منذ عقود خلت والشعب اليمني يتطلع لاستعادة مدنيته الضاربة في ا لقدم والتي على أساسها بنا حضارته العريقة التي أنتجت دولة اليمن المدنية ليعيش أبنائها في أجواء الحرية والشورى. وفي فترات سابقة عمل رواد النضال في شعبنا على بناء حياة ديمقراطية في ظل نظام جمهوري ودولة مستقلة دفع اليمنيون ثمنه خيرة أبنائهم في ثورتي اكتوبر وسبتمبر , إلا أن أحلام الشعب وأهداف ثوراته آلت إلى نظام دكتاتوري مستبد التهم الثورات والثروات والأحلام بينما كان يغالطنا وشعوب العالم بديمقراطية مزيفة تعيد إنتاج ذاته وعصبته المتحكمة في تفاصيل حياتنا المختلفة فكسرت الجهل وحاربت العلم وأنتجت الفقر وأوصلت الشعب من جديد إلى ثالوث الفقر والجهل والمرض .
لقد غالطتنا السلطة من خلال ديكور ديمقراطيتيها كثيرا ولطالما صبرنا على ذلك محاولين إنتاج وسائل العمل الديمقراطي في بلدنا لينطلق التغيير فيها من خلال وسائل العصر الحديثة إلا أننا فوجئنا بتواصل تصنيف هامش الديمقراطية يوماً بعد أخر حتى آل الأمر إلى اختزال البلد في شخص وأسرة وكاد اليمنيون في ظل البحث عن حل الذهاب في اتجاه السلاح الذي يجيد الشعب وضع أصبعه على زناده لا رغبة في ذلك انما بسبب حروب الحاكم التي أججها في طول البلاد وعرضها وتفتيته للحمة الوطنية من خلال إذكاء الصراع بين مختلف القبائل لولا أن عقلاء البلد عملوا بكل جهد على ترميم ثقة الجماهير بنجاعة الوسائل السلمية بالتزامن مع إطفاء حرائق الحاكم التي كان يشعلها في أرجاء البلد.
خلال هذه الفترات غضت حكومات وأنظمة العالم المتحضر !! طرفها عن ممارسات النظام الديكتاتوري الذي دمّر اليمن وأطاح بكل جميل فيها، وبدلاً من أداء دور هذه الأمم في توسيع دائرة حقوق الإنسان لتشمل مختلف الشعوب إلا أنها تجاوزت ذلك وفضلاً عنه ارتبطت بعلاقة وطيدة مع ا لحاكم اليمني الذي يدمر شعبة منذ أكثر من ثلاثة عقود صاربة بقيمها التي أصمت أذاننا بها عرض الحائط حتى يئسنا من أي دور لها في تضميننا نطاق حقوق انسانها.
واليوم ها نحن شباب وشعب اليمن نناضل من خلال ميادين وساحات الحرية والتغيير ونمارس سلطاتنا الدستورية في نزع السلطة فنحن من يملك هذا الحق وله منحه أو منعه لمن أراد وعمن أراد في أي وقت.
لقد أردنا من خلال ثورتنا المباركة أن نبرز للعالم مدنيتنا الكامنة في ذواتنا والتي تسري داخل دماء كل يمني في البدو والحضر - ولولاها لأفنى بعضنا البعض الآخر في ظل وفرة السلاح ولا مسئولية السلطة التي انحرفت عن خدمة الناس إلى التحريش بينهم - لنقول لهم بلسان الحال لا المقال هذه هي ملامح دولتنا القادمة. اعتصمت القبائل دون سلاح وضبطت نفسمها أمام مختلف استفزازات ا لسلطة التي جاهدت لتخرجها عن إطار السلمية إلى العنف إلا أنها فشلت في ذلك وكلما كررت المحاولة كانت تفشل أكثر.
داهمت فعالياتنا السلمية فواجهنا الرصاص بصدور عارية ورددنا هتافات الحب في وجه عساكر النظام وبلطجيته ونثرنا الورود على إخواننا الذي صوبوا رصاصهم باتجاة صدورنا العارية فسقط منّا شباب في مقتبل العمر ولم تسلم أيضاً حياة الأطفال من جرائم قاتل في سدة حكم اليمن.
في هذه اللحظة كنا نتعجب من صمت الدول الغربية على رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية راعية حقوق الإنسان!!! كما تحب أن تسمى نفسها وفوق ذلك فوجئنا بتساؤل السفير الأمريكي بشكل فجّ ماذا سيصنع الشعب اليمني صبيحة رحيل صالح وأن الأمر لا يحل مشاكل اليمن.
فوجئنا أيضا بالبيت الأبيض يدعونا للحوار مع من يقاتلنا نحن البضع وعشرون مليون يمني لسلب حقوقنا و تشويه مدنية ثورتنا لصالحه وأسرته وهو موقف غريب يجعلنا نتساءل عن حقيقة عمل الإدارات الغربية لمصلحة شعوبها فيما يخص الموقف من الشعوب الأخرى وترميم الصورة السيئة عنها لدى عموم الشعب .
وفضلا عن ذلك نبا إلى أسماعنا خبر تواطئ الدول الغربية على قتلنا وخصوصاً الولاياتالمتحدة التي يقال أن قاتلنا حصل منها على طائرة محملة بالأسلحة المختلفة التي نباد بها اليوم ومن ذلك الغازات السامة التي يرقد ضحاياها في المستشفيات دون أن يستطيع العالم الحر !! إرغام القاتل على منح ضحاياه مصل الدواء.
حذّر البيت الأبيض بالأمس من نتائج العنف في مواجهة المطالب الشعبية إلا أننا كشباب نعيش واقع إرهاب الحاكم نضع ذلك في خانة سيرك السياسية الأمريكية التي تتأرجح بين الشعب والحاكم لتؤيد المنتصر وهو الشعب لا محالة فقد قرر ترحيل قاتله. الكثير من جماهير الشعب يعتقدون أنه لولا وجود ضوء أخضر من الغرب وأمريكا لما قُتل شباب اليمن بهذه الصورة السافرة ولما دوهمت اعتصاماته السلمية بالرصاص الحي والغازات المحرمة.
تنتابنا في هذا الصدد الكثير من المخاوف ليس منها مطلقاً حياتنا التي نوينا أن يقضيها من يقضى منا في سبيل بناء الدولة المدنية واستعادة حلم شعبنا في حياة حرة يعيشها متمتعاً بحقوقه التي سُلبت ردحاً من الزمن , إنما نتخوف من ردِّ فعل الجماهير على المدى القريب و البعيد لأنها لن تنس سفك دماء أبنائها وهم في اعتصام سلمي يطلبون حقوقهم التي لا مِّنة لأحد عليهم بها .
نتخوف بجد أن تؤثر ردة الفعل هذه على مدنية دولتنا التي ننشد من خلالها حياة حرة كريمة وعلاقات دولية راسخة على أساس احترام السيادة المتبادل.
لا نود أن ينحرف مسار ثورتنا ولا أن يصبح شعبنا على قناعة تامة بانتهازية الغرب وأنهم أصحاب حضارة منبتة لا يوقفها سوى الفعل , خصوصاً وأن جماهير اليوم تعتقد أنه لولا الضوء الأخضر الغربي والأمريكي لما أقدم النظام على جرائمه في حق أبناء الثورة اليمنية ولوفر على شعبة قبل الرحيل الدماء التي يذلل له هذه الضوء سفكها حين يشعر بموقف جدي يطالبه بالرحيل لا لأجلنا إنما لترميم الصورة السيئة عن حضارتكم أيها الغرب الديمقراطي المدني !! ولتكن مصالح الشعوب هي الاعتبار الأول والأخير لا مصالح إمبراطوريات المال التي أساءت كثيراً للشعوب وغالطتها أن عدم جاهزية شعوب الشرق للممارسة الديمقراطية تبرر وضع يدها في أيادي القتلة والمستبدين...
في غمرة هذا الموقف وغيره تجاه الثورات العربية يبدوا تلاشي الأسس المادية الذي انتهجته الدول الغربية للتعامل في المواقف الدولية مشارفاً على طي نهايته السيئة مع بروز نموذج جديد لاحترام القيم الإنسانية ومنحها أولوية في رسم مواقف الدول من خلال النموذج التركي الذي كان صريحاً في دعم خيارات الشعوب العربية واعتبار ثوراتها وضعاً طبيعياً كان يفترض به ألا يتأخر وأن موقف الغرب لم توفر الدعم اللازم لهذه الثورات.
الشعوب جاهزة للحياة المدنية و ممارسة الديمقراطية واستثنائها من اطار التمتع بالحقوق هو سبب الثورة الوحيد.