صنعاء.. اعتقال الدكتور العودي ورفيقيه    التوقيع على اتفاقية انشاء معمل للصناعات الجلدية في مديرية بني الحارث    قبائل المنصورية بالحديدة تجدد النفير والجهوزية لإفشال مخططات الأعداء    وبعدين ؟؟    اليوم العالمي للمحاسبة: جامعة العلوم والتكنولوجيا تحتفل بالمحاسبين    قراءة تحليلية لنص "خصي العقول" ل"أحمد سيف حاشد"    الجدران تعرف أسماءنا    التلال بحاجة إلى قيادي بوزن الشرجبي    قرارات حوثية تدمر التعليم.. استبعاد أكثر من ألف معلم من كشوفات نصف الراتب بالحديدة    تمرد إداري ومالي في المهرة يكشف ازدواج الولاءات داخل مجلس القيادة    صحة غزة: ارتفاع الجثامين المستلمة من العدو الإسرائيلي إلى 315    شبوة تحتضن بطولة الفقيد أحمد الجبيلي للمنتخبات للكرة الطائرة .. والمحافظ بن الوزير يؤكد دعم الأنشطة الرياضية الوطنية    موسم العسل في شبوة.. عتق تحتضن مهرجانها السنوي لعسل السدر    أبين.. حادث سير مروع في طريق العرقوب    مليشيا الحوثي تسعى لتأجير حرم مسجد لإنشاء محطة غاز في إب    القائم بأعمال رئيس الوزراء يشارك عرس 1000 خريج من أبناء الشهداء    صنعاء.. إيقاف التعامل مع منشأتَي صرافة    الأرصاد يتوقع أجواء باردة إلى شديدة البرودة على المرتفعات    وزارة الخدمة المدنية توقف مرتبات المتخلفين عن إجراءات المطابقة وتدعو لتصحيح الأوضاع    توتر وتحشيد بين وحدات عسكرية غرب لحج على شحنة أسلحة    تسعة جرحى في حادث مروع بطريق عرقوب شقرة.. فواجع متكررة على الطريق القاتل    صلاح سادس أفضل جناح في العالم 2025    عالم أزهري يحذر: الطلاق ب"الفرانكو" غير معترف به شرعا    سؤال المعنى ...سؤال الحياة    برباعية في سيلتا فيجو.. برشلونة يقبل هدية ريال مدريد    بوادر معركة إيرادات بين حكومة بن بريك والسلطة المحلية بالمهرة    جحش الإخوان ينهب الدعم السعودي ويؤدلج الشارع اليمني    هل يجرؤ مجلس القيادة على مواجهة محافظي مأرب والمهرة؟    الأربعاء القادم.. انطلاق بطولة الشركات في ألعاب كرة الطاولة والبلياردو والبولينغ والبادل    العسكرية الثانية تفضح أكاذيب إعلام حلف بن حبريش الفاسد    إحباط عملية تهريب أسلحة للحوثيين بمدينة نصاب    غارتان أمريكيتان تدمران مخزن أسلحة ومصنع متفجرات ومقتل 7 إرهابيين في شبوة    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    العدو الصهيوني يواصل خروقاته لإتفاق غزة: استمرار الحصار ومنع إدخال الوقود والمستلزمات الطبية    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر اليمني ل 26 سبتمبر : الأزمة الإنسانية في اليمن تتطلب تدخلات عاجلة وفاعلة    الشيخ علي محسن عاصم ل "26 سبتمبر": لن نفرط في دماء الشهداء وسنلاحق المجرمين    الأستاذ علي الكردي رئيس منتدى عدن ل"26سبتمبر": نطالب فخامة الرئيس بإنصاف المظلومين    مرض الفشل الكلوي (27)    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    تيجان المجد    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    عين الوطن الساهرة (1)    الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري تعزّي ضحايا حادث العرقوب وتعلن تشكيل فرق ميدانية لمتابعة التحقيقات والإجراءات اللازمة    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن ومكر السياسة
نشر في المصدر يوم 31 - 07 - 2011

في مقالته المنشورة في صحيفة القدس العربي في 6 يونيو 2009 بعنوان " هذه حقيقة الوحدة... وهذا رأينا"، سعى الكاتب الصحفي والسياسي اليمني، أحمد عمر بن فريد ، إلى طلب التضامن و الدعم العربي مع ما يعرف "بالقضية الجنوبية" في اليمن، ليس بهدف إخراج اليمن من الوضع البائس والمأساوي الذي يوشك أن يعصف به، بل بإدخاله في وضع أكثر بؤسا ومأساوية ، من خلال دعوته الصريحة للعرب إلى دعم انفصال جنوب اليمن عن شماله ، و بالتالي دفع اليمن إلى أتون الحرب الأهلية والتمزق.

فبركة التاريخ:
ولهذا الغرض، غير المنطقي وغير النبيل في مراميه، يختلق الكاتب بن فريد، ويفبرك هوية جديدة لجنوب اليمن، ويحاول أن يسفه موقف القوميين العرب من الوحدة العربية، ويستعين بحكمة جمال عبد الناصر من قضية الوحدة بين مصر وسوريا ، ولكن في غير دلالتها الايجابية، ويرى أن موقف الكتاب العرب ، المدافعين عن وحدة اليمن، يتسم ، حسب تعبيره ، " بكثير من الحماسة وقليل من الموضوعية إزاء ما يحدث في الجنوب "وأن جل مقالاتهم" كانت بعيدة كل البعد عن الواقع وعن حقيقة ما حدث ويحدث هناك. وبالتالي ينبري لدعوتهم لزيارة جنوب اليمن لمعرفة الحقيقة عن قرب، كما يراها هو عن بعد، وليس بالضرورة كما هي قائمة في الواقع الموضوعي. ويشيد بن فريد، وإن بشكل غير مباشر، بديمقراطية الإسرائيليين وتسامحهم تجاه الفلسطينيين في فلسطين المحتلة، قياساً بما يجري في اليمن من ممارسات للسلطة تجاه اليمنيين في جنوب وطنهم، و في الأخير يدعو العرب إلى دعم الانفصال وتمزيق اليمنيين كمخرج للأزمة القائمة في بلادهم.
ولئن كان الكاتب يحمل جواز السفر اليمني، ويعيش حسب ما تشير إليه كتاباته، في مدينة برن السويسرية، كلاجئ سياسي ، منذ فترة قصيرة ، وهو لم يكتسب بعد الجنسية السويسرية ، إلاَّ أنه ينطلق في مقالته المذكورة من هوية وطنية مشوشة غير هويته اليمنية المعروفة، باختلاقه هوية جديدة يسميها "جنوبية" ، انسياقاً وراء أهوائه الانفصالية ، فيرتبك القارئ جراء ذلك، ولا يعلم أن كان الكاتب يقصد جنوب السودان، أم جنوب لبنان، أم غيره ، حتى يدرك من سياق المقالة أن الكاتب يتحدث عن جنوب اليمن ، كل ذلك في محاولة مقصودة ، قائمة على التزييف للتاريخ ، لنسف ومصادرة الهوية الوطنية اليمنية الواحدة للشعب التي رسخها اليمنيون في وعي أبنائهم عبر ثورتهم المجيدة و من خلال كفاحهم العنيد ضد التدخل الأجنبي وعبر مسيرتهم التاريخية الظافرة الممتدة لآلاف السنين.
وفي محاولة لجذب الدعم العربي للمشروع الانفصالي، يسعى الكاتب بحماس منقطع النظير إلى تسفيه القوميين العرب، بسبب نزوعهم إلى وحدة الأمة العربية. إذ يقول "أن هذا المعنى العظيم ( بقصد معنى الوحدة) قد أستغل بطريقة ابتزازية من قبل الكثير من الزعامات والنخب العربية " ، وهو هنا يبدو كما لو أنه يقول أن النخب القومية العربية التي حملت راية المشروع القومي العربي وسعت جاهدة نحو الوحدة ، كانت هي السبب الجوهري لما يعانيه العرب اليوم من تخلف اقتصادي وحضاري شامل، إما أصحاب المشاريع القُطرية وأنصار الفكر غير العقلاني و مروجي الانقسام و الداعيين إلى الإقليمية والضالعين في الفساد والتبعية للقوى الإمبريالية الكبرى و المساهمين الفعليين في غياب العدالة الاجتماعية و انعدام الديمقراطية في عالمنا العربي، ليسوا هم السبب الحقيقي للازمات المتعددة الأوجه التي تعصف بعالمنا العربي اليوم.

توظيف بائس للتاريخ
ولئن كنا نتفهم إعجاب وتعاطف الكاتب مع الأنظمة المحافظة في المنطقة، فإن غير المفهوم وغير المتوقع ، أن يشيد الكاتب بدور القائد العربي الكبير جمال عبد الناصر، غير أن الصورة تنجلي بسرعة للقارئ حينما يدرك أن الكاتب لا يشيد بعبد الناصر بسبب مواقفه الوحدوية العظيمة ، وإسهاماته الرائدة في تحرير الأمة العربية، وخاصة دوره المشهود في تحرير اليمن من النظامين الكهنوتي و الاستعماري، ولكن بسبب رضوخه، مُكرها، لمطالب الانفصاليين في سوريا عام 1961.
الكاتب يوظف مواقف عبد الناصر الوحدوية العظيمة لتحقيق غاياته الانفصالية، إذ من الواضح أن جمال عبد الناصر كان قد ناضل بثبات من أجل وحدة الأمة العربية، وحينما وقعتْ كارثة الانفصال، وجه ناصر في تشرين الأول / أكتوبر 1961 خطاباً تاريخيا إلى الأمة العربية، وكان مما جاء فيه:
"لقد أحسست أنهم يريدونها معركة تقتتل فيها عناصر من أبناء الشعب السوري مع بعضها، معركة تقع فيها الفتنة بين الشعب العربي في سوريا وبين الشعب العربي في مصر، معركة تقع فيها شعوب الأمة العربية في حيرة تتوه بعدها في الظلام. ..... وبناءً على ذلك فلقد أوقفتُ جميع العمليات العسكرية التي كانت قد بدأت لمناصرة الجموع الشعبية الثائرة ضد الحركة الانفصالية في سوريا "
وهنا يتبيَّن لنا إن جمال عبد النصر رضخ لذلك الانفصال المشئوم ، ليس رغبة منه ، وإنما اضطراراً ، بسبب البعد والفواصل الجغرافية بين مصر وسوريا ، و بسبب التأمر العربي والدولي على حركة التحرر الوطني العربية وعلى وحدة القطرين الشقيقين ، وهو انفصال مأساوي ، كانت له نتائج مدمرة على المشروع القومي العربي ،و قد أدانه ،فيما بعد ، جل العرب ، فضلا عن أولئك الذين خططوا له ونفذوه.
لقد قبلّ جمال عبد الناصر بقرار الانفصال ، الذي قامت به عناصر عسكرية سورية متآمرة في 28 أيلول/ سبتمبر 1961 ، في محاولة منه لاستباق الحرب الأهلية المرتقبة في سوريا ، ولمنع تمزيق البلد وتشرذمها بين أنصار الانفصال ودعاة الوحدة هناك ، و بالتالي فأنه موقفه كان وحدوياً في الجوهر.
إما بن فريد وأمثاله ، فأنهم الوجه الآخر ، المأساوي للسلطة القائمة في اليمن، حينما يدعون إلى انفصال الجنوب عن الشمال ويدفعون الوطن إلى الحرب الأهلية ويمهدون الطريق لتمزيقه وتشرذمه خدمة لأهداف مشبوهة .
وبالتالي ليس هناك ما يجمع السلطة أو الداعيين إلى الانفصال بقيم ومبادئ جمال عبد الناصر، فالسلطة القائمة في صنعاء اليوم ، تجسيد ٌ لكل مظاهر الفساد والقبح الذي يعصف بحياتنا ، ودعاة الانفصال ،هم الوجه المأساوي لتلك السلطة ، ماداموا يعملون، بالضد من مبادئ عبد الناصر ، وبالضد من تطلعات شعبنا اليمني ، من خلال دعوتهم الصريحة إلى الانفصال والتحريض عليه، و في الوقت نفسه سعيهم الحثيث إلى توظيف المواقف الوحدوية النبيلة للقادة التاريخيين لأعراض انفصالية بائسة.

تلميع الأنظمة المحافظة
وقد يبدو من التعسف الإشارة هنا إلى أن الكاتب ، وفي محاولة منه للحصول على دعم عربي سخي لمشروعه الانفصالي ، يحاول تلميع الأنظمة العربية المحافظة، المرتبطة بالمشروع الإمبريالي والصهيوني، التي تآمرت على المشروع القومي العربي ، فضلا عن تآمرها على الشعب اليمني وعلى ثورتي سبتمبر وأكتوبر اليمنيتين المجيدتين ، وما برحت تتآمر على اليمن و على وحدته، وعلى تطلعات الأمة العربية في التحرر من المشروع الصهيوني والامبريالي ، والسعي الدءوب نحو مشروع قومي عربي ديمقراطي تقدمي في المنطقة، غير أن مناشدة الكاتب للقيادة السعودية، المنشورة ، في موقع "السياسي برس" في 4 يونيو 2009، التي يدعو من خلالها " مقام صقر العروبة خادم الحرمين الشريفين" ، إلى دعم مشروعة الانفصالي ، تجلي الأمر كثيراً، وتسقط عنا تهمة التعسف وتكشف عن نوايا الكاتب الحقيقية ، وعن ما هو أبعد من مجرد طلب الدعم العربي لانفصال جنوب اليمن عن شماله.
وليس لنا ، بالطبع ، أي اعتراض في أن يرى الكاتب في شخصية الملك عبد الله بن عبد العزيز تجسيداً لكل " سمات النخوة ، والشهامة العربية الأصيلة التي تكتنزها شخصيته الكريمة" سواء بسبب استضافتها للرئيس علي عبد الله وطاقمه السياسي في " زمن المد الثوري الصاعد" ، أم بسبب استضافتها له ( أي بن فريد) " "في زمن المد الشيوعي البائد" ، حينما كان الكاتب يقيم في المملكة ، حيت يؤكد أنها " لم تبخل" عليه بالدعم " حتى يومنا هذا" ، غير أن اعتراضنا هو على ذلك التعالي العنصري المقيت والمتهافت ، الذي يفصح عنه الكاتب حينما يقول أن أبناء الجنوب اليمني المقيمين بالسعودية هم " الأكثر نظافة .... مقارنة ببقية الشعوب الأخرى “ وهو هنا يقصد بقية اليمنيين والعرب، وغير العرب الذين يعملون ويقيمون في المملكة العربية السعودية.
ولعل الكاتب لا يعرف أنه لو قال مثل هذا الكلام في سويسرا، التي يقيم فيها، لأصبح عُرضة للمسائلة القانونية، باعتبار ما قاله جنوح صريح نحو العنصرية، ضد غير " الجنوبيين". و بدون تواضع زائف، يمكننا القول أن شعبنا في شطري اليمن، شعب كريم وحضاري وأبيٌّ، إلاّ أنه لا يمتلك خصائص بشرية فائقة تجعله " الأكثر نظافة... مقارنة ببقية الشعوب الأخرى"، كما يزعم الأخ أحمد عمر بن فريد.

تهافت بائس
الأدهى من ذلك أن الكاتب ، وبعد هذه المقدمة المتهافتة ، التي تضمنتها مناشدته لجلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز ، ينبري لنقد الوحدة اليمنية، وليس نقد النظام السياسي اليمني الفاسد، الحاكم زيفاَ باسم الوحدة، كما تفعل جل قوى المعارضة الوطنية اليمنية ، بما ذلك أجنحة مهمة في المؤتمر الشعبي الحاكم و بعض القطاعات المستنيرة في الحراك السياسي في المحافظات اليمنية الجنوبية.
كما أن الكاتب يتحدث عن رد فعل السلطة تجاه الاحتجاجات السلمية، أو بالأحرى الدعوة إلى الانفصال، معزيا قمع السلطة لها بأنه ناتج عن " الحقد الدفين والنزعة العنصرية المقيتة" كما لو أن الصراع القائم في اليمن شبيه بالصراع الذي كان قائماً في جنوب أفريقيا في أواخر القرن الماضي، بين الأقلية البيضاء والأغلبية السوداء، إبان عهد الابارثيد ، apartheid ( الفصل العنصري) ، وليس صراعا اجتماعيا و سياسياً ، في إطار شعب واحد، من أصل عرقي وديني وثقافي واحد ، يتطلع إلى العدالة والديمقراطية، مثل غيره من الشعوب العربية ، وبين سلطة سياسية فاسدة ، معادية لطموح الشعب وتطلعاته المشروعة في التقدم .
ويبدو أن بن فريد غير مدرك أن وحدة الشعب اليمني وتضافر طاقاته الوطنية ، تشكل شرطاً جوهرياً لإسقاط سلطة الفساد القائمة ، وأن الدعوة إلى الانفصال وتمزيق الشعب ، بحجة فساد السلطة ، لا يمكن ألاَّ أن يخدم سلطة الفساد والفوضوية ويضفي شرعية على ممارساتها الإجرامية ضد الشعب وقوى المعارضة الوطنية ، وبالتالي يسهم في استمرارها وإدامة سيطرتها على مقدرات الشعب اليمني.
على أن ما يثير الريبة في طرح الأخ بن فريد ، هو أنه وبعد الإشادة " براية التوحيد التي تلازمت مع بناء الدولة السعودية " و توسله للدعم منها لمشروعه الانفصالي ، يؤكد ، وبدون مناسبة أو مواربة " أن ثقافة أبناء الجنوب وأخلاقهم الحميدة ، تنسجم بالمطلق مع عادات أبناء المملكة العربية السعودية وتقاليدهم" ، بما يوحي أن ثقافة أبناء الجنوب اليمني ، لا تنسجم مع ثقافة أشقائهم في الشمال اليمني، فيعطي بذلك انطباعاً قوياً أنه لا يسعى إلى مجرد الحصول على الدعم من المملكة العربية السعودية لمشروعه الانفصالي البائس ، فحسب وإنما يسعى إلى الوحدة والاندماج معها ، هرباً من " الحقد الدفين والنزعة العنصرية المقيتة" ، حسب تعبيره ، التي تمارسها السلطة اليمنية ، وهو بذلك يكون انفصالياً على الصعيد القطري ووحدوياً على الصعيد القومي ، وهذا أمر وأن كان مقبولاً ، كونه جزء من توجهنا القومي ، إلا أنه لا يستقيم منطقياً في الوقت الحاضر، لأن تلك الوحدة ستكون على طريقة محمد علي الإدريسي التي تمت بينه الملك سعود ، وترتب عليها ضياع أجزاء واسعة من اليمن الكبرى عام 1934.
ربما أن السيد أحمد بن فريد عاش الجزء الأغلب من حياته في المملكة العربية السعودية ، وجزء أقل في جنوب اليمن ، والجزء الأقل في الشمال أو أنه لم يعش في شمال اليمن البتة ، إذا استثناء الأشهر القليلة التي أمضاها سجينا في الأمن السياسي في صنعاء مع باعوم و يحيى غالب وغيرهما من قادة الحراك ، وتصور أن كل أشقائه في الشمال يشبهون غالب القمش وعمار محمد عبد الله صالح ، وطارق محمد عبد الله صالح و غيرهم من ضباط الأمن السياسي والقومي، وبالتالي فهو وإن كان ملماً بثقافة الأشقاء في المملكة العربية السعودية ، فأنه لا يعرف بحق ثقافة وتقاليد أبناء الجنوب اليمني ، فضلا عن تقاليد أشقائهم الشماليين ، ومع ذلك فأننا سعداء باكتشافه الفذ أن" ثقافة أبناء الجنوب اليمني تنسجم بالمطلق مع عادات أشقائهم من أبناء المملكة، وليس مع عادات أبناء سويسرا التي وفد للاستقرار فيها مؤخرا.
ولئن كانت هذه المشاعر الطافحة بالحب من قبل بن فريد تجاه المملكة مفهومة ، بسبب استضافتها ودعمها له ، منذ "العهد الشيوعي البائد حتى اليوم" ، كما قال ،فأن المؤشرات تدل على أن نظام المملكة السعودية وأن كان يبادل بن فريد حباً بحب ، لأسباب هو يعرفها ، فمن الواضح أن حب النظام السعودي الذي أحتوى بن فريد ، لم يتسع ليشمل الشعب اليمني أو حتى جزء منه ، و بالتالي فأن الدلائل تشير أن النظام السعودي لا يرغب حتى في تعميق الروابط الأخوية بالشعب اليمني ، ناهيك عن الوحدة معه.

السعودية واليمن
فعلى امتداد أكثر من تسعين عاما ، ومنذ استقلال شمال اليمن عن الدولة العثمانية في عام 1918 ، والنظام السعودي ، لم يترك اليمن وشأنه ، ففي مطلع الثلاثينات من القرن المنصرم ، تحالف النظام السعودي مع المستعمر البريطاني في الجنوب وأقتطع ثلاثة مناطق يمنية واسعة في المناطق الشمالية ، هي جيزان ونجران وعسير في عام 1934 ، وفي مطلع الستينات من القرن الماضي قام النظام في المملكة السعودية بالتأمر على ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين ، فقد م الدعم السخي ، للملكيين المناوئين لثورة 26 سبتمبر عام 1962 ، وجلب المرتزقة من كل أصقاع الأرض لوأد الثورة اليمنية ، وتحالف مع الاستعمار البريطاني الجاثم على جنوب الوطن لخنق الثورة في الشمال وإخماد الثورة التحررية في الجنوب ، و حينما انتصرت الثورة في الجنوب وأُجليَ المستعمرون البريطانيون من هناك في 30 نوفمبر 1967، كان النظام في السعودية قد نجح في إسقاط السلطة التقدمية في الشمال في 5 نوفمبر 1967 ، فوظفت السلطة الرجعية في صنعاء ضد السلطة الثورية في الجنوب ، مستعينة بالمرتزقة من السلاطين وأزلامهم ،عقب هروبهم إليها بعد الاستقلال ، حيث أغدقت عليهم العطايا و المساعدات ، وقدمت لهم الدعم والإسناد لضرب الثورة التقدمية الظافرة في الجنوب ، وفي السبعينات قامت السلطة السعودية باستقطاع أراضي يمنية واسعة في منطقتي الوديعة والشرورة ، مستعينة بحلفائها من اليمنيين وغيرهم من المرتزقة . كما لعبت دوراً غادراً في التخلص وأبعاد الزعماء اليمنيين ، ذوي الميول القومية ، من سدة الحكم، أمثال الرئيس القاضي عبد الرحمن الأرياني و رئيس الوزراء السيد محسن العيني ، أو تصفية القائد الوطني إبراهيم الحمدي ، وشجعت ودعمت مراكز القوى القبلية في شمال الشمال ، وجعلت الدولة رهناً لمراكز القوى القبلية ، وبالتالي أضعفت بناء الدولة nation-building، ودفعت بالحروب الدائمة بين شطري الوطن ، وفي أطار كل شطر منذ بدء الثورة عام 1962 وحتى قيام الوحدة في 22 مايو عام 1990 وحتى 1990 ، بكل ما ترتب على ذلك من ضحايا بشرية ومن دمار اقتصادي واجتماعي وسياسي هائل على اليمن بجزئية الشمالي والجنوبي.
وفي مطلع التسعينيات ، وعقب قيام الوحدة اليمنية ، قامت القيادة السعودية ، دون أن" تردعها "النخوة أو الشهامة العربية الأصيلة التي تكتنزها " ، حسب تعبير بن فريد ، بطرد حوالي مليون ونصف يمني من أراضيها ، دون تفريق بين يمني شمالي ويمني جنوبي ، ( لم يكن بن فريد واحد منهم بالطبع ) ودون تعويض ، ودون مراعاة لحقوقهم ، ودون اعتبار للقانون الدولي ، ودون اعتبار للروابط الأخوية بين الشعبين الشقيقين ودون احترام للدور التاريخي لليمنيين في المساهمة في بناء المملكة منذ الثلاثينيات من القرن الماضي. وكان الهدف من ذلك واضحا وهو تفجير اليمن من الداخل وإفشال وحدته السياسية. و هذا ما حدث ، بالضبط ، خلال حرب 1994 بين النخبتين اليمنيتين ، حيث قامت السعودية باستغلال ماكر للوضع القائم في اليمن، سواء من خلال دعمها الواضح للمشروع الانفصالي واحتضناها دعاته عقب الحرب وتقديم الدعم والمساندة لهم ، أو من خلال ضغطها الواضح على النظام الغبي في صنعاء ، وبشكل ابتزازي ، لكي يقدم لها تنازلات هائلة على أجزاء واسعة من الأراضي اليمنية في الحدود الشمالية والشرقية من اليمن. وعلى الرغم من أن اليمن مكوناً أساسياً من مكونات الجزيرة العربية، ألا أنه حتى اليوم مازال يقبع حزينا خارج مجلس التعاون الخليجي ، كأنه ينتمي إلى قارة أخرى ، بسبب معارضة انضمامه من قبل السعودية والكويت وغيرهما من دول مجلس التعاون الخليجي.
إن الشعب اليمني، مثل غيره من شعوب العالم ، شعب صبور، وكريم ومكافح ويقدِّر مشاعر الأخوة ويحترم الروابط الإنسانية و هو تواق للوحدة العربية ولكنه شعب لا يرضي بالضيم ولا يفرط بكرامته ، ناهيك عن مكتسباته الثورية ووحدته الوطنية ، لقاء بعض المساعدات المشبوهة التي يمكن أن تعطي له بين وقت وآخر.

إستغباء العرب والإعجاب بإسرائيل.
ربما أن كلام بن فريد ،المتسم بالحيرة والارتباك ، و هو الذي لا يخلو من مكر ، يجد بعض الصدى لدى بعض الأوساط المحافظة في المنطقة العربية ، ولدى أعداء الأمة العربية ، الذين يتربصون باليمن ويخشون وحدته ، ولكنه لن يجد قبولاً لدي معظم العرب الشرفاء ، ولاسيما القوميين منهم ، وبالتالي فأنه يستغبي العرب حينما يتوقع منهم أن يقفوا ضد مبادئهم القومية الوحدوية ، باستجداء الدعم منهم ، وبطريقة ماكرة من أجل تحقيق مشروعه الانفصالي البائس.
واضح أن الكاتب يرى في إعادة انفصال اليمن ، واستمرار تجزئة العالم العربي وتشرذمه ، هدف عظيم له ، وهذا شأنه ، ولكن أهداف الكاتب لا تصب بالضرورة في مجرى أهداف اليمنيين والشرفاء من أبناء الأمة العربية.
أننا نرى من واقع التجربة التاريخية أن تجزئة وتشرذم اليمن والأمة العربية أضعف و يضعف الأمة العربية في الصميم و خدم ويخدم مصالح أعداءها . غير أن الكاتب يرى غير ذلك، ويرى في انفصال جنوب اليمن عن شماله مخرجاً ناجعا من الأزمة القائمة وأفقاً جديداً للتطور، وبالتالي فأن الكاتب، لا تعنيه النتائج التي أسفر عنه الانفصال بين مصر وسوريا ، فضلا عن أوضاع التجزئة في الوطن العربي وما ترتب عليها من نتائج على الأوضاع في المنطقة العربية.
إن اليمن ليست مصر وسوريا ، إذ ليس هناك فواصل جغرافية بين أجزاءه، وهو كيان جغرافي وتاريخي وديني ولغوي وعرقي واحد منذ القِدم، والقبائل والأسر اليمنية متداخلة وموزعة بين شطري الوطن، وهو شعب واحد منذ بدأ التاريخ ، بصرف النظر عن طبيعة الأوضاع السياسية التي كانت سائدة قبل أو عقب 22مايو 1990، وسيبقى كذلك حتى نهاية الدنيا، وبصرف النظر عن طبيعة الوحدة السياسية القائمة اليوم وبالتحديد عقب حرب 1994 ، فوحدة الوطن ليست عرضة للأهواء ، إذ ليس هناك من قوة في الأرض قادرة على فصم عرى الروابط التاريخية بين أبناء الشعب اليمني الواحد.
على أن ما لفت أنباهي أكثر من غيره في مقال أحمد عمر بن فريد الإشكالي ، هو إشادة الكاتب بديمقراطية إسرائيل الرحيمة بالفلسطينيين ، كما يزعم ، التي " لا تجلدهم ولا تضربهم، بأعقاب البنادق حتى الموت" ، على حد تعبيره، كما يعمل نظام صنعاء، وإنما تدمر بيوتهم على رأس ساكنيها من الأطفال والنساء والشيوخ ، ثم تشويهم و تحرقهم تحت أنقاضها بالفسفور الأبيض.
لاشك أن الإسرائيليين سينظرون إلى تصريحات بن فريد باهتمام وبإعجاب كبير، كما سبق لهم أن تابعوا باهتمام الأحداث في دارفور، ونحن إذ نتفهم تعاطف بن فريد مع المملكة العربية السعودية ، فأننا لا نظن أن إعجابه بالديمقراطية الإسرائيلية سيدفعه للإستقواء بالعدو الإسرائيلي ضد وطنه اليمن، كما فعل عبد الواحد محمد نور رئيس حركة تحرير السودان.
اليمنيون والعرب الأحرار لا يدعمون السلطة الفاسدة بقيادة علي عبد الله صالح، وإنما يدعمون وحدة اليمن والأمة العربية، وأمثال بن فريد هم الذين يدعمون السلطة، بشكل غير مباشر، بجعل رأس النظام يبدو كأنه نسخة من جمال عبد الناصر و المدافع الوحيد عن وحدة الوطن، وهو الانفصالي بامتياز.
في الأخير واضح أن بن فريد لن يجد من يقدم الدعم لمشروعه الانفصالي سوى العدو الصهيوني ، فهل سيلتحق بعبد النور ، قائد أحد الفصائل الدارفورية ، لطلب الدعم من إسرائيل ، آمل أن لا يتم ذلك وأن لا يقع بن فريد في هاوية الخيانة كما وقع في هاوية المكر السياسي.

المصدر أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.