كتبت صحيفة نيويوك تايمز الأمريكية في عددها الصادر اليوم الأحد عن كيفية تحول المسجد الكائن في قلب ساحة التغيير في صنعاء إلى مستشفى ميداني، يستقبل أعداد كبيرة من القتلى والجرحى من المحتجين السلميين الذين يواجهوا بعنف مفرط من قبل القوات الموالية للرئيس صالح و مناصريهم من البلاطجة بحسب وصف الصحيفة. وتقول الصحيفة أن الهدوء الذي يخيم على المسجد سرعان ما يتحول إلى مكان ترتفع فيه الأصوات عالية عند وصول أول نقالة إسعاف تحمل ضحايا الهجمات العنيفة التي يتعرض لها المحتجين وهم مضرجين بدمائهم ويضغط بعضهم على أسفل البطن لوقف النزيف. وتنقل الصحيفة وصف تفصيلي لآلام ومعاناة المصابين والقتلى بالرصاص الحي، الذين سرعان ما تكتظ بهم ساحة المسجد وداخله. ذلك المسجد الذي من المفترض أن يكون مكان للعبادة والخشوع، أصبح الآن مستشفى ميداني لاستقبال المصابين بطلقات نارية من قبل قوات حكومتهم. لماذا يقتل كل هؤلاء الناس؟ لا يمكن تبرير ذلك تقول غادة قاسم، الطبيبة التي أذهلتها فضاعة تلك المشاهد التي تراها أمام أعينها. وتقول غادة عن المصابين ليس لديهم أسلحة. حقا إنها كارثة. وتقول مراسل صحيفة نيويورك تايمز الصحفية لورا كازينوف، في وصفها للمستشفى الميداني «قبل تسعة اشهر، عندما خرج المتظاهرون إلى الشوارع بأعداد كبيرة، مطالبين بتنحي رئيسهم المستبد، علي عبدالله صالح، قام مجموعة من المتطوعين بتحويل المسجد إلى عيادة ميدانية، وساحة تجرى فيها عمليات جراحية طارئة بالإضافة إلى علاج حالات الاختناق بالغاز المسيل للدموع» وتنتقل الصحيفة إلى وصف وحشية قوات صالح الأمنية والعصابات المسلحة الموالية للنظام «قامت قوات صالح ومناصروه من البلاطجة بلباس مدني، وبشكل متكرر طوال اشهر الاحتجاجات، قامت بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين. وكانت الإصابات تارة تنجم عن عمليات قنص، وتارة أخرى نتيجة لإطلاق النار العشوائي من أسلحة كلاشنكوف، أو بشظايا قذائف الهاون. وفي بعض الأحيان كانت تحدث عند خروج المتظاهرين لاستقبال الرصاص كطريقة للتعبير عن قضيتهم. وتضيف الصحيفة أن المسجد يمتلئ دوما بالجرحى، الذين يتلقون العلاج على أيدي أكثر من 300 متطوع، منكبين على تقديم الإسعافات اللازمة من مقعده الخلفي في إحدى سيارات الإسعاف التي تم استعارتها من مستشفى العلوم و التكنولوجيا المجاور، يقول سهيل الدباني، و هو احد المسعفين و يبلغ من العمر 28 عاما «نحن هنا نقوم بمهمة إنسانية». وتضيف الصحيفة «انه يوم اعتيادي في بلد تعصف به الأزمات، ويخرج من أزمة دامية إلى أخرى. المتظاهرون لن يتركوا الشوارع. الرئيس يرفض أن يسلم السلطة، الرصاص يستمر في الانهمار على المتظاهرين، والمسجد يكتظ بالمصابين. فقد ارتفع عدد المصابين عندما انفجرت الحرب داخل المدينة في سبتمبر، بين القوات الحكومية وأخرى انشقت عن الجيش» وتستمر الكاتبة في وصفها لجهود متطوعي المستشفى الميداني وهم يهرعون بسيارات الإسعاف لإنقاذ المصابين. كما وتلتقي بمدير المستشفى الميداني، الدكتور محمد القباطي، الذي يعبر لها عن حزنه العميق لما يتعرض لها ضحايا القمع من قتل وإصابات. وتقول الكاتبة إن الدكتور محمد الذي يقضي ليالٍ كثيرة مع زملائه المتطوعين في الطابق العلوي للمسجد، لم يتمكن إلا من قضاء ساعات قليلة في منزله خلال الأسابيع الماضية لانشغاله الدائم بعلاج المصابين. ويصف الدكتور محمد القباطي بعض المناظر الوحشية التي رآها قائلا «لقد رأيت أناس بنصف أجسادهم ونصف رؤوسهم» وتوثق الصحيفة أحداث القتل التي دارت في حي القاع، عندما انطلقت مسيرتان من ساحة التغيير. وقد توجهت إحدى المسيرات حسب وصفها، إلى حي القاع، و هو حي سكني يكتظ ب«بلاطجة» مسلحين من مناصري الحكومة، والذين باشروا المحتجين بإطلاق الرصاص الحي. وقد اخبرها المتظاهرون إن قوات الأمن المركزي والوحدات الخاصة قامت بإطلاق مسيلات الدموع. وتذكر الصحفية إن 4 من المتظاهرين قد قتلوا في ذلك الحادث، وإن ذلك الرقم يعد صغيرا إذا ما قارنته بحوادث أخرى. فقد قتل قناصة 50 من المتظاهرين في شهر مارس الماضي حسبما ذكرت الصحيفة. وتتحدث الصحيفة عن مراحل نشئ وتطور المستشفى الميداني وكيف تحول من مستشفى اقل تنظيما وإدارة إلى مستشفى يستقبل حالات عدة من القتلى والجرحى، مما أسهم في اكتساب المتطوعين خبرة عملية في العلاج الميداني بساحات الحروب. وتصف نيويورك تايمز الاستعدادات الصباحية للمتطوعين داخل المستشفى الميداني ومدى جاهزيتهم للتعامل مع الحالات الوافدة إليهم، من خلال إعداد النقالات والأدوية الطبية اللازمة وتجهيز سيارات الإسعاف. كما تطرقت إلى دور المتطوعات من خلال إعدادهن للضمادات التي تتطلبها عمليات الإسعاف . وأضافت «عندما وصلت احد النساء إلى المستشفى وهي مصابة، كانت هناك فوضى للحظات فاستدعى المتطوعين الرجال بعض الممرضات المتطوعات للمساعدة، واللواتي هرعن إلى المشهد بعباءاتهن السوداء. ففي هذا المجتمع المحافظ يتم علاج النساء بمعزل عن الرجال» وخارج المستشفى, تقدم الدكتور نعمان نحو البوابة الرئيسية، محلقا في جثث اثنين من المتظاهرين قائلا «ما كان ينبغي أن يحضروا الشابين إلى المستشفى»، مبديا «امتعاضه من استخدام سيارات الإسعاف لنقل الحالات الميئوس منها. لقد عرفت أنهما سيموتان. لقد أصيبا في الرأس» واختتمت الصحيفة وصفها لأولوية العمل لدى إدارة المستشفى الميداني وحرصهم على استقبال الحالات بحسب خطورتها قائلة. أتى شاب يشكو من كحة نتيجة لاستنشاقه غاز مسيل الدموع، ولكن لم يسمح له بدخول الغرفة الرئيسية، نتيجة لازدحام المستشفى بضحايا إطلاق النار.