وكأنهم تعلموا في نفس المدارس, وكأنهم أخوة تفصلهم حدود وشعوب, وكأنهم قلبٌ واحد ينطقُ بلسانٍ واحد. لكن الأكيد أنهم تشبثوا بالحكم كما يتشبث الطفل بلعبةٍ جديدة لم يخبو بريقها في عيونهم حتى بعد ثلاثين عام. في البدء كان زين العابدين بن علي يصف ابناء شعبه من يطالبون بالحرية والكرامة, كان يصفهم بالإرهابيين. نعم وبكل وقاحة قالها وهو حليف الغرب في محاربة المتطرفين والاصولين وغيرهم ممن استخدمهم ويستخدمهم الكثير من الحكام العرب فزاعةً للغرب يضمنون بها بقائهم على صدور شعوبهم ويضمنون اموالاً تتدفق من الغرب مقابل قمع كل ماهو ليس على هواهم حتى وإن كان المواطن صاحب الارض والبلاد. وسط خطابات الفهم وعدم الفهم التي القاها بن علي قبل فراره سمى المتظاهرين بالارهابيين في سقطة واضحة تدل على تخبط النظام الذي تجلى بهروب بن علي وقفزه من السفينة قبل حتى ان يمهل رفقاء درب القمع والفساد بعض الوقت حتى يقفزوا من سفينة نظام اغرق نفسه في فساده. ويتوقع البعض ان يفهم بقية المتشبتون العرب بعروشهم ويتحاشوا اخطاء بن علي فتأتي اخطاءً اكبر واشد جسامة فنسمع مبارك يصف المظاهرات بأن مشيعي الفوضى قد استغلوها وهذا كلام لبق امام تصريحات نائبه سليمان التي قالها صراحة بان المتظاهرين "مندسين" ولديهم "أجندة" فأصبح لسان حال شباب التحرير يصدح نعم انا "الواد المندس بتاع الاجندة" فأجندتهم هي خارطة طريق لمصرهم الجديدة مصر عزتهم وكرامتهم ومستقبلٍ افضل لهم ولمن سيأتي بعدهم وأول خطوة هي ازاحة من شاخ على كرسيه لا يدري بمآل شعبه والتخلص من اعوانه كنائبه الذي لم يرمش له جفن وهو يقول لمراسلة شبكة ال اي بي سي الامريكة بأن الشعب المصري ليس مستعداً للديمقراطية في حين ان الشعب يقف في ميدان التحرير وغيرها من ميادين الثورة يمارس الديمقراطية لا بل ويعطي العالم دروساً بها. يبدو اننا الان نعرف من هو الغير مستعد للديمقراطية. وعندما لم ينطفئ لهيب الثورة لوح النظام بأخر بطاقة له لتخوين المتظاهرين؛ إسرائيل. وقتها كان علينا ان ننسى ان مبارك حليف إسرائل الأكبر في المنطقة وان اسرائيل كانت ترتعد خوفاً خشيه اسقاطة وان هنالك سفارة لأسرائل تقبع في احدى شوارع القاهرة يرفرف اعلاها علم اسرائيل على أرضٍ عربية, ان ننسى كل ذلك ونقتنع ان الاحتجاجات كانت إسرائيل خلفها وهي من دربت المتظاهرين على يد "الموساد وحماس في قطر" هذا بحسب الصحفية المتنكرة التي ظهرت على قناة المحور تعلن ندمها على كونها احد المُدَربين على يد الموساد لكتشف في لحظة تجلي نوراني بأن مبارك حق وان ما دونه باطل وان البلاد من دون ستضيع. الأنكى هو ان يواصل وزير الداخلية في وزارة شفيق المستقيلة إهانة الثوار بان يصر على ان العناصر التي كانت تعتصم في التحرير ماهي الا عناصر "مندسة" حتى وبعد سقوط رأس النظام ! يا إلهي يبدو انه لم يفهم بعد. "ما يحدث الان في العالم العربي ماهو إلا ثورة إعلامية تديرها الولاياتالمتحدة من غرفة في تل ابيب وما يقوم به المعتصمون ليس إلا تقليد لمصر وتونس", معاذ الله ان يكون الكلام ولا حتى للقذافي لكنه ل علي عبد الله صالح. الحقيقة ان هذة الجملة قد تلخص ما يحدث الان في اليمن وتمكن القارئ من ان يستشف مشكلات اليمن على مدى الثلاثين عام الماضية من خلال قياس مستوى "الفهم" لدى صالح. صحيح ان اغلب المواطنين اليمنيين أميين وهذا قد يعتبر ملجأً أمناً للسلطة التي لم تعمل ابدا على حل مشكلة الامية لا وبل ساهمت في انحطاط المستوى التعليمي حتى صارت الشهادات الجامعية تباع تماماً كالبطيخ, فوجود هذا الاغلبية الأمية يعتبر وسادة تتكئ عليها السلطة في مشوار فسادها وإفسادها للبلاد غير انه امام هذه الفئة توجد فئة متعلمة واعية مثقفة تعي حتمية التغير وتؤمن به وتعمل لأجله وترى ان من الواجبات المناطة بها هي توعية الشارع حتى وان عمل النظام جاهداً على ابقائة مهمشاً لا وبل تهجم عليه ووصفه بالعمالة لأسرائيل عندما قال صالح بأن من يمول المظاهرات انما يمولها بأموال "صهيونية". انا ومن موقعي البعيد المكاني والقريب الحسي بمايجري في اليمن لا ارى سوى افراد مهشمين يكاد ينفرط قلبك على حالهم عندما ترى اجسادهم الهزيلة تحاول جاهدة جمع كل ما تبقى فيها من قوة لتصرخ على لسان واحد وتقول "إرحل" فأين اموال الصهاينة واين العملاء؟ ياترى كم سعر الصرف للعملة الصهيونية كي تجمع الملاين على رأي واحد؟ وهل فهم صالح الشعب الذي افترش الميادين ام انه سيخرج يوم عليهم ليصرخ انا لا افهمكم؟ اسئلة تطرح نفسها في نفس الوقت الذي مازال اليمنيون يتساءلون فيه عن جدوى حرب صعدة التي قضى فيها العديد من أبناء الوطن من المدنيين والجنود؟ وعن المدنين العزل الذين قضوا نحبهم في ابين تحت ضربة جوية لا ندري الى الان من نفذها تحت ذريعة محاربة الأرهاب؟ فوزير الداخلية أجاب اعضاء البرلمان عند تعرضه للمسائلة بهذا الشأن بأن قوات الدفاع الجوي اليمني هي من قامت بالضربة ومن جهة اخرى تطلع علينا وثائق ويكي ليكس لتقول بأن القوات هي من نفذ تحت ضمانات يمنية بان السلطة ستقول بأنها من نفذ الضربة. لا أدري ما الاسواء هنا هل الكذب المقيت الصارخ في وجه الشعب هو المصيبة اما ان اعتراف الداخلية بأنها من قتلت مدنيين عزل بدم بارد وكأن شيئأ لم يكن هو المصيبة الحقيقية! تصريحات صالح تخون المطالبين بالحرية التي قال عنها يوماُ ما غسان كنفاني "انا احكي عن الحرية التي لا مقابل لها .. التي هي نفسها المقابل" و تحجم الثورتين التونسية والمصرية وكأن تقليد اليمنين لها شيء نكر ومعيب. وبين تصريحات صالح النارية في لقائاته بالقبائل او العلماة او زمرته من البرلمانين يهدد صالح شعبة الذي تجاهله ولم يخصه بخطاب واحد على الاقل ليضعة في مواجه مع الجيش الذي "سيدافع عن النظام الجمهوري الى اخر قطرة دم" هنا يتجلى التأثير القذافي الداخل على خط الثورات العربية الذي في نفس الوقت يحذر صالح ابناء شعبه بان سيناريو ليبيا قد يحصل في اليمن. ما يبهرني هي رحابة صدر اليمنيين تجاه كل هذه التصريحات. القذافي الذي لم يتوقع منه احد ان يفهم ونجزم انه سيموت قبل ان يفهم كان اكثرهم ابداعاُ رغم انه استخدم ورقة في يد الجميع لكن يبدو انهم كانوا يفهمون بما فيه الكفاية بان هذه الورقة ما عاد احد يصدقها. في يوم وليلة انقلب الشعب الليبي من شعب يتناول حبوب الهلوسة ويريد القيام بحرب اهلية, انقلب الى عناصر من القاعدة وخلايا "نايمة" للقاعدة في المغرب "الاسلامي" وصرنا كلنا العرب "نحسد" ليبيا تماما كما وضح صالح بان الاعلام يحسدنا على "ديمقراطيتنا". وبين كل هذه التصريحات المشينة ارى انه اذا لم تكن الاسباب التي دعت الناس الى الخروج للشارع لعرض مطالبهم ورغبتهم بدول مدنية متحضرة لامكان فيها للجهل والفساد وسلطة الرجل الواحد والحزب الواحد والتوزيع الغير عادل لخيرات البلاد وقمع الحريات فإن كل ماقيل في حق الشعوب في الفترة الماضية سبب قوي ويستحق ان يتنحى او يجبر على التنحي بسببه الحكام. فها هو الشعب يصرخ : انا الشعب انا الشعب لا اعرف المستحيل ولا ارتضى بالخلود بديلاً. أما آن لهم ان يفهموا؟