إذا كنت يمنيا فعليك أن لا تشتكي من الظلم والاضطهاد والغلاء والفقر والتجويع، والإستبداد والفساد التي تمارسه الأسرة الحاكمة، عليك أن تصمت، فالصمت صبر والصبر عبادة وممارسة هذه العبادة ربما تمنحك دار في جنة الله بعد أن سيطر الوارثون باسمه على أرضه. الحقيقة على الأرض في اليمن ان أغلبية مطلقة من الشعب تثور على نظام صالح وأسرته الفاسد، وهذه الأغلبية تشتمل كافة أطياف وشرائح وأحزاب المجتمع اليمني، فكلهم في الهم سواء من ظلم آل صالح، بينما يقف جزءا بسيطا من الشعب الى جانب الديكتاتور مع حثالات المأجورين، الذين لا يتورعون عن استعمال أقصى درجات القمع والعنف وصولا إلى قتل كل من يخالفهم الرأي بدم بارد. والحقيقة ايضا ان هناك دعما خارجيا (ماديا ومعنويا) لنظام صالح، وخصوصا من بعض الإخوان في الخليج الذين بات يخشى حكامها على عروشهم بعد أن اشتعلت ثورة الشعوب على حدودهم من كافة الاتجاهات، ففي الغرب ثورة الشعب المصري المتوجة، وفي الشرق ثورة الشعب البحريني، وفي الشمال ثورة سورية، وها هي ثورة شعب اليمن التي لن تكون نتائجها بالتأكيد أقل من نتائج مثيلاتها في تونس ومصر وليبيا. وأم الحقائق ان هناك تجاهلا دوليا رهيبا يصل إلى مستوى جريمة تقترف في وضح النهار ، وكأنه لا حق لليمنيين بأن يثوروا على حكامهم الفاسدين المجرمين. كانت مطالب شباب اليمن سابقا وقبل هبوب رياح التغيير الشعبي في المنطقة تقتصر على منحهم بعض الحقوق المادية مع هامش إنساني من حرية الرأي والمشاركة في اتخاذ القرار، أما اليوم وبعد كل الدماء التي سفكها النظام، وبعد ما حصل في تونس ومصر وليبيا، فإنهم لن يقبلوا بأقل مما حققته تلك الثورات، أي رحيل النظام وانجاز نظام حكم يتوافق عليه شعب اليمن في ظل دولة لكافة مواطنيها، وليس لأسرة فقط. إذا ليس المطلوب منا كيمنيين اليوم أن ندس رؤوسنا في التراب ونغمض عيوننا ونغلق أفواهنا إلى أبد الآبدين، فلا نرى ولا نسمع ولا نتكلم!! ونحن نرى أعداد الشحاتين المتزايدة والتي أصبحت تناهز أعداد المركبات في الشوارع، وأعداد المصلين في الجوامع، وحيثما ذهبت وأينما حطت بك الرحال لن ترى سوى مؤشرات البؤس والشقاء وعلامات المعاناة والحرمان, حتى صار منظراً مألوفاً رؤية الناس يأكلون ويلبسون من براميل القمامة بدافع الفاقة والعوز!! فوسائل المواصلات سيئة جداً، ولا تصلح لنقل البهائم فضلاً عن البشر، والشوارع تشكو من كثرة الحفر والمطبات والمجاري الطافحة، والبيوت قديمة متهالكة عفا عليها الزمن، والهدوم بالية متسخة أكل وشرب عليها الدهر، والجيوب فارغة إلا من بقايا الإفلاس ومن سندات الديون، والوجوه مغبرة يابسة، والعيون حائرة تائهة، والبطون خاوية تسمع قرقرتها، والأبدان نحيلة هزيلة ترى عروقها، حتى كلمات الناس أصبحت متهدجة غير مفهومة، تتلعثم التمتمات المتقطعة في أفواههم، وترتعش الهمسات الواجفة في خلجاتهم، وتصطلي الزفرات الحارة الحزينة في قلوبهم، وتتهادى آهاتهم المعذبة المختبئة إليك فلا تعلم هل يخاطبونك أم يكلمون أنفسهم!! وهكذا أضحت خُطى الناس متخبطة تائهة تسير على غير هدى، وابتساماتهم باهتة بائسة صفراء لا معنى لها، ولا شيء، لا شيء هنا غير ملامح الحيرة والوجوم، لا شيء يجيده الناس غير الهروب من واقعهم المرير بحثا عن أوهام السعادة المصطنعة التي يجدونها وهم يمضغون أغصان القات في بلاد الإيمان والحكمة، بلاد أنعم الله عليها بالخيرات الزاخرة التي يحسدنا عليها الآخرون، والأراضي الزراعية المعطاءة، والموقع الإستراتيجي الهام، والبترول والغاز والمعادن، والثروة السمكية المتنوعة التي لو استغلت فقط لصرنا من أغنى شعوب العالم، والمدن التاريخية العريقة التي تدهش الزوار، والمناظر السياحية الخلابة التي تسحر العيون، والمدرجات الخضراء التي تخطف الألباب، والجو البديع الذي يأسر القلوب ووو.. ولكن عند من؟ عند من؟ وحقاً (بلدة طيبة ونظام فاسد وشعب عرطة) وآه يا قلبي آه!! من أجل ذلك، ينبغي علينا أن نناضل من أجل حياة كريمة لائقة -كما ناضل آباؤنا وأجدادنا ضد الطغيان والاستعمار والإمامة والكهنوت- علينا أن نسعى –بكل الوسائل السلمية المتاحة- ضد الفساد والإقطاع والبرجوازية، وضد الاستبداد والتسلط والبيروقراطية، وضد النظام الذي فرق الصف وهو يدعوا للوحدة، وفرط بالحرية والكرامة وهو يرتل آيات الديمقراطية، وحول شعبه إلى ذليل فقير حائر تائه متسول مشرد.. نظام عبث بخيرات اليمن وبأرواح اليمنيين وبأمن الوطن واستقراره.. في الوقت الذي يناور فيه الحاكم اليوم تحت طائل من ركام مبادرات هلامية ومراهقات فكرية وشعارات زائفة براقة، تخدر المحرومين وتخدع الموهومين ولا تسمن ولا تغن من جوع، وهو يذرف دموع التماسيح متباكيا على قضايا الأمة وعلى مآلها ومصيرها الأليم!! مهما حاول (مقص الرقيب) النيل منا، مهما علت أبواق السلطة وطبول الحرب، وإن شكك المشككون، وبَهرَر حُمران العيون، يجب أن لا نيأس أو نهزم أو نستسلم أو نستكين.. دفاعا عن حق الشعوب المطلق بالثورة السلمية على طغاتها وجلاديها بهدف الخلاص منهم، الذي لا يجب أن يخضع لحسابات طائفية أو مذهبية أو قومية، وإنما يجب أن يكون أساسه حق الإنسان المقدس بالعيش بحرية وكرامة ومساواة في بلد لا يعلو فيه إلا القانون ولا تُنهب خيراته من قبل عصابة أو عائلة يساندها منتفع أو مرتزق..