نعم .. ما أجمل جَمعنا وجُمعنا .. فوالله ماشهد الحرم ولا سفوح عرفة مشهداً كمشهدكم .. ولو لم يكن في جمعة اليمن غير هذا التوحد الإنساني، والتلاحم الوجداني الذي يطل علينا كل أسبوع بحلة تفوق في دلالها وجمالها ما تسبقها من جمعة لكفى .. فليمدد صالح في عمر كرسيه كما شاء، وليبق متشبثاً به كما شاء، ولكن ليعلم أن كل يومٍ يمر سيبني به التاريخ على أرض اليمن إنساناً جديداً، وكل ساعة تمضي هي ولادة حب جديد تغمر أطياف هذا المجتمع، وكل لحظة تنقضي هي نشوة حب تنساب بين أطياف هذا الشعب المغلوب على أمره. نعم ما أجمل جُمعنا .. جمعنا فيها بين العبادة لله .. والحب للوطن .. ولنختلف .. ولنتباين .. ولنتحاور .. ولكن ليكن جميع ذلك على قاعدة واحدة يجب أن لا ننجر إلى سواها إنها قاعدة احترام الآخر ورأيه وفكره وثقافته.
إن لغة التخوين، والتفسيق، والتكفير، والاتهامات التي تلقى جزافاً من طرفٍ لآخر هي الداء الذي سيفتك في عضد الوطن وأهله .. لا يمكن لأحد أن يُصادر على الآخرين حقهم في التعبير، أو إبداء رؤيتهم في الوصول إلى الهدف الأوحد والأسمى.
في ثورة اليمن .. برزت بلقيس في ديمقراطيتها الحقيقية، وفي ثورة اليمن .. برزت أروى في حكمتها .. ليس عيباً هذا الامتداد الزمني الذي حصل فيها .. بل ألف شكر وكل الشكر لكل من فيها، ولكل من طاف بقاعها وفيافيها، ألف شكر لصالح الذي راوغ وراوغ حتى أثبت للعالم من غير أن يشعر كيف هي أصالة هذا الشعب المسالم، إنه شعب أبي موسى الأشعري رضي الله عنه من قرأ ذات يوم عند رسول الله قول الله تعالى: (ياأيها الذين ءامنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ) فقال له رسول الله: "هم قومك يا أبا موسى أهل اليمن"، من قال عنهم صلى الله عليه وسلم "هم مني وإلي وإن بعد منهم المربع، ويوشك أن يأتوكم أنصارا أعوانا فآمركم بهم خيرا".
لكم الله يا أهل اليمن .. جفاكم الإعلام، وغدرتكم وسائله، وغادرتكم أبواقه، ووكلكم العالم إلى أنفسكم تصارعون ما تصارعون، وتلاقون ما تلاقون، وأسلمكم إلى جلاديكم ظناً منهم أن قدركم معلق بيد من أجبركم على الرضوخ له، ومع ذلك فقد سطرتم أروع قصة إنسان عاشت على الأرض، ورسمتم أجمل لوحة ثورية لو قيس من استشهد فيها بحجم أيامها لنلتم الصدارة، وشارات التألق والفوز والنجاح والفلاح.
ماهي إلا ساعات في عمر الزمن تزيد قليلاً أو تنقص ولكن الفجر بعدها آت لامحالة ..