لا أدري لماذا تتضارب تصريحات مسؤولينا، سواءً كان ذلك التضارب على الصعيد المحلي أم على الصعيد الخارجي. فتارة تراهم يصرحون أن البلاد تشهد نمواً وتقدماً، ووتيرة الإصلاحات تسير على قدم وساق. وتارة أخرى تراهم يصرَّحون أن البلد مقبل على الانهيار و"الصوملة" مرة بسبب الإرهاب، ومرة أخرى بسبب ضعف موارد الدولة، مع العلم أن كلا السببين غير صحيح. كما أن الكل يعرف أن الفساد المستشري والنهب المنظم للمال العام، وتعطيل مؤسسات الدولة، واللجوء لحكم الفرد الشمولي بأدواته القمعية وأساليبه الوحشية هما السبب الرئيسي في انهيار الدولة وتنامي ظاهرة الإرهاب، فضلاً عن السياسة المبهمة بين النظام القائم والجماعات الإرهابية التي توظفها الدولة لابتزاز المجتمع الدولي، ودول الجوار التي فضحت بعد هروب أكثر من ثلاثين شخصاً من تلك الجماعات من معتقل الأمن السياسي، عبر نفق تحت الأرض يؤدي إلى حمامات أحد المساجد المجاورة. والمضحك في القضية أن نفقاً يتجاوز عشرات المترات تحت الأرض تم حفره بواسطة سكاكين وملاعق الأكل. قصة لا تنطلي على أبسط إنسان فكيف لها أن تنطلي على خبراء دوليين! قبل أيام تناقلت الصحف تصريحاً للسيد وزير التخطيط يحمل في طياته رسالة إلى دول الجوار أولاً، وإلى المجتمع الدولي ثانياً، مفاد تلك الرسالة إذا لم تمنحونا المزيد من المساعدات سوف ننهار. إذا كان العالم تضرر من انهيار الصومال وهم أربعة ملايين فقط، فكيف سيكون الوضع لو انهارت اليمن ذات الكثافة السكانية والتي تتجاوز 24 مليون نسمة وصفهم أنهم رجال أشداء. تصريح الوزير مر مرور الكرام على المواطن اليمني في الداخل، وأظن أن دول الجوار لم تلق له بالاً، واعتبرته مجرد وسيلة للابتزاز. لكن ما أنا متأكد منه أن هذا التصريح لن يمر مرور الكرام على الخبراء الأمريكان، وعلى المختصين بشؤون الشرق الأوسط من المجتمع الأوروبي، فالأمريكان والأوروبيون لا يتركون شيئاً للصدفة. السيد الوزير- للأسف- لا يقرأ الصحف، لذا لم يسمع عن المشروع الأمريكي الذي سرّبته الصحف الأمريكية، وكتب عنه السيد منير الماوري في الصحف المحلية قبل أشهر، ذلك الذي سُمّي باسم "تقسيم اليمن إلى أربع يمنات" والذي يقضي بتأسيس دولتين تطلان على السواحل ومضيق باب المندب، فالمحافظات الجنوبية والوسطى كما يرى الأمريكان صالحة لتأسيس دولتين مدنيتين ديمقراطيتين تقدمان كنموذج للمنطقة، هذا بالإضافة إلى تأمين الشريط الساحلي وممر الملاحة الدولي وهذا هو الأهم. أما بقية اليمن، فقد تركها الأمريكان ل"الفوضى الخلاقة"، لأنها- في نظرهم- سبب عرقلة النظام، وكذا حجر عثرة أمام الديمقراطية وحرية الرأي وسيادة القانون، ويقصد بذلك القبائل في اليمن الأعلى.
كان الأولى بالوزير أن يقدم لدول الجوار والمجتمع الدولي جزءاً من حزمة الإصلاحات التي طلبت من حكومته في مؤتمر المانحين، إصلاحات حقيقة وملموسة، وأنا على يقين أنه سوف يحصل على المزيد من المساعدات ورأسه مرفوع، أما وأنه عاد يستخدم أسلوب الابتزاز.. فو أسفاااه.