بعد شهر واحد فقط؛ (أي ثلاثين يوماً) عدت إلى الدائرة الخامسة في منطقة نقم التي كنت فيها أحد الذين أقنعوا الناس ب"يمن جديد ومستقبل أفضل"، حين كنت ممن قادوا الحملة الإعلامية في هذه الدائرة, بعد شهر واحد فقط عدت إلى هذه المنطقة التي تعج بالناس الطيبين والبسطاء, والذين لا هم لهم سوى الحصول على أقل مستوى معيشي يضمن لهم البقاء أحياء. عدت في زيارة خاطفة لأمين عام المجلس المحلي في محاولة فاشلة لانتزاع دوري في نجاح المؤتمر في هذه المنطقة البريئة، وإظهار الفضل الذي قمت به خلال فترة الحملات الإعلامية للانتخابات السالفة.
ذهبت لتهنئة المرحوم بانتخابه، قبل أن يترك كل مناصب الحياة إلى الأبد، ويستريح من تأنيب الضمير وتحمل معاناة رعيته. قبل أن أصل إليه لأنقل إليه مجاملتي ونفاقي؛ اصطدم بي أحد المارة بعد أن تذكر أنني أحد الذين ألقوا المحاضرات على الجموع لنيل ثقتهم التي منحوها فيما بعد لصالح قائدهم المفدى والمؤتمر. صاح بي هذا الرجل بصفتي الحزبية في المؤتمر الشعبي العام، ويتذمر من وصول سعر كيس القمح إلى ثلاثة آلاف، قبل أن يصل سعره إلى ما وصل إليه, كان يقول لي بحرقة شديدة إنني تسببت في التأثير عليه وإيهامه بأن القادم أفضل إذا صوّت للخيل.
إذا كان رأي هذا الشخص " شاذاً" ويحاول لفت النظر أو الزوبعة فهذا شأنه .. ما دامت القافلة "تسير" .
تساءلت بعد فترة وجيزة: إذا ذهبت إلى تلك المنطقة بعد أن تأزمت الأسعار إلى حد الجنون .. ما نوع المقابلة التي كنت سأحظى بها ؟ اعتقد أنها لن تكون بباقة من الزهور .
لم أكن أتصور أن يتذمر هذا الشخص بهذه السرعة، فمنطقي ألا عصا سحرية تستطيع التغيير بعد شهر واحد من مضي انتخابات. قلبت التوقعات وانفرد بها المنفردون, فالمنطق يحتم علينا جميعاً التريث، فالخيل مازال عند وعده في إصلاح ما أفسده المصلحون.
لا أخفي عليكم أنني كنت على يقين بأن الوضع سيصبح "جديداً وأفضل"، ولم أضحك على ذلك الشخص أو غيرة أو أكذب على نفسي حتى.
لقد كنت مصدقاً لكل ما قلت، بل إني واثق كل الثقة أن الوعود التي قطعها الزعيم لشعبه هي في طريقها للتحقق، وما هي إلا مسألة وقت أظنها ستكون أقل من ثلاثين عاماً.
أتساءل: كم تتكرر شخصية هذا الرجل المتذمر هل 1% أم 2%؟
لا أعلم. فأنا قطعت على نفسي عهداً بعدم العودة إلى الدائرة الخامسة حتى تتحقق وعود الواعدين، ساعتها سأذهب إلى هناك مرفوع الرأس.
ظللت أحسب الأيام والساعات والدقائق لتتحقق الوعود، ولكن هذه المرة ليس من أجل العودة إلى نقم مرفوع الرأس، ولكن ليتحقق وعد صاحب الفخامة المتمثل في القضاء على البطالة لأستفيد أنا من هذا الوعد.
لم أنتظر القضاء على الفساد، ولا توليد الكهرباء بالطاقة النووية، ولا تقليص فترة الرئاسة، ولم أكترث بأي بند من البنود التي تحققت بنسبة 85%، كما قدرها المقدرون، بقدر ما كنت مهتماً بالقضاء على البطالة لأنال نصيبي من الحياة، بعد أن قضيت معظم عمري في البحث عن العلم لأبتعد عن التقصير أمام طموحاتي وأمام وطني، كي لا أصبح عالة عليه قبل أن يصبح هو عالة على أبنائه.
بالقدر الكبير الذي كنت واثقاً فيه من صدق نوايا الزعيم لانتشال الناس من الوضع المتأزم الذي يعيشونه، أصبحت واثقا ألا نية حقيقية لخدمة أبناء هذا الشعب المسكين.
هل مازال الناس يصدقون الأقوال والتصريحات والوعود أم إنهم أصبحوا مثلي "يصدقون"؟
هل يعلم قاطعو الوعود أنهم يخلفونها أم إنهم ينسونها؟ إن كانت الأخيرة فديننا لا يؤاخذ بالنسيان. وان كانت الأولى فلا سامح الله من ظلمني وظلم الناس, وما بالي بالناس إذا ظلموا وهم صامتون، أليس الصمت من علامات الرضا؟
أصدقني القول يا صاحب الفخامة: هل سيصطلح الحال أم إنه الآن "صالح"؟
هل ننتظر أنا والآلاف من الشباب، أم نبحث لنا عن كرتونة أو كشك أو عربة، فهذا أسهل لنا ولكم، أو يرسل الله "من يتبناهم" فساعتها لا تلوموا الشباب ولا المتبني.
أتذكر أثناء الحملة الانتخابية لفخامتكم أن شيخاً قال لي : فليمض الرئيس عمره رئيساً، ولكن نريد أن نعيش. وقتها ضربت على كتفه ضربة الواثق وقلت له: سنعيش جميعاً.
هل ما يزال ذلك الرجل على قيد الحياة أم انه مات كما مت أنا؟ رحمة الله علينا جميعا.