خبير مالي يوضح حول الانهيار الاخير لقيمة الريال اليمني    اليمني فادي بجاش يحصل التصنيف العالمي للشطرنج الخاطف    اليدومي: نجاح التكتل السياسي الوطني مرهون بتجاوزه كمائن الفشل ومعوقات التحرير    الفريق الحكومي: المليشيا تتهرب من تنفيذ التزاماتها بشأن المختطفين عبر خلق مسرحيات مفضوحة    انهيار جنوني للريال اليمني مقابل العملات الأجنبية صباح اليوم    صاعقة رعدية تنهي حياة شاب غربي اليمن    بعد تعادلة مع نادي شبام .. سيؤن يتاهل للدور 16 في كأس حضرموت ثانيا عن المجموعة الثامنة    محاولة طعن وذبح قيادي حوثي من قبل مجهولين في مديرية ولد ربيع بالبيضاء    البنك المركزي يشرعن جرائم إنهيار سعر الريال اليمني    بن ثابت العولقي: الضالع بوابة الجنوب وقلعة الثورة والمقاومة    هل أصبحت إيران أقرب لدول التحالف العربي من شعب الجنوب العربي    علي ناصر محمد ... وسؤال ماذا يجري من وراء الكواليس !!!    الروتي في عدن: صراع بين لقمة العيش وجشع التجار    ناطق قوات طارق صالح يرحب بقرار محكمة العدل الدولية بوقف هجوم إسرائيل على رفح    "وكيل وزارة العدل: الحوثي لا يزال مجرم حرب رغم إعلان الإفراج"    الحوثيون يفرضون صلاة الظهر ويمنعون خطبة الجمعة... جرائم طائفية جديدة في مساجد المحويت!    ميثاق شرف لإنهاء الثارات القبلية في مناطق الصبيحة بمحافظة لحج    شاهد: مراسم تتويج الهلال بلقب الدوري السعودي    القاء القبض على مدير مكتب الزراعة بعد الفضيحة الحوثية وإدخال المبيدات الإسرائيلية المحظورة    34 تحفة من آثار اليمن مهددة للبيع في مزاد بلندن    أول "قتيل أمريكي" في البحر الأحمر .. ومحمد علي الحوثي يعلق!    السد يتوج بطلاً لكأس أمير قطر    الامتحانات وعدالة المناخ    الهيئة العامة لحماية البيئة تشكو من تدخلات وزارة الزراعة في رقابتها على مبيدات الصحة وتكشف عدم التنسيق معها    غموض يكتنف وفاة الطفلة حنين القطوي بعدن: لا أدلة على الانتحار    ترحيب عربي ودولي بقرار "العدل الدولية" وقف الهجوم على رفح ومطالبات بتطبيقه فورا    مليشيات الحوثي تصدر بيانا بشأن منعها نقل الحجاج جوا من مطار صنعاء إلى السعودية    السعودية تعلن عن الطرقات الرئيسية لحجاج اليمن والدول المجاورة للمملكة للتسهيل على ضيوف الرحمن    كيف يزيد الصيف أعراض الربو؟.. (نصائح للوقاية)    استشهاد وإصابة 4 مدنيين بانفجار لغم من مخلفات المليشيات غربي تعز    حملة طبية مجانية في مأرب تقدم خدماتها لأكثر من 839 من مرضى القلب بالمحافظة    يامال يودع تشافي على طريقته الخاصة    وزير المياه يناقش آلية التنسيق والتعاون مع مجموعة المانحين الرئيسيين لليمن    لصوص الشرعية آل عفاش يسرقون شهريا من تغذية مقاومة تهامة 4,5 مليون ريال سعودي    عالم يرد على تسخير الإسلاميين للكوارث الطبيعية للنيل من خصومهم    الفن والدين.. مسيرة حياة    عن طريق أمين جدة السعودية.. بيع عشرات القطع الأثرية اليمنية في لندن    أحدث ظهور للفنان ''محمد عبده'' بعد إصابته بالسرطان.. كيف أصبحت حالته؟ (فيديو)    احباط تهريب 213 شخصًا من اليمن ومداهمة أوكار المهربين.. ومفاجأة بشأن هوياتهم    بصعوبة إتحاد النويدرة يتغلب على نجوم القرن و يتأهل إلى نصف النهائي    دورة الانعاش القلبي الأساسي للطاقم الطبي والتمريضي بمديرية شبام تقيمها مؤسسة دار الشفاء الطبية    الدوري الايطالي ... سقوط كالياري امام فيورنتينا    تصحيح التراث الشرعي (32) أين الأشهر الحرم!!؟    المهندس "حامد مجور"أبرز كفاءات الجنوب العربي تبحث عنه أرقى جامعات العالم    السعودية تقدم المزيد من الترضيات للحوثي    إعلان سعودي رسمي للحجاج اليمنيين القادمين عبر منفذ الوديعة    رونالدو يفاجئ جماهير النصر السعودي بخطوة غير مسبوقة والجميع ينتظر اللحظة التاريخية    الحكومة تطالب دول العالم أن تحذو حذو أستراليا بإدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب    سنتكوم تعلن تدمير أربع مسيّرات في مناطق سيطرة الحوثيين مميز    نايف البكري يدشن صرف البطاقة الشخصية الذكية لموظفي وزارة الشباب والرياضة    وزير الأوقاف يحذر ميليشيا الحوثي الارهابية من تسييس الحج والسطو على أموال الحجاج    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وأشرقت شمس التغيير العربي من المغرب.. فإلى أين ونحو ماذا؟
نشر في المصدر يوم 20 - 02 - 2011


الحلقة الأولى:

استفاقت شعوب أمتنا العربية على امتداد وطنها من المحيط إلى الخليج، فجر يوم من أيام شهر يناير على عتبة عام جديد يسجل في التاريخ بعام 2011 للميلاد، على وقع وهدير ورعود وبروق عاصفة تغيير سياسي شعبي عربي بزغت شمسه الساطعة وأشرقت هذه المرة خلافا لكل التوقعات والحسابات والتحليلات من مغرب وطنه العربي الكبير؛ من أرض تونس الخضراء التي لم تكن ظروفها وأوضاعها العامة –بالقياس إلى كثير من البلدان العربية– ترشحها وتؤهلها لتكون المحطة الأولى الأكثر إلحاحاً لعصف وزلزال عاصفة التغيير العربي الهادرة والمنتظرة، وإن كانت بالتأكيد إحدى المحطات المصطفة في مجرى العاصفة ومسارها، لكن الشعب التونسي الأكثر وعيا وثقافة وصلابة، انطلق مبكرا مفجرا ثورة وئيدة الخطى واثقة المسار واضحة الهدف منظمة الحركة رفيعة الشعور بالمسئولية دقيقة الانضباط، فاكتسب بذلك شرف السبق والريادة محطما ومزيلا الأسوار والحواجز أمام مسار عاصفة التغيير العربي التي تبرق وترعد وتهدر في أفق الوطن العربي بكافة اتجاهاته، من الجزائر غربا إلى الأردن شرقا وإلى اليمن جنوبا ومصر في القلب منه وإلى مغرب المغرب مرهصة ومنذرة، وفي السودان المتراقص على فوهة بركان متفجر، وربما إلى غير هذه البلدان والأنحاء أيضا.
ولئن حاز الشعب التونسي شرف السبق والريادة بثورته النوعية المتميزة التي لا تزال ثابتة ومتواصلة حتى اليوم بعد رحيل أو هرب الرئيس بن علي وبعض أفراد أسرته وأقاربه خارج البلاد، لإفشال وإنهاء وإبطال كافة أشكال ومحاولات احتواء ثورته والالتفاف حولها وإفراغ مضامينها وحرف مسارها وأهدافها، فإن ما حدث بعد وأثناء ثورة تونس من احتجاجات وانتفاضات وثورات شعبية في البلدان العربية المشار إليها آنفا لا يمكن النظر إليها وفهمها على أنها مجرد عملية محاكاة وتكرار أو انتقال عدوى أو استنساخ آلي لتجربة الشعب التونسي، وذلك لأن لكل ساحة عربية من تلك الساحات لها طابعها وخصوصيتها وتفرد وسائلها وأساليبها تبعا لاختلاف وتباين ظروف وأوضاع ومشكلات كل واحدة منها على حدة، ومع ذلك وعلى الرغم من ذلك فإن كل تلك الساحات أو البلدان العربية تشترك وتتماثل على نحو ملفت وفريد وشبه كلي في سلطاتها الحاكمة من حيث واحدية طبيعتها وأسلوبها ومنهجها وغاياتها وأساليبها وتركيبها وسياساتها! فكل تلك السلطات الحاكمة –تقريبا– إذا استثنينا منها تحديدا كلاً من المغرب والأردن، تستند في شرعية وصولها إلى الحكم من حقيقة كونها امتدادا أو استمرارا لتجربة "الدولة الوطنية" الحديثة التي أنشأتها انقلابات عسكرية أو حركات تحرير وطني بعد أو على إثر حصول الكثير من البلدان العربية على استقلالها الوطني من السيطرة الاستعمارية الأجنبية أو بالثورات على النظم الملكية الهشة آنذاك، وهي في مجملها انقلابات عسكرية أو ثورات تحرر وطني دشنت مرحلة سياسية جديدة عنوانها إقامة نظم "الجمهورية الثورية" لم يكن سوى مستندا شرعيا واهيا ومهزوزا بعد أن تمكنت من إفراغ النظم "الجمهورية الثورية" من محتواها ومضمونها الأيديولوجي السياسي إفراغا يكاد أن يكون تاما، وحرف مسارها وأهدافها وغاياتها المعلنة والموثقة في بادئ نشأتها، وحولتها إلى مجرد شعار نظري لا معنى له ولا وجود في الواقع العملي التطبيقي سوى توظيفه مادة للدعاية والتهريج الإعلامي البائس واستمدادا لمشروعية لم تعد قائمة أصلاً. وهكذا أصبحت السلطات الحاكمة في تلك البلدان العربية ذات طبيعة ومسار وأهداف متجانسة ومتماثلة وموحدة تماما إلى حد بعيد جدا حتى بدت وكأنها صور متطابقة ومستنسخة من أصل واحد يبرهن على ذلك اشتراكها وتماثلها الكامل في السمات والخصائص والصفات والسياسات الرئيسية التالية:
1) العمل والسعي الدؤوب والمخطط بعناية ودهاء لتحقيق هدف استراتيجي محوري من شقين متلازمين متكاملين، الشق الأول الوصول إلى "تأبيد" بقاء الحاكم الفرد المطلق السلطات والصلاحيات في الحكم حتى النفس الأخير من حياته؛ والشق الثاني تأمين عملية نقل الحكم "توريثا" إلى أحد أبنائه من صلبه! وإذا جلت ببصرك في تلك السلطات الحاكمة تجد حاكما مضى عليه ما يقارب النصف قرن إلا قليلا، وآخر تجاوز الثلاثين عاما، وأفقرهم في مدة بقائه في الحكم لا يقل عن عشرين عاما ولا يزال متشبثا ومستميتا في البقاء حاكما إلى الأبد!
2) عملت تلك السلطات جميعها بدون استثناء على الإقصاء المنظم والتدريجي لكل القيادات والشخصيات المؤهلة والكفؤة والقوية أصحاب الشرف والمواقف المبدئية والذمم والضمائر والأيدي الصافية والحية والنقية النظيفة من مختلف أجهزة الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية، وإحلال شخصيات وقيادات هزيلة ضعيفة فاسدة وطيعة ومنقادة محلها؛ جل همها وتفكيرها منحصر في تلبية وتنفيذ رغبات وأوامر الحاكم دون اعتراض أو إبطاء وتحقيق الثراء الشخصي السريع وغير المشروع، مغيبة وضاربة عرض الحائط لقيم ومثل الأمانة والاستقامة والمسئولية والواجب تجاه الشعب والدولة.
3) تعيين وتمكين أقارب الحاكم وأفراد أسرته وأصهاره وأنسابه وأبناء عشيرته كل بحسب درجة قرابته الأقرب فالأقرب في وظائف ومسئوليات ومواقع مهمة وحساسة تشكل مفاصل ومفاتيح وأدوات السيطرة والنفوذ والقوة وخاصة داخل الجيش والأمن أولاً، ومصادر المال والثروة ثانيا، ثم الوظائف والمراكز القيادية في السلكين المدني والديبلوماسي للدولة، دون أدنى اعتبار أو مراعاة للمؤهلات والكفاءة والقدرة والأحقية والأقدمية، ومنهم من تحجز له وظائف قيادية عليا وحساسة إلى أن يتم دراسته، إن أكملها، لينتقل من كراسي الدراسة، حتى وإن تعثر فيها وفشل إلى كراسي القيادة العليا للدولة عسكرية أو مدنية مباشرة ودون عوائق.
4) سرعان ما يتمكن الحاكم المطلق السلطات والصلاحيات مستغلا موقعه ووظيفته ومسخرا إمكانيات الدولة وسلطاتها، من إحكام سيطرته وقبضته الكاملة على الحزب الحاكم، إن وجد، أو ينشئ حزبا جديدا تحت عباءته، ويحوله من وسيلة وأداة معاصرة حديثة وشريفة في إدارة الدولة والعمل السياسي الإيجابي والفعال وتفعيل وتطوير الوعي والمشاركة الجادة والحيوية في قيادة وإدارة دفة العمل الوطني العام، إلى أداة ووسيلة هزيلة وباهتة بيده وتحت تصرفه وفي خدمته هو وحده وليس الدولة والمجتمع مقابل منافع ومكاسب مادية شخصية ضيقة. ومن الجهة الأخرى لعبت أجهزة أمن السلطات الحاكمة الأمنية والقمعية دورا تدميريا بالغ الخطورة في إفساد وتخريب وتمزيق وتفتيت الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني عبر أساليب اختراقها وتدميرها بالترغيب والترهيب والتهديد والوعيد والفرض والقهر، وراحت تستنسخ وتفرخ لكل حزب ومنظمة عدة أشكال ومسميات مشابهة، حتى باتت الأكثرية الساحقة من تلك الأحزاب والمنظمات مشلولة ضعيفة لا تأثير لها ولا فاعلية ولا دور إيجابي بناء.
5) يوظف الحاكم الفرد المطلق ويسخر الأموال العامة والوظيفة العامة والترفيع والترقي الوظيفي دون رقيب أو حسيب، لإفساد الأخلاق العامة والضمائر وشراء الذمم وكسب الولاءات له ولمنظومة أسرته وأقاربه المتسلطين وضمان الخضوع والطاعة والعبودية له ولسلطته المطلقة، ويتعمد مع المدى أن يجعل من هؤلاء الذين يفسدهم ويوليهم ويمكنهم نماذج للنجاح والشطارة ومعرفة مصالحهم وكيف يخدمونها أمام القادم من أجيال الشباب الذي يوضع أمامه الخيار بين طريقين: فإما أن يقبل بأن يسلك مسلك الذين قبلوا بالفساد والخضوع فصعدوا ومكنوا، وإما الإقصاء والأبعاد والضياع التام والكلي! وهكذا لا يستطيع المقاومة والصمود إلا قلة قليلة ممن رحم ربي وأعان وهدى، وبهذا تصبح الدولة بمختلف أجهزتها ومؤسساتها ووظائفها ودورها كإدارة للحكم والمجتمع يتحكم بها ويسيطر عليها ويديرها زمر من الفاسدين عديمي الأخلاق وميتي الضمائر وفاقدي الأمانة يسومون الشعب المسكين المقهور سوء العذاب ويجرعونه كؤوسا من المعاناة والمرارة صبح مساء لا هم لهم سوى مصالحهم الشخصية الأنانية ولا يساورهم أدنى هم أو قلق أو مبالاة أن يذهب الوطن والشعب إلى جحيم وهاوية الانهيار والتمزق والفتن والحروب الأهلية المدمرة، فهم يعتقدون أنهم في حالة حدوث مثل هذه الكوارث والمآسي فإن بمقدورهم العيش في أرقى مستويات الرغد والرفاهية في أي مكان في أرض الله الواسعة بما راكموه وكنزوه من أموال وثروات منهوبة غير شرعية ومال حرام!
6) العمل الحثيث والمنظم، وعن سابق تصميم وتعمد، لإفقار الغالبية الساحقة من الشعب وتجويعهم وحرمانهم، وذلك إنفاذا وتطبيقا للقاعدة السخيفة الحقيرة القائلة "جوع كلبك يتبعك" حيث يغرقون تلك الغالبية الساحقة من المواطنين في دوامة رهيبة ومضنية من الانشغال أو الهم والكد الدائم بأمور عيشهم ومعيشتهم وتوفير أبسط وأفقر مقومات الحياة اليومية لهم ولأبنائهم وأسرهم المعذبة، ظنا من تلك السلطات وتوهما خاطئا من قبلها بأن مثل تلك الحالة الرهيبة والعاصفة في عذاباتها ومعاناتها تعتبر أنجح وسيلة لإجبار الشعب على توجيه همه واهتمامه وتفكيره كله في أمر أنفسهم وصرف أنظارهم واهتماماتهم عن الحاكم وسلطته وملكه المتفرد، وأنك لتجد بعض تلك السلطات الحاكمة في بلدان عربية ثرية وغنية جدا بمواردها وثرواتها البترولية والغازية يبددها الحاكم ويهدرها وينفقها هنا وهناك وفي كافة الاتجاهات وفقا لنزواته وهواه في حين يعيش شعبه حالات من الحرمان والفقر المدقع، ولو وجهت تلك الثروات الوطنية الهائلة والخيالية وأنفقت لصالح الشعب لأصبح كل مواطن أكثر إنسان غنىً ورفاهية وثراء في الكرة الأرضية قاطبة.
7) وإكمالاً وتعزيزا وتأكيدا وحسما لسيطرة الحاكم المطلقة الكلية وأفراد أسرته وأقاربه وعشيرته بدون توقع أية احتمالات ومفاجاءات غير متوقعة ولا مستحبة، يعمل الحاكم بكل دأب وفاعلية ونشاط، للإضعاف المستمر والمتواصل لسلطات الدولة الشكلية أصلا، كالسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والقضائية وجعلها باهتة وهزيلة خاضعة طيعة عبر عملية الدفع والتعيين والتمكين لأكثر الشخصيات ضعفا وجهلا وسطحية وهزالة سواء بالتعيين أو بالانتخابات الشكلية الصورية المزورة، وذلك بقصد وتعمد مدروس وهادف مؤداه أنه كلما تم تسطيح وتبهيت وإضعاف سلطات الدولة الشكلية الصورية، أدى ذلك حتما وتلقائيا إلى تقوية وتسييد وتحكم السلطات الفعلية صاحبة القوة والنفوذ التابعة والموالية والخاضعة للحاكم الفرد المطلق وأسرته وأقاربه وعشيرته الأقربين الذين تحققت لهم -إلى جانب السيطرة المطلقة على أدوات القوة والسلطة والنفوذ والتسلط الشامل- سيطرة موازية على مصادر الثروة والمال، فجمعوا في أيديهم كلاً من القوة والسلطة والثروة وهي الثلاثية المتلازمة لكل تحكم، وسيطرة كاملة شاملة مطلقة. والتستر خلف ديمقراطية زائفة وشكلية مفرغة تماما من مضامينها وغاياتها ووضع يد السلطة الحاكمة، عبر أجهزتها الأمنية المخيفة وعلى العملية الانتخابية والتلاعب بنتائجها وتزوير مخرجاتها بحيث لا تعكس حقيقة رغبة وإرادة الناخبين الحرة، وفقدان الشعب أي اهتمام ومشاركة فيها لتيقنه بعدم جدواها وعدم مصداقيتها والتزوير الكلي لها.
8) ثم تأتي أخيرا السمة أو الصفة الرئيسية الأكثر أهمية وحسما التي تجمع وتوحد كل تلك السلطات الحاكمة، ألا وهي بناء وتعزيز وتقوية وتطوير مختلف الأجهزة الأمنية المخيفة والمرعبة، علنية وسرية، بما فيها مجاميع وفرق الاغتيالات والخطف والإخفاء القسري، وإطلاق يدها دون قيود أو ضوابط لقمع المواطنين وقهرهم وإذلالهم وإلقاء الخوف والرعب في نفوسهم بمختلف وسائل وأساليب التعذيب والانتهاكات لآدمية الإنسان وكرامته، ولو لمجرد الشبهة أو الشك أو الظن بأنه يشكل خطرا على السلطة الحاكمة أو قد يكون لذلك في المستقبل! فلقد أرادت هذه الأجهزة القمعية المرعبة وسعت إلى جعل المواطنين مجرد قطعان ماشية أو حيوانات لا عقل لها ولا إرادة ولا حرية ولا كرامة ولا دور في الحياة العامة.
تلك كانت إذن أبرز وأهم السمات والصفات والخصائص التي ربطت كل تلك السلطات الحاكمة بقواسم مشتركة واحدة ووحدت بينها إلى أقصى الحدود في الطبيعة والعقلية والمسار والمنهج والسياسات، وكان حتما -والحال هذه- أن تفرز إدارة تلك السلطات الحاكمة لشئون بلدانها وشعوبها أوضاعا وظروفا ومشاكل وأزمات واختلالات عميقة وواسعة متقاربة ومتماثلة ومتشابهة في كل تلك البلدان، وإن اختلفت فيما بينها في الدرجة والمستوى والعمق فقط، وهو ما جعل عوامل ثورة الشعوب فيها ودوافعها وأسبابها ومحركها واحدة ومتماثلة ومتشابهة، وهو ما يفسر ويوضح ذلك التداعي والتتابع المتزامن لأحداث ووقائع عاصفة التغيير العربي الهادرة لتشمل تلك الرقعة الجغرافية الواسعة من الأرض والدول على امتداد الوطن العربي من مغربه إلى مشرقه، فليس الأمر إذن أمر انتقال عدوى أو استنساخ تجربة أو ثورة هذا الشعب أو ذاك بل تماثل ووحدة الموجبات والدوافع والظروف الموضوعية الناضجة والمهيئة لثورة الشعوب واحدا تلو الآخر.
* فساد شامل استفحل عمقا واتساعا، وألقى بظله الكئيب والمخيف على كامل الدولة والمجتمع.
* انقسام اجتماعي حاد وحاسم بين قلة قليلة أثرت فجأة على نحو فاحش وسيطرت على نسبة هائلة من الثروة الوطنية بدون وجه حق، وأكثرية ساحقة لا تملك إلا نسبة ضئيلة جدا منها، وغيبت العدالة الاجتماعية تماما وساد الظلم الاجتماعي الفادح.
* ارتفعت نسبة البطالة إلى مستويات مخيفة غير مسبوقة ووجد الشباب أمامه أفقاً مسدودا وآمالاً محبطة وإحباطا مدمرا.
* وتصاعدت مستويات الفقر في المجتمع لتصل إلى نسب ما بين 40- 70% على اختلاف البلدان العربية وتعمق الشعور بالحرمان والظلم والتهميش والإقصاء.
* وأظلم الأفق أمام ناظر الشباب المفعم بالحيوية، إذ وجد أن الوظيفة العامة إما خاضعة للتوريث بين أبناء المسئولين والقادة والمتنفذين والفاسدين في مستوياتها العليا، وما دونها خاضعة للبيع والشراء بأثمان عالية لا قبل لهم بها.
* وفرص التعليم وخاصة الجامعي النوعي والمتميز في منحه وبعثاته الخارجية غير خاضع للمؤهلات والمعدلات مهما ارتفعت وعلت، بل يحظى بها حملة التوصيات والأوامر الفوقية ولا عبرة إزاءها للمؤهل أو المعدل أو النبوغ!
* فأصبح مفهوم ومبدأ "المواطنة" و"الولاء الوطني" وحقوقهما وواجباتهما المتساوية محل تساؤل وتشكك فهل الوطن ملك لجميع أبنائه المتساويين في الحقوق والواجبات، أم أصبح ملكا خاصا لأقلية ضئيلة محظوظة؟
وأمام هذا الواقع السوداوي المعتم والكئيب شعر غالبية المواطنين أنهم أصبحوا وجها لوجه أمام خيار واحد حاسم بين حياة أو موت وباتوا جاهزين ومستعدين تماما للثورة العارمة دون توقف أمام ثمن أو تبعات ذلك أيا كانت. وهكذا ضربت عاصفة التغيير العربي الهادرة ضربتها الأولى موقدة شعلتها المتأججة على أرض تونس مرسلة شراراتها غربا في اتجاه الجزائر والمغرب إلى حد ما، وهي منطقة جغرافية سياسية ثقافية شكلت –تاريخيا- بوتقة تلاقح وتفاعل وتمازج ثقافي حضاري بين ضفتي حوض البحر الأبيض أوروبا شمالا والشمال الإفريقي العربي جنوبا، ولتتردد أصداؤها وتفاعلاتها شرقا وجنوبا في اتجاه الأردن واليمن، ولتحط رحالها في مستقرها وداخل تربتها وتحت ظل أجوائها الطبيعية الملائمة؛ مصر، ويبدو أنه كان أمراً طبيعيا بل ومحتما أن تستقر هناك.. فمصر؛ الجغرافيا والتاريخ والحضارة والشعب والدور، تتموضع عن جدارة واقتدار وتحتل موقع القلب من الجسد العربي كله يمده ويغذي أطرافه كلها بالدماء الصافية النقية واهبة للجسم كله الحياة والحركة والنشاط والديناميكية الحيوية. وهي، أي مصر، كانت ولا تزال وستظل إلى الأبد مركز الثقل الاستراتيجي القادر وحده دون منازع، وذلك هو قدره المحتوم على شد وربط وضبط حركة وإيقاع ومسار مشرق الوطن العربي ومغربه، وكان من الطبيعي، كما قلنا، بل والمحتم أن تتخذ عاصفة التغيير العربي الهادرة من أرض مصر وتربتها ومناخها المادي والإنساني، مستقرا لها وحاضنة لنموها ونضجها واكتمال وتكامل قسماتها وملامحها ومضمونها ومعناها الحضاري الناضج والمتكامل، ليضخها القلب الكبير النابض دماء نقية صافية مفيدة إلى كامل أجزاء ومكونات وأطراف الجسد العربي الكبير واهبا له الحياة والحيوية والحركة والديناميكية والفاعلية، ولقد علمنا التاريخ وأكد وبرهن لنا من مجمل حقائقه وتجاربه ودروسه وعبر مختلف مراحله الموغلة في القدم وحتى اليوم، بأنه كيفما تكون مصر إيجابا أو سلبا، قوة أو ضعفاً، نهوضا أو ركودا، فإنها تعكس أحوالها تلك تلقائيا ومباشرة على كافة أرجاء الوطن العربي بامتداده واتساعه، إنها على الدوام النموذج المشع والمؤثر في منطقته ومجاله الحيوي الاستراتيجي، إنها صاحبة الدور القيادي الريادي للمنطقة دون منازع أو منافس وهي تصعد وتبرز وتفرض وجودها كقوة إقليمية أو حتى دولية لها حضورها ونفوذها وهيبتها، إلا بترابطها وتلاحمها العضوي بمجالها الحيوي الاستراتيجي العربي تحت قيادتها الخلاقة الرائدة والبناءة، وتلك حقيقة أدركتها ووعتها واستوعبتها وأعملتها القيادات المتعاقبة على حكم مصر منذ فجر التاريخ الإنساني المدون وحتى اليوم، حتى وإن غيبت أو أهملت أو تجوهلت في فترة من الفترات لسبب أو لآخر، إلا أنها ظلت ساطعة وبارزة لا تلبث أن تعود لتفرض نفسها مجددا حيث لم تسقط نهائيا أو تلغى أو تفقد ضرورتها أبدا.
ولكن ما هي أبرز وأهم الحقائق والعبر والدروس الممكن استخلاصها من مسار عاصفة التغيير العربي الهادرة حتى اللحظة؟
وما هي الملامح والمعالم والقسمات التي ستمدد صورة وطبيعة وغايات تلك العاصفة في حال بلورتها وإنضاجها واكتمالها؟
وهل ستؤسس فعلا لمرحلة جديدة ومختلفة تماما وكليا لمستقبل عربي واعد ومشرق؟
ذلك ما سنحاول الحديث حوله في الحلقة القادمة إن شاء الله القدير
*شيفلد- بريطانيا في 30 يناير 2011 .

المصدر أونلاين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.