تعكس الاغتيالات السياسية في اي بلد حالة الاحتقان والفوضى الذي يعيشه هذا البلد او ذاك وهي نتيجة لانسداد الحوار والتقارب السياسي بين أطراف الحكم ورفض كل طرف للأخر والتعبير عن ذاك الرفض باللجوء الى التصفية الجسدية وما يدخل في إطارها من اعتقالات واعتداءات وتهديد بالقتل ومضايقة واتهامات وشن الحرب الإعلامية لتشويه مكانة الطرف الآخر إعلاميا امام الشعب. اليمن عاشت لسنوات حالة من التصادم والعنف ناتجة عن الخلاف بين الحاكمين وصلت ذروتها في اغتيال أربعة رؤساء في الشطرين الشمالي والجنوبي سابقاً إضافة الى عدد كبير من الناشطين السياسيين والقيادات الحزبية وكانت سنوات ما قبل الوحدة اليمنية هي الفترة الأكثر دموية وعنفاً في تأريخ اليمن، وتراجعت حوادث الاغتيالات السياسية منذ إعادة توحيد الشطرين لكنها لم تخلو تماماً من وقوعها. وخلال السنوات الاخيرة شهدت الحياة السياسية في اليمن عنفا من نوع آخر تمثل بسلسلة الاعتداءات والتهديدات التي تعرض لها السياسيون من حين لآخر خاصة قيادات المعارضة وتزايدت هذه الحوادث اتساقاً مع حالة الاضطراب السياسي وتسيد الخلاف بين السلطة والمعارضة وعدم التوافق بينهما على قضايا سياسية كثيرة لم تحسم بعد، وفيما تنتهي معظم تلك الحوادث بالإدانة والاستنكار بعيدا عن معرفة الجناة الحقيقيون ومن يقف وراءهم إلا ان الإعلام الرسمي يلعب دورا كبيرا في تأجيج مشاعر الكراهية ضد قادة المعارضة من خلال التناول الإعلامي الذي ينشره والذي يصورهم بالمعادين للوطن والجاحدين والانقلابيين الذين يسعون للخراب وتمزيق اوصال اليمن، وهي أوصاف تتكرر وتمتلئ بها الصحف الرسمية من وقت لاخر ممزوجة بعبارات التخوين والتشهير، هذه الاعتداءات تنوعت بين الاعتداء الجسدي المباشر من قبل مجهولين او التهديد والتلويح بالتصفية وكانت العاصمة صنعاء هي ساحة العنف والصراع الأولى.
اليدومي محاولة اغتيال في ربيع ثوري تأتي محاولة الاغتيال التي تعرض لها محمد عبدا لله اليدومي رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح الأربعاء الماضي في العاصمة صنعاء امتدادا لحالات مماثلة تعرض لها سياسيون سابقاً لكنها تعد الأخطر فقد جاءت والبلاد تعيش حدثا ثوريا منذ أشهر ازدادت فيه درجة الاحتقان والتوتر بين منظومة العمل السياسي مما يجعل مؤشر الانفجار قابل للاشتعال في أي لحظة. والاهم من ذلك أنها حاءات بعد اقل من يومين على تصريحات لمسؤلين في الحزب الحاكم والأجهزة الامنية لمحت فيها الى تورط اطراف سياسية في المشترك في محاولة الاغتيال التي تعرض لها صالح في جامع دار الرئاسة الشهر الماضي، وجاء في تلك التصريحات ان الاجهزة الامنية تترصد لهؤلاء الأشخاص ولن يفلتوا من العقاب. فقد قال علي محمد الانسي رئيس جهاز الأمن القومي ومدير مكتب رئاسة الجمهورية في حوار مع صحيفة الميثاق الناطقة باسم المؤتمر الشعبي العام ان «إقدام بعض أحزاب تحالف اللقاء المشترك على تفجير الوضع الأمني في أكثر من محافظة قد فشل فشلا ذريعا بفضل صمود القوات المسلحة والأمن، وعزمها على استئصال شأفة القوى الإرهابية وكل حلفائها». اما عبده الجندي نائب وزير الإعلام فقد قال في مؤتمر صحفي: ان مؤشرات التحقيق في حادث الرئاسة كشفت عن تورط أحد أطراف الأزمة السياسية في الحادثة. ويبدو واضحا ان الأجواء التي سبقت محاولة الاغتيال كانت مليئة بالتعبئة ضد قادة المعارضة تم التنفيس عنها بمحاولة الاغتيال التي جاءت متزامنة مع عملية اغتيال أخرى في عدن استهدفت خبير بريطاني يعمل مديرا لإحدى الشركات الملاحية. توقيت استهداف شخصية سياسية من المعارضة بحجم اليدومي يعكس عدة دلالات في اللحظة الراهنة اولها سعي من يقفون خلف العملية الى إذكاء الصراع الطائفي والمذهبي بين الإصلاح والحوثيين من خلال استهداف اليدومي مستغلين الوضع المتأزم في علاقة الطرفين في محافظة الجوف مما يجر الجانبان الى حرب مذهبية لا تنتهي. أما الدلالة الأخرى فهي محاولة جس نبض الشارع اليمني والنخب السياسية في حال تم الاغتيال الفعلي لأحد قادة المعارضة، ومن المهم الإشارة هنا الى المخطط الذي كشفت عنه في وقت مبكر شخصيات سياسية قريبة من المعارضة يتضمن توجه رسمي للأجهزة الأمنية الرسمية في اغتيال عدد من الشخصيات السياسية في المعارضة على خلفية تأييدها للثورة الشبابية. وقد تكون هناك دلالة أخرى تشير إليها الحادثة وهي إيصال رسالة للتجمع اليمني للإصلاح باعتباره اكبر أحزاب المعارضة وانشطها، وفي الإطار العام فإن الحادثة ربما تكون مؤشرا واضحا عن فترة جديدة للوضع اليمني على غرار الوضع الذي عاشته اليمن قبيل حرب 1994م.
ردود الأفعال في محاولة اغتيال اليدومي اللقاء المشترك أدان الحادثة متهما من اسماهم بقايا النظام العائلي بمحاولة اغتيال رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح الأستاذ محمد عبدالله اليدومي الساعة الثانية ظهر الأربعاء 20/7/2011م، واعتبر المشترك هذا الحادث «محاولة للتصعيد وخلط الأوراق والزج بالوطن في أتون حرب أهلية، تتوهم بقايا عائلة صالح أنها ستمكنهم من البقاء على كرسي الحكم». وحمل المشترك «قيادة الأمن القومي وقائد الحرس الجمهوري وقائد الحرس الخاص، وقائد الأمن المركزي مسئولية هذا الحادث الإجرامي» وحذرهم من «مغبة اللعب بالنار، فالشعب لهم بالمرصاد ولن تثنينا ممارساتهم الإجرامية عن نهج الثورة السلمية التي سوف تطيح بما تبقى من فلولهم وترميهم إلى مزبلة التأريخ». الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح وصفت ما حدث بالعمل الإجرامي ومحاولة آثمة تهدف إلى المزيد من إشعال الفتن، دعت الهيئة العليا أعضاء الإصلاح وكافة أبناء الشعب اليمني الثائر إلى المزيد من اليقظة والحذر وعدم الانجرار إلى ما يهدف إليه بقايا النظام من جر البلاد إلى الفتنة. اما اللجنة التحضيرية للحوار الوطني فقد دانت محاولة الاغتيال واعتبرتها دليل على أن بقايا النظام العائلي مذعورين وفارين من مطاردة الشعب لهم، مؤكدة أن هذه الممارسات الرعناء التي سبق وان لجأ إليها النظام أثبتت فشلها ولم يتبقى منها سوى الصورة الإجرامية البشعة للقائمين عليها والمخططين لها. وحيت اللجنة التحضيرية للحوار الوطني في بلاغ صحفي صادر عنها الدور الوطني الكبير للأستاذ اليدومي وقالت انه سيظل قامة وطنية بحجم اليمن وان استهدافه استهداف للوطن، ودعت كل أبناء اليمن وقوى ثورته الحية لتصعيد الفعل الثوري والاستمرار في مطاردة بقايا النظام العائلي. كما جددت تحضيرية الحوار الوطني دعوتها لمن تبقى من المتخلفين عن ركب الثورة وفي مقدمتهم المنتسبين للقوات المسلحة والأمن إلى سرعة اللحاق بموكب الثورة وإفساد مخططات فلول النظام البائد من خطط إجرامية تستهدف النيل من كافة الوطنيين والانتقام من أبناء الشعب اليمني. وأكدت اللجنة أن الثورة منتصرة ولن يحول دون مسيرتها الظافرة التصرفات الصبيانية الطائشة. وتوالت ردود الفعل الغاضبة والمنددة من المحاولة من مختلف التيارات السياسية والحزبية والقبلية واعلنت بعض القبائل عن استعدادها لحماية الشخصيات السياسية من أي اعتداءات تطالها من قبل نظام صالح.
الموقف الرسمي تخبط وتناقض الحزب الحاكم كان هو الأخر في قائمة المنددين بالحادثة فقد دان حزب المؤتمر الشعبي بشدة حادثة إطلاق الرصاص على سيارة اليدومي، مؤكداً رفضه «لكافة أشكال العنف»، وطالب بإتاحة الفرصة لأجهزة الأمن بالتحقيق في الحادثة وكشف ملابساتها وضبط المتورطين وتقديمهم إلى العدالة، ودعا المؤتمر في بيان نشر على موقعه الإلكتروني أحزاب اللقاء المشترك إلى تشكيل لجنة مشتركة من المؤتمر والمشترك برئاسة رئيس لجنة التهدئة رئيس جهاز الأمن السياسي اللواء غالب القمش للإشراف على التحقيق ورفع تقرير مشترك بالنتائج إلى نائب الرئيس الفريق الركن عبدربه منصور هادي. هذه الإدانة لم تخلو من اللمز السياسي فقد عاب المؤتمر على المشترك اتهامه لمن اسماهم ب«بقايا النظام العائلي» بالوقوف وراء الحادث، متهما المشترك بمحاولة «استغلال الحادثة لأهداف سياسية والدعوة إلى التصعيد» من خلال إصدار اتهامات مسبقة. وقال المؤتمر إنه هذا «أمر يؤكد السعي إلى جر البلاد إلى مزيد من الأزمات والتنصل عن اتفاق التهدئة والمساعي الرامية إلى عودة كافة أطراف العملية السياسية إلى طاولة الحوار».
من بيان المؤتمر يتضح ان المؤتمر أدان كحزب سياسي استهداف شخصية سياسية متحفظا على الصيغة الواردة في بيان المشترك، ولم ينكر بيان المؤتمر الحادثة برمتها واكتفى بجانب الإدانة اتهام المشترك باستغلال الحادثة لأهداف سياسية. لكن الموقف الامني بدا مغاير تماما لموقف الحزب الحاكم فقد انكر تماما الحادثة، ونشر موقع سبتمبر نت تصريحا لمصدر امني مسؤول نفى فيه صحة ما جاء بيان أحزاب اللقاء المشترك عن تعرض رئيس الهيئة العلياء لحزب التجمع اليمني للإصلاح محمد اليدومي لمحاولة اغتيال. وقال المصدر أنه وحسب المعلومات فان مرافقي اليدومي سمعوا إطلاق نار عند مرور سيارة اليدومي من جسر مذبح الكائن أمام بوابة الفرقة الأولى مدرع ومستشفى العلوم والتكنولوجيا.
وأشار المصدر الأمني إلى أن أحزاب اللقاء المشترك التي أصدرت البيان وألقت التهم جزافاً تدرك جيداً من هم الذين يقفون وراء الحادث الذي تفيد معلومات مرافقي اليدومي بأنه وقع في جولة مذبح بالقرب من بوابة الفرقة الأولى عندما قالوا انهم سمعوا إطلاق رصاص في ذلك المكان، غير أن تلك الأحزاب وكما هي عادتها في تزييف الحقائق فقد حاولت تضليل الرأي العام في بيانها الذي تضمن أكاذيب وافتراءات واتهامات لا أساس لها من الصحة.
من الفاعل؟ في كل محاولة اغتيال تتجه الأنظار نحو الجهة المنفذة والمستفيدة ومن يقف خلفها؟ وعادة ما يكون للظرف الزمني وأحداثه عند حدوث المحاولة علاقة كبيرة في تحديد واتهام الجهة المنفذة، فعندما حدثت حادثة جامع الرئاسة توجهت التهم الرسمية الى بيت الأحمر باعتبار الحرب التي كانت دائرة بين الدولة وبيت الأحمر في الحصبة وهو ما كان سائد شعبيا حتى أعلن آل الأحمر نفيهم وبحثت الدولة عن غريم جديد واتضح لاحقا ان اتهام بيت الاحمر بالضلوع في التفجير لم يكن سوا اتهاما ملفقا سوقه النظام مستغلا تلك الحرب. في محاولة اغتيال اليدومي اتهمت البيانات الصادرة عن المجلس الاعلى للقاء المشترك والهيئة العليا للاصلاح واللجنة التحضيرية للحوار الوطني الحرس الجمهوري والامن المركزي والامن القومي وبقايا عائلة صالح بالضلوع في الحادثة والوقوف خلفها. اذا ثبت ضلوع نظام صالح في العملية فاليمن مقبلة على مرحلة جديدة من العنف الدموي الذي يستهدف الشخصيات السياسية المؤثرة، وستكون آخر ورقة صالح لمواجهة الثورة السلمية.
أبرز عمليات الاغتيال السياسي في اليمن اولا قبل الوحدة: قبل توحيد شطري البلاد عرف اليمن سلسلة طويلة من التصفيات الجسدية لقياداته السياسية في الشمال والجنوب من أشهرها اغتيال الرؤساء إبراهيم محمد الحمدي وأحمد حسين الغشمي وسالم ربيع علي. ولم تقتصر عمليات الاغتيال للقيادات اليمنية على الأرض اليمنية بل جرت عمليات اغتيال في ساحات خارجية حيث اغتيل رئيس الوزراء الأسبق القاضي عبد الله الحجري في لندن واغتيل وزير الخارجية الأسبق محمد أحمد النعمان في لبنان ومن قبلهم اغتيال ابو الاحرار الشهيد محمد محمود الزبيري.. غير أن أكبر وأوسع عملية اغتيال تلك التي جرت في 13 يناير/ كانون الثاني 1986 وراح ضحيتها عدد كبير من قيادات الحزب الاشتراكي الحاكم في الجنوب على رأسهم عبد الفتاح إسماعيل وعلي عنتر وعلي شائع هادي وصالح مصلح قاسم وآخرون. ثانيا بعد الوحدة بدأت عمليات الاغتيال التي استهدفت شخصيات سياسية بارزة في اليمن الموحد في مطلع عام 1992 بمحاولة اغتيال عمر الجاوي رئيس حزب التجمع الوحدوي اليمني، ولكن المحاولة أسفرت عن اغتيال الدكتور حسن الحريبي الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الحزب. كما تم اغتيال أمين نعمان عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي في محافظه إب عام 1992. وفي العام نفسه جرت محاولة لم يكتب لها النجاح لاغتيال عبد الواسع سلام وزير العدل وعضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي. وتلت ذلك محاولة اغتيال أخرى فاشلة استهدفت أنيس حسن يحيى عضو المكتب السياسي في منتصف عام 1993. وفي أواخر ذلك العام جرت محاولة فاشلة لاغتيال علي صالح عباد مقبل الأمين العام الحالي للحزب الاشتراكي، وكان عضواً في اللجنة المركزية للحزب في ذلك الوقت. وفي منتصف عام 1993 اغتيل العميد ماجد مرشد عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي.
وسجل تاريخ الاغتيالات السياسية في اليمن كذلك محاولة اغتيال الدكتور ياسين سعيد نعمان رئيس مجلس النواب السابق وعضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي في 1993. وتلتها في صيف العام نفسه محاولة اغتيال حيدر أبو بكر العطّاس رئيس الوزراء في ذلك الوقت، وهو من كبار قادة الحزب الاشتراكي، وقد جرت المحاولة في العاصمة صنعاء . وأخيراً جاء اغتيال الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي جار الله عمر، وهو أرفع مسؤول من الحزب الاشتراكي يتم اغتياله. ثالثا ابرز الشخصيات السياسية المعارضة التي تعرضت لمحاولات اغتيال في السنتين الاخيرة - الدكتور عبدالوهاب محمود الامين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي في صنعاء بتأريخ 26/4/2010م بإطلاق نار على سيارته بشارع حدة. النائب سلطان العتواني الامين العام للتنظيم الوحدوي الناصري والذي تعرض لاعتداء مسلح من قبل مسلحين مجهولين في العاصمة صنعاء نهاية العام 2010م. نائف القانص الناطق الرسمي السابق لاحزاب المشترك وامين العلاقات السياسية بحزب البعث العربي الاشتراكي والذي اختطفته مجموعة مسلحة في يوم 11/1/2009م واعتدت عليه بالضرب وصادرت جميع ممتلكاته الشخصية. عبدالوهاب الانسي الامين العام للتجمع اليمني للاصلاح والذي اوقفته واحتجزته بتأريخ 16/6/2009 قوة امنية تابعة للامن المركزي اثناء توجهه لاجتماع حزبي. ياسين سعيد نعمان امين عام الحزب الاشتراكي اليمني والذي تعرض في مايو 2009م لاعتداء من افراد ينتمون للامن المركزي في صنعاء بعد ملاحقة سيارته لثلاث مرات خلال اسبوعين. حسن زيد رئيس الدائرة السياسية لحزب الحق والذي تعرض لاعتداء من قبل خمسة أشخاص مجهولين في احد شوارع العاصمة صنعاء.