أدى الوضع السياسي المتفاقم في اليمن إلى أزمة في المشتقات النفطية، التي اختفت من جميع نقاط البيع الحكومية والخاصة، في مقابل ظهور سوق سوداء لبيع تلك المواد، التي تضاعفت أسعارها بشكل كبير. وقال المواطن علي صعصعة، القاطن في شارع خولان في العاصمة، صنعاء، حيث تباع المشتقات النفطية على شاحنات صغيرة تعود "لنافذين يعملون في معسكرات ويحصلون على مخصصات من مادتي البترول والديزل ويقومون ببيعها في السوق السوداء". ويتحدث صعصعة عن "صعوبة الحياة في ظل اختفاء مشتقات النفط والغاز المنزلي والنتائج المترتبة" قائلا ان الأزمة تفاقمت "خلال الفترة الأخيرة وجعلت غالبية السكان ينزحون عن هذه المدينة البائسة وباقي مدن اليمن الى الريف". وتظهر مركبات نقل على امتداد شارع خولان الرئيسي محملة بمشتقات النفط واسطوانات الغاز، ويتجمع حولها حشود كبيرة من المواطنين لإجراء مفاوضات مع أصحابها للحصول على أسعار تناسب ميزانياتهم. ويصر البائعون على فرض أسعار مرتفعة، ولا يتردد أحدهم في القول بصوت عالٍ "من لا يريد الشراء عليه المشي راجلاً ولا حاجة له لركوب السيارات".
وتسبب ارتفاع أسعار المواد البترولية في ارتفاع حاد في أسعار كل ما يتعلق بوسائل النقل والمواد الاستهلاكية الأخرى. وأصبح المنظر المألوف في شوارع صنعاء وباقي المدن اليمنية، التي أصبحت شبه فارغة من الناس، تجول المسلحين، والميلشيات التابعة لرجال القبائل الذين يحملون أسلحة متنوعة ويرتدون زيا مدنيا. وحذر نائب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الاثنين في اجتماع رسمي لكبار رجال الدولة "من خطورة انعدام المشتقات النفطية لسد احتياجات المستهلكين"، وأمر بضرورة "توفيرها حتى لو اقتضي الأمر استيرادها من الخارج وخاصة للشركات الكبيرة بعدما تعطلت أعمالها". ويصدّر اليمن نحو 300 ألف برميل من النفط الخام يوميا، ولديه مصفاة في عدن بجنوب البلاد وأخرى في مأرب (شمال شرق) لكنهما لا تفيان بالاحتياجات المحلية. واختفت اسطوانة الغاز المنزلي في البدء ووصل سعرها إلى خمسة أضعاف سعرها الرسمي البالغ 1500 ريال، أي ما يعادل نحو 7 دولارات، ليصل إلى خمسة ألاف ريال، أي أكثر من 25 دولاراً. واختفت مادة البترول، ثم تبعتها بها مادة الديزل، الهامة للمزارعين وأصبح مشهد المركبات المنتظمة بالمئات على طول الشوارع أمام محطات الوقود منظرا يوميا اعتياديا في صنعاء، وباقي المدن اليمنية في رحلة البحث عن تلك المواد. واتهمت الحكومة اليمنية أحزاب "اللقاء المشترك" بافتعال هذه الأزمة، وبقطع الطرق، وتفجير أنابيب النفط في محافظة مأرب للتضييق على النظام والتعجيل برحيله. ورفضت أحزاب المعارضة الاتهام الحكومي واعتبرت ان "انعدام مادتي البنزين، والغاز وتصاعد وتيرة انقطاع الكهرباء المبرمج هي أزمات يفتعلها النظام ويحاول استغلالها بهدف ابتزاز المواطنين وحرمان غالبيتهم منها". وعبرت المعارضة عن إدانتها لهذه التصرفات واستمرار الرئيس صالح، ونظامه في اختلاق الأزمات، وتضليل الرأي العام بشأن أسبابها، والمتسببين فيها وتوجيه الاتهامات للآخرين.
ويعزو خبراء اقتصاديون أزمة الوقود في اليمن إلى تراجع إنتاج البلاد من النفط الخام بشكل كبير بعد تفجير أنبوب النفط اثر خلاف بين بعض رجال قبائل من محافظة مأرب مع السلطة. وقامت الحكومة اليمنية بوضع حلول مؤقتة كشراء مادتي البترول والديزل من الدول المجاورة كسلطنة عمان والسعودية التي منحت اليمن نحو 3 مليون طن من البترول. وأعلنت الحكومة كأجراء مؤقت انها ستوزع اسطوانات الغاز عن طريق وجهاء الأحياء في العاصمة صنعاء لسد احتياجات المستهلكين لكنها خطوة لم تنفذ بشكل دقيق. وأكدت قرارات حكومية على ضرورة تعبئة كميات محددة من الوقود في المحطات،فيما قامت بعض المحطات الحكومية والخاصة ببيع كميات محدودة لأصحاب السيارات. وقال نبيل الباشا، احد المترددين على تلك المحطات، إنه لم يسمح له بتعبئة أكثر من 20 لترا في أي من المحطات التي توجه إليها لشراء حاجته من الوقود. وارتفع سعر صفيحة البنزين، سعة 20 ليترا، في السوق السوداء الى نحو 50 دولاراً في حين أن سعرها الرسمي لا يزيد عن 7 دولارات. وتضطر شريحة واسعة لشرائها لان غالبية أعمالهم تعتمد على شراء تلك المادة المهمة. وعن الأماكن التي يتم إحضار هذه المواد منها أكد احد البائعين رافضا ذكر اسمه "انه يتم جلبها من محافظة مأرب عبر طرق وعرة بسبب انقطاع الطرق الرسمية، ومنع دخول السيارات والناس إلى مدينة صنعاء". ويقول بائع آخر أنه يجلب بضاعته من محافظة الحديدة وبالطريقة نفسها، بينما قال ثالث أنه يحضرها من محافظة شبوة ويقوم بدفع رشاوى في الحواجز العسكرية حتى دخوله لصنعاء. وقال المواطن صادق المهدي، أن بعض مواد الوقود تكون مخلوطة بنسب متفاوتة بالماء، وكثيرا ما تحدث مشاحنات بسبب ذلك بين البائعين والمشترين. وقالت منى العاقل إن "سائقي سيارات الأجرة قاموا برفع الأسعار إلى الضعف رغم قلة الازدحام التي كانوا يتعللون بها في السابق". ولم تتوقف النتائج المترتبة على اختفاء هذه المواد الأساسية عند هذا الحد، بل تشعبت بعد أن أغلقت أبواب عدد من المخابز في معظم المحافظات اليمنية لعدم توفر مادة الديزل. وقام بعض أصحاب المخابز برفع سعر الرغيف أو تقليص حجمه لمواجهة ارتفاع سعر هذه المادة التي يتزودون بها من الأسواق السوداء. وانقطعت خدمة المياه العمومية عن كثير من الأحياء والمنازل في الوقت الذي ارتفعت فيه قيمة شراء الماء عبر الصهاريج إلى خمسة أضعاف سعرها المعتاد بسبب اعتماد ها على مادة الديزل. وانتشرت ظاهرة تجول النساء والأطفال في الشوارع وهم يحملون صفائح لتعبئة المياه من الأماكن العمومية أو المساجد أو محطات المياه المختلفة. وارتفعت أسعار المنتجات الغذائية أو اختفت من الأسواق بسبب هذه الأزمة. وزادت أسعار الخضروات والفواكه ولكن بنسب ضئيلة نتيجة لقلة الإقبال عليها ،بالمقابل ارتفعت بعض أسعار المواد الأساسية الدقيق والسكر والأرز وغيرها.كما ارتفعت أسعار الأطعمة والمأكولات المختلفة في عدد كبير من المطاعم.
الصورة لمحطة بيع وقود في صنعاء (تصوير يوسف عجلان، خاصة بالمصدر أونلاين).