آلة الزمن التي لا تنتج لنا الآن إلا مقولات كالأمر الواقع والمفروض ومنطق القوة، آلة الرعب التي لا تتوقف عن نشر الفوضى التي تستبيح دمك ومشاعرك وتؤرق وحدتك وتثير الضجيج أينما وجدتك هادئا متسللة إلى أعماق أعماق رأسك لتصيبك بالجنون، عندها فقط ستكتفي بك مطحوناً مذعنا وأبلهاً لا تدرك شيئاً مما يدور ومما يدار....!! لست من عشاق المؤامرة، ولكنني الآن أشعر بها و أراها...و المؤامرة إما أن تحكم قبضتها عليك..وإما أن تفلت مستطيعاً النجاة.. المحكمة الجنائية الدولية...كنت قبل عام تحديدا أقول لأحدهم لست مع وجود هذه المحكمة وإنشائها من الأساس، كما أني لست مع ذلك الحماس المنقطع النظير للفرح بها وكأنها ستترجم روح العدل وروح الله على الأرض !!قال لي اكتبي عن ذلك ولم أكتب...لم يكن البشير وقتها قد اتهم بارتكابه جرائم أباده بعد، وإن كانت الخيوط قد بدأت تشير لذلك بشكل أو آخر... هذا لا يعني أن مقالي دفاع عن البشير ولكنه رفض للمحكمة الجنائية.. كنت حينها قد قرأت عن المحكمة من هنا ومن هناك مما أكد لي بأن القائمين عليها مجموعة من سماسرة الحروب.. وإن لم يكونوا كذلك فبالتأكيد لهم مصالح أكبر مما يدعون..نعم يا سعادة...وهذه هي صديقتي التي لم تصدق -وهي ممن وقعت مؤيده انضمام بلادنا لتلك المحكمة - أن من يقف وراء الترويج لها هي مساعي ونشاطات وتمويل لمضارب مالي عالمي وتاجر مخدرات يدعى جورج سوروس هو وشريكه وزير الدولة البريطاني لشؤون آسيا و بين قوسين "إفريقيا " اللورد مارك مالوك براون كما تؤكد مجلة أكزكتف أنتلجنس ريفيو الصادرة عن حركة شباب ليندون لاروش المفكر الاقتصادي ورجل السياسة الأمريكي المعروف والتي كانت قد صرحت بأن الممولين الرئيسيين للمحكمة الجنائية الدولية اليوم هم: 1. جورج سوروس، 2. الإمبراطورية البريطانية ممثلة من خلال "وزارة الخارجية والكومنولث" للمملكة المتحدة، 3. الاتحاد الأوربي من خلال "الأداة الأوربية للديمقراطية وحقوق الإنسان. حيث مكاتب المحكمة الجنائية الدولية في عاصمة مملكة هولندا بالتنسيق مع الحكومة الهولندية والتعاون الوثيق مع العائلة الملكية الهولندية. الأميرة مابيل اوف اورنج ناساو)زوجة أبن الملكة بياتركس) وهي موظفة عند سوروس وتدير علاقاته مع الاتحاد الأوربي!! ومما يثير الغرابة أن جورج سوروس، وهو من ينادى بإنشاء المحكمة لأجل اتخاذ أحكام عادله في قضايا الإبادة الجماعية، هو نفسه من كان يعمل مع جهاز المجرم النازي أدولف أيخمان الذي نفذ جريمة الإبادة الجماعية بحق يهود هنجاريا/المجر في عام 1944!! وهناك فلم وثائقي لدى الحركة نفسها حول تلك الحقيقة لمن يريد التأكد. كما أن سوروس يمول ويسيطر بشكل كبير على "التحالف من أجل المحكمة الجنائية الدولية" وهو اللوبي الذي روج لخلق المحكمة الجنائية الدولية والذي يساهم اليوم في نشاطاتها. أما ريتشارد ديكر من مجموعة "هيومان رايتس واتش " التي يملكها سوروس فهو من الأعضاء المؤسسين للتحالف وعضو إدارة دائم فيه.
ويترأس هذا التحالف وليام بايس الذي يشغل منصب المدير التنفيذي لحركة الفدرالية العالمية التي يمولها سوروس أيضا!! وقد كتبت صحيفة الجاريان البريطانية بسخرية في 12 فبراير 2004 عن محاكمة ميلوسوفيتش قائلة: "أعلن ريتشارد ديكر، وهو مراقب المحاكمة بالنيابة عن هيومان رايتس واتش، أنه منبهر ومعجب بمرافعة المدعي في المحكمة. قد يقول بعض المتهكمين أنه طالما أن جورج سوروس، المحسن لهيومان رايتس واتش، هو الذي يمول المحكمة، لا يمكن للمرء أن يتوقع من ديكر غير هذا القول" إن تقارير مؤسسة إكزكتف إنتلجنس ريفيو تصف جورج سوروس بأنه احد أهم أركان تحالف المصالح الاستعمارية الانجلوامريكية مع بعض قوى اليمين العنصري الأوروبي الاستعماري العالمي الذي يعمل تحت لافتات براقة مثل سيادة القانون والشرعية الدولية وتطبيقها عبر آليات مثل المحكمة الجنائية الدولية مستهدفاً الشعوب الفقيرة في إفريقيا والشرق الأوسط وعرقلة تقدم القوى الآسيوية. ومثل هكذا تقارير لا يجب القفز عليها أو الاستهتار بها تحت مبرر جنون المؤامرة الذي قد يصف به أحدهم لاروش وحركته. وبرفضنا مجازاً لجميع تلك الحقائق بما فيها بأن الأول مضارب أو تاجر مخدرات والآخر متخصص في الشؤون" الأفريقية "، وعلى اعتبار بأنهما فقط رجلان شريفان صادقان يرجوان العدالة في الحياة و أحلال السلام على وجه الأرض، سأطرح تساؤلا بريئاً: لماذا أوغندا والكونغو والسودان وليس غزه والعراق وأفغانستان؟ أو حسب تقرير منظمة هيومن رايتس واتش بأن المحكمة منذ أنشائها في 2002 استلمت مالا يقل عن 1700 شكوى من 103بلد عن إبادات وممارسات لا أنسانيه في بقاع شتى في الأرض، ولكن المحكمة الجنائية لم تختر سوى السودان أكبر دول أفريقيا ودارفور متجاهلة بقية الشكاوى!! لم أكن أعلم بأن القرعة هي أحدى أنظمة المحكمة الجنائية في العمل وأن كان جزءاً من نظام عملها فعليها أن تغيره... إنه أضحوكة..!! كما أن سؤالاً آخر يلح علي: من سيحاكم من؟ وكيف؟ أسئلتي أسئلة فطرية تبحث عن إجابة لن يستطيع السيد أوكامبو الأجابه عنها بصدق. لذا سأكتفي بأضعف الأيمان وهو رفع الحاجبين استغراباً بالطريقة المعتادة لمن لا حيلة له سوى التعجب !..
حسناً وبافتراض أن ما يقال عمن يقف وراء هذه المحكمة هو مجرد كذب في كذب ودخان لا نار له كما سبق وتخيلت, وبنظرة مليئة بالواقعية لهذه المحكمة التي لا تظهر لي إلا كالمسيح الذي سيبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى ولكن دونما رغبة من الناس أن يبرؤوا أو أن يعيشوا.. أو المهدي المنتظر الذي سيفعل للشعوب ما كان يجب عليها أن تفعله هي بنفسها، هذا إن لم أقل وبصراحة تامة أنني أرفض رفضاً مبرراً ومنطقياً بالنسبة لي مصطلح سيادة القانون العالمي الذي يجب أن لا يسود أبداً بالنيابة وتحت أي أعذار على سيادة الدول الوطنية لذاتها ومقدراتها وصناعة تاريخها ومستقبلها. إن من يعتقدون أن اصطياد حاكم وجره للمحاكمة واعتقاله وأدانته لا يؤثر في الشعوب الغير مستقرة أساساً ليسوا سوى مجموعة من القادرين على الحديث دون انقطاع عن الشعوب التي لا تموت ولا تنتهي بانتهاء حكامها، متناسين عمداً أو دون قصد منهم أن ما بين الزمنين ستدور لا محالة آلة الحرب بوحشيتها القذرة ممتدة كثيراً أو قليلاً، إلا أنها في كلتا الحالتين ستأخذ معها الكثير من الأرواح والأحلام التي قد لا تهم البعض بقدر أهمية إحقاق العدالة ولو بطريقة مشوهة... ليصعد بعد كل ذلك حاكم جديد لن يختلف كثير هذه عن سابقه باعتبار تغييره حدث لأسباب غير جذرية وبأيادي خارجية ليست على استعداد لأن تمد يد العون كلما كانت هناك شكاوى مقدمة إليها من الشعوب وإنما بناء على أجندة الضرورات الخاصة بها دون سواها..أن تنشأ محكمة جنائية دولية لا بد وأن يكون ذلك وفق قانون دولي لا يطبق على الضعيف دون سواه ولا يستخدم كأداة للقنص وإثارة الحروب...أن تقام محكمه دولية معناه أن تمول من جميع أعضائها بنسب متساوية، وأن تطبق أحكامها على جميع المجرمين دون استثناء أو تناقض، بل أن يمثل أمامها جميع مجرمي الحروب وليس من تم اختيارهم على أسس الملامح والأماكن. ولأن أنشاء مثل هكذا محكمه أمر مثالي للغايه وخيالي جداً...فالواقع يجب أن يترك للشعوب لتقرر هي مصيرها.. على المتحمسين لمثل هذه المحاكم أن يعيدوا النظر أو ليتعمقوا فيها لا أكثر لمعرفة ما ستكرس من معاني جديدة كاستسلام الشعوب لأقدارها وانتظارها لرصاصة الرحمة التي تقتل بقدر ما ترحم من جهات آخرى ليس من أولوياتها العدل بقدر المصالح.. وبقدر كبير من الخطورة ستقاد تلك الدول إلى أقدار لا يجب أن تكون أقدارها و بيد غيرها متجهة إلى إحساس عميق ومتجذر من نقصان السيادة على أراضيها وعدم قدرتها على التغيير أو حتى الثورة..! نأتي إلى ما يحدث من جرائم الحروب إلى الإباده والقهر والاستغلال الذي قد يمارسه الحاكم ليس مجردا وكأنه صاحب الظل الطويل الذي لا ظل بعده !! ونحن نعلم أن الحاكم والكثير ممن حوله يمدونه العون ويوافقونه وبأضعف الإيمان يهتفون له لكل أفعاله ضد أنفسهم، تحركهم مشاعر الذل و المصالح لتحرك في الطرف الثاني قوى الشر الكامنة في أنفسهم وقدرتهم الهائلة على رؤية الكون مجرد وسيلة لرفاهيتهم ورخائهم وإلى الجحيم جميع القيم السامية وأولها صحة وجودهم و طول استغلالهم لأوطانهم.. ولكن تلك قضية أخرى وما يحدث الآن للبشير ولغيره ممن سيحاكمون من محكمة مشكوك بصحة وجودها..ليس سوى مسرحية سامجة تعبر عن خنوع الشعوب أكثر مما تعبر عن قوتها... وعن حقيقة الظلم السافرة وحقيقة العدل المتوارية أمام منطق القوة والواقع، و ما حدث للرئيس الراحل صدام حسين وللعراق ليس سوى نموذج لتصدير العدالة وفق قوانين القوى الخارجية وليس الذاتية والذي يظل دفعاً من الخلف قد يقود إلى الهاوية...نعم الهاوية أيها الميكيافليون، يا من تظنون التدخل ولو قليلاً من هنا ومن هناك قد يفي بالغرض ذلك أن التدخل الذي لا يد للشعوب فيه من الصعب عليها إيقافه أو التحكم بحجمه وزمنه وقتما تشاء، ذلك أن لا مشيئة تفوق مشيئة الخارج والمانح والمصدر الأول للعدالة ولمعايير الزمن القادم..!! والشعوب التي لا تستطيع محاكمة حكامها ومقاضاتهم وتغييرهم بحاجه ماسة إلى تواجد تلك القدرة وتلك القيم وليس إلى استعارتها أو طلبها كإسعاف عاجل لما لن تستطيع معالجته مستقبلا..إنني أتفق مع من يقول بأننا نحيي تهديداً قوياً وحقيقياً على هويتنا وذاتنا، والسبب تحالف ظاهر بوضوح بين القوى الأمبرياليه العالمية وبين القوى الرجعية في داخل الدول أنفسها ولمواجهة هكذا تهديد يجب أن نبدأ بالداخل قبل الخارج، وبإنتاج قوى ذاتيه وليس الاستعانة بقوى خارجية تنتظر الفرص وما أكثرها للانقضاض دائما على الأضعف والأغبى. صديقتي سعادة، أخيراً هنا وليس أخيراً معك، أعتقد أنك قد علمت تماماً بأنني أقف وأساند كل من يعترف بسيادة الأوطان لمقدراتها وحاضرها ومستقبلها، ولست مع كل من قد يظن نفسه منقذاً لجزء من البشرية على حساب الجزء الآخر. ويا لسخرية الزمان والمكان.. صار الإنقاذ عن طريق القرعة!