بالنسبة لصالح، لا يحتاج البلد سوى لعسكري، يجهد في مطاردة عناصر القاعدة، هذا ما يرد به على جموع الأجيال التي خرجت تبحث عن عصر جديد. بكل لغات العالم، ولهجات اليمن، تحدثت حشود المعتصمين، لإفهام صالح أن زمنا جديدا يخيم معهم في الساحات، بعد أن حمل زمن صالح عصا الترحال صوب الزمن الشائخ. يتفنن الشباب في رسائلهم، يعصرون أذهانهم، ليبلوروا مطالب الرحيل، بما يتوافق ومدارك الرجل، الذي لم يمتهن سوى البندقية، مهنة وهواية وأسلوب حوار. المستقبل يقف هناك مع الشباب ، الذين أصروا على اصطحابه صوب دار الرئاسة ، لإخراج اليمن من دهاليز واق الواق، الذي ينافح صالح لتأبيد البلاد فيه. عصف المستقبل بجيل الكهول في كرسي الحكم المتخشبة، ويقف التاريخ القرفصاء ، ليفتح صفحة جديدة في مسار الزمن العربي ، بينما يحاول هو إبقاء الصفحة كما هي .. فهاهو صالح يبدو من بين الحرائق، منهكا مصمما على الرجوع ، "لإكمال المسيرة"، يكافح في عزم بطل، لتحقيق مشروعه التاريخي، هذا ما ينضح به إعلامه، لم يكفه ما حل به وبالوطن ، يطل كما الماضي الأسود، الذي تنفسنا الصعداء برحيله . يتحدث بما لا علاقة له بالحصاد الكارثي الذي خلفه واخرج الشعب إلى الساحات ، لا يرى صالح البؤس والفقر والفساد والعبث ، ولا متطلبات المرحلة وحاجة اليمن إلى عصر جديد وفكر جديد وجيل جديد ، ينسى الأمور التي يعتقد هو أنه أجرم بها في حق الوطن وطلب ضمانة لعدم مساءلته عليها . نحن ندلف صوب العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين ، والرجل الذي حكم على حين غرة ، يصر على انه هو لا غيره، من يمكنه استيعاب عصر العولمة . عصر التقانة الذي تتردد أمامه كفاءات جامعية، في كونهم لا زالوا بحاجة لتأهيل ليسايروا العصر الذي يسبقهم، يقف صاحبنا أمامه بمؤهل الكتاتيب ، شامخا بجهله الممتلئ حتى الثمالة ، يقدم نفسه رجلا لكل العصور ، لقد أسلمه نكد الزمان مقاليد اليمن فطار تيها وعربد ، يحمل ثقة لا ندري من أين تأتيه بأنه قدر اليمن ، يوجه النصائح للعالم بان يقف معه ضد مطالب التغيير ، التي حملتها أدوات العصر وأجياله الجديدة . كيف يمكن إفهام صالح ، بان عصر الشعوب الذي تأخر على الوطن العربي قد وصل؟، ثمة عالم حر وديمقراطي في أوروبا ، يعيش عصر الدولة المدنية وسيادة القانون ، منذ زمن الثورات التحررية ، وهاهي مخاضات هذا العصر، تقف أمام صالح، بعد ان عصفت بنظامين قبله. هذا العالم ، الذي ظل لزمن ينظر بعين الاستغراب ، لبقائنا خارج إطار الزمن والعصر، هو ذا يبارك اتجاهنا على مسار المستقبل بعد طول سبات .. بينما يقف صالح أمام الشعب والثورة وصيرورة التاريخ والعصر، يتزلزل نظامه ثم هو يؤكد قدرته على هزيمة الحياة والتطور والتاريخ. تغير الزمان والعالم والأسماء والمصطلحات ، وغيرت شعوب كثيرة في العقدين الماضيين أنظمتها السائرة خارج ركب العصر ، ويرغب صالح في إبقائنا كرقعة داكنة في خارطة العالم الحي ، لا نمت اليه سوى بالوجود الجامد على الخريطة . لدى غيابه استبشرنا بالقدَر، الذي أعانه على تنفيذ الشرط الأصعب، في المبادرة الخليجية . البسطاء، على الأقل، ممن لا يمتهنون السياسة، كانوا يرون رحيله حلا سماويا للأزمة، أما وقد أعلن عودته، فقد علقت أمي على عودة الرئيس بقولها: "يا لطيف من رجعته، كنا قبل ما «يتمرأس» نشتري كل شي بالكرتون، والآن بفضله لا نستطيع الشراء بالحبة، إلى أين راجع يوصلنا"؟.