تقليص صلاحياته احتراماً لحالة الشعب المزرية ..؟!! ألا ترى يا صديقي أن كل مسئول يملك صلاحيات رئيس, وليس في البلد من الثروات ما يكفي لأن يمارس الجميع صلاحياتهم .. إن انهار الوطن فسيحصل ذلك لأنه بات أضيق من صلاحيات ومصالح المسئولين .. فإما أن تعمل الحكومة على تقليص وتحديد صلاحيات هؤلاء وإما أن تعمل على مضاعفة موارد البلد..؟ نحن ورقة الحكومة لدى الدول المناحة, بفقرنا يزداد المسئولون غنى ويضمنون ولاء من تحتهم لهم وولاءنا لمن تحتهم, ولسنا غير ذلك .. ألا ترى أن الشعب في الجنوب أهم شريك في بناء الوحدة, لكننا لا نشاهد صوره في الجدران مكتوبا عليها "صانع الوحدة" وإنما كان الرئيس وحده لا شريك له "صانعها" و "قاهر الانفصاليين". أفرغوا الثورة والوحدة والديمقراطية من محتواها بعد أن أفرغوا المواطن من محتواه .. أقترح أن يكون هناك "دار رعاية المواطنين" للشعب اليمني في دولة أخرى صديقة أو شقيقة فنحن أيتام الهوية والمواطنة.