عمد نظام الرئيس علي صالح مند نشأته على تغييب القوى الوطنية المدنية الداعية للتغيير والمناصرة للحداثة, فطالما كتب الكتاب مقالاتهم الناقدة لنظام حكمه وهم في حالة من الإحباط في عدم جدوى ما يكتبون , وكثيراً ما تتبع الصحفيون وكشفوا عورات الفساد المستشري في مختلف أجهزة الدولة دون أن يمنوا النفس بمردود إيجابي ينعكس على الواقع المعاش سواء بإزالة فاسد أو بإغاثة مواطن مكلوم، وطالما قدم المثقفون والمفكرون والسياسيون من مختلف المشارب آراءهم واقتراحاتهم الداعية إلى بناء دولة المؤسسات وإرساء مداميك المجتمع المدني، إلا أن هده المحاولات قد صدّت على جدار الحكم الصالحي، إما بالمحاربة والتهميش لدعاة التغيير أو بإغراء ما تبقى من الطبقة المثقفة بالمناصب والمناقب بغية جرها نحو تلميع وتجميل وجه عهده الفوضوي . ربما أدرك الرئيس طوال فترة حكمه أساليب المراوغة على مختلف القوى القبلية والعسكرية والدينية إذ سخرها للحفاظ على كرسي الحكم، وربما نجح في تقويض قوى الأحزاب السياسية المعارضة عبر تفريخها وجر زعامتها إلى حظيرته, وربما نجا مما يدعيه من مؤامرات خارجية وقوى دخيلة حاولت الفتك بنظامه, وربما وصل به الحال إلى أن يرى معارضيه كمجرد كروت استخدمها عند الحاجة , وربما ظن أنه لن يهزم وأيقن بأنه الراقص الماهر الذي استطاع بدهائه أن يزيل سموم الثعابين ويتفادى لدغتها, وربما استطاع النظام تغييب قدرات الشباب عبر النظر إليهم بعين الدونية والاستخفاف بحقوقهم وأمانيهم المشروعة، خصوصاً حين يقارنهم ببقية القوى المسلحة التي استطاع مجابهتها والانتصار عليها.
لكن الذي لم يدر بخلد النظام أن تكون نهاية حكمه على يد هده الفئة المسالمة (الشباب) وبسلاح الكلمة والحرف وبمداد الأقلام المتوهجة والمفعمة بالروح الوطنية وبالأصوات والحناجر الهاتفة للتغيير، فضلاًَ أن كل الأساليب التي سبق أن استخدمها النظام قد أبطلت مفعولها الصدور العارية حين تواجه رصاصة القنص.
ربما لازال النظام لا يدرك حقائق وشواهد التاريخ، وكيف أن الشعوب لا تتراجع وأن الحكام مصيرهم الزوال, وربما لا يدرك أيضا أن الأقلام في كثير من المعارك أسقطت السيوف وبأن القوة السلمية كانت ولا تزال الأكثر فاعلية في تفكيك الظلم والجور من المواجهات المسلحة، وبأن شباب الثورة المتحصن بثقافة الحرية والتغيير هو القادر على محاصرة ظلمه واستبداده وإسقاط رموز نظامه. لكننا على يقين أننا على موعد قريب للوصول إلى بر الأمان، وما علينا إلا التحلي بالصبر والتأني وضبط النفس وعدم الانسياق وراء رد الفعل، لأن الظالمين والمستبدين قد يحرجوننا ويستفزوننا ليخرجونا من سلمية الثورة فينكلوا بنا، وعليه فإن الصبر والمصابرة وامتلاك النفس سيعجّل بزوال الظالمين. وختامها سلمية .. سلمية .. سلمية .. سلمية