بين الحين والآخر أكتب عن نفس المعنى لثقتي بأنه يحتاج إلى (غرس) في قلوبنا؛ لأن ثماره ستكون بإذن الله رائعة؛ ولذلك أحب هذا المقال وأحب أن أنشره مرات ومرات. لننظر معا للأمر ودعني أقول لك: عندك اختياران يلازمانك دائما. أن تكون مسلما لكل الوقت، أو تكون مسلما لبعض الوقت..(بارت تايم) كما نسميه في أعمالنا.
في حالة كونك مسلما لكل الوقت عليك أن (تفهم) جيدا أن هذا الدين ليس دين الكسالى، ولا المتواكلين، بل دين العمل والسعي والبناء والنهضة، وفي حالة اخترت أن تكون مسلما (بارت تايم) فعليك أن تعلم جيدا أنك قد تضحك على الناس بعض الوقت (بارت تايم) ولكنك لن تضحك عليهم كل الوقت (أل ذا تايم) كما أنك لن تضحك على المولى عز وجل أبدا (never)!!
المشكلة التي تواجهني منذ فترة في زياراتي المتكررة لعدة بلاد عربية أن نموذج المسلم البارت تايم أصبح منتشرا بكثرة، فالبعض يفهم التدين والالتزام على أنه الانقطاع على العبادة دون النظر إلى تعطيل العمل أو تعطيل مصالح الناس، وللأسف الشديد يكثر ذلك في رمضان، وكأن الصيام هو الكسل، على الرغم من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعاذ من الكسل في دعائه الشهير: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل». يقول الصحابة: كان النبي يكثر من هذا الدعاء.
لكن هل تعلم يا صانع ويا موظف ويا صاحب الشركة متى قال النبي هذا الحديث؟ كان النبي داخلا المسجد فرأى سيدنا أبو أمامة يجلس في المسجد في غير وقت الصلاة، فغضب النبي..
فلو تجولنا في شوارعنا الساعة 12 ظهرا سنجد الشوارع مزدحمة بالموظفين الذين يتهربون من أماكن عملهم في أوقات الدوام الرسمي، ولكن لو ذهبت إلى أوروبا وتجولت في الشوارع في نفس الوقت ستجد الشوارع خالية، فلو سألت ستعرف بأن الموظفين في أماكن عملهم..
نعود إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم. وكان أن غضب عندما رأى أبو أمامة في المسجد فقال: ما يجلسك يا أبا أمامة..
فقال: يا رسول الله ديون وهموم.. (عاطل عن العمل)، فكان أن علمه النبي هذا الدعاء الذي ذكرناه، وكان يقصد من تعليمه هذا الدعاء أن يتعوذ من الكسل على الرغم من أنه موجود في أطهر الأماكن وفي بيت الله.
المشكلة الآن أن هناك بعض من يريدون أن يقننوا (الكسل)، فيتذكرون أنهم مسلمون في أوقات احتياج الناس لأعمالهم، وينسون ذلك في باقي الأوقات، والمشكلة الأكبر أنهم لا يدركون أن الإيمان مقرون بالعمل (الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، والعمل مقترن بالإتقان والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»، كما أن من إتقان العمل معاونة الناس على قضاء حوائجهم..يقول النبي: «كان الله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه»، ولهذا لازلت مندهشا من وجود مثل هذه الفئة من المسلمين.
أما أكثر ما يستفزك بالفعل حين تحدث بعضهم عن هذه المعاني هو مكابرة بعضهم واستخدامهم لعبارات محفوظة مثل (يعنى نسيب الصلاة) أو (الصلاة أهم من الشغل) أو (اصبر شوية الصبر جميل)، وكلها عبارات حق يراد بها باطل، وأتحدى البعض أن يقولها يوم مباراة كرة قدم مهمة في الدوري أو الكأس، أو في حالة استعجاله على موعد شخصي يهمه.
المسلمون البارت تايم للأسف الشديد لا يقرءون جيدا، فلو قرءوا لعرفوا أن النبي صلى الله عليه وسلم يشجع على التجارة: «التاجر الصدوق الأمين مع الأنبياء والشهداء والصديقين»، وفي الزراعة يقول النبي: «من زرع زرعا أو غرس غرسا أكل منه بهيمة أو طير أو إنسان غفر له بكل ثمرة تؤكل من هذا الزرع» (حديث رواه البخاري)، وفي الصناعة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من بات كالا من عمل يده بات مغفورا له».. (أي من يبيت ويشكو ألما في يديه بات مغفورًا له) المسلمون البارت تايم لا يعرفون للأسف الشديد أن النبي عندما قابل رجل يده خشنة ومشققة من كثرة العمل راح يقبلها ويقول: تلك يد يحبها الله.
هم حتما لا يعرفون أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت له أرض يزرعها، وكان يتناوب عليها مع رجل من الأنصار، فكان سيدنا عمر يزرع يوما، والأنصاري يوما. فاليوم الذي يزرع سيدنا عمر أرضه، كان الأنصاري يذهب ويستمع إلى أحاديث النبي (فهل نرى التوازن بين العبادة والعمل) وهكذا بالتناوب ثم كل واحد يخبر الثاني بما سمع من النبي، وأيضا بما يتعلق بالأرض التي يزرعونها.
حتى بعد أن أصبح أميرا للمؤمنين كان لعمر بن الخطاب طريقة عجيبة مع المتدينين الذين لم يحسنوا فهم دينهم. كان يذهب إلى المسجد في غير أوقات الصلاة، فإذا وجد من يجلس هناك قال: ما أجلسكم، قالوا جلسنا ندعو الله أن يرزقنا، فما كان من سيدنا عمر إلاّ أن يتناول عصاه ويضربهم ثم قال: لا يقعدن أحدكم في طلب الرزق يقول اللهم ارزقني وهو قاعد هاهنا. إن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة.
المسلمون البارت تايم يحتاجون إما لدعائنا لهم بالهداية. وإما لعصا عمر.