هزت الصور التي التقطتها كاميرات التلفون المحمولة للقذافي وابنه المعتصم قبل وبعد مقتله وجدان الكثيرين, فرغم كل جرائم القذافي وأبناءه إلى أن التعاطف كان جلياً لدى الكثيرين. ورغم أن أنور العولقي ((المشتبه به)) في قضايا الإرهاب قتل قبل القذافي بحوالي عشرين يوماً ولحق به ابنه عبد الرحمن أنور العولقي (16 سنة) بأسبوعين, إلا أنهما لم يلقيا التعاطف نفسه, ليس لأن الناس يحبون القذافي وأبناءه أكثر من العولقي وابنه, لكن السبب يعود إلى الصورة وتأثيرها على المشاهد في كل مكان. لن أقارن هنا بين القذافي الذي يعرفه القارئ جيدا ويعرف كل جرائمه وبين أنور العولقي الذي قد يجهل القارئ أنه لا توجد تهمة ضده إلا الاشتباه فقط, ولا بين المعتصم الذي كان يشغل منصب (مستشار الأمن القومي) و بين الطفل عبد الرحمن العولقي الذي كان يشغل قلوب من حوله بالحب. بين القذافي صاحب أكبر حفلة إعدام في التاريخ العربي الحديث في 29/6/1996 في سجن ((ابو سليم)) حين تم تصفيه 1200سجين (( للأسف لم يكن لدى القتلة تلفونات محمولة لتوثيق الصراخ الجماعي للسجناء أثناء تصفيتهم)) وبين أنور العولقي الذي قال المحققون أنهم فقط وجدوا رقم تلفونه في منزل أحد منفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر. بين المعتصم الولد المدلل لأبيه المعروف بحبه تعذيب خدمه الفلبينيين وبين عبد الرحمن الذي عرف بأخلاقه المرهفة والهادئة في أسرته. بين المعتصم الذي إن بحثت في اليوتويب (قبل مقتله) ستجد حفلاته الباذخة بذخاً أسطوريا, وبين عبد الرحمن الذي إن بحثت عنه في فضاء الانترنت لوجدته يرتدي تي شرت وبنطلون جينز و نظارة توحي إليك بأن الله قد خلق هذا الطفل من كتلة تسامح وبراءة. بين القذافي وابنه اللذين قتلهما ثوار عظام ثاروا على جبروته وطغيانه منذ 42 سنة, بهم من الغيظ على القذافي ما يعرفه الجميع جيداً, وبين العولقي وابنه اللذين قتلتهما طائرة بدون طيار, طائرة لم تتعرف على عبد الرحمن عن قرب, لم تر ابتسامته وهو يرتدي النظارة في وسامة طفولية. ولم تقرأ على أنور حقوقه المدنية قبل تفجيره كما تفعل الشرطة الأمريكية مع المقبوض عليهم بحكم جنسيته الأمريكية. لن أقارن بينهم, لأن ما كتبت من أجله هذه المقالة هو عبد الرحمن, آخر جرح في كرامة هذا الوطن. لعلها آخر هدية قدمها نظام صالح لأوباما. وتساءلت لماذا لم يتأثر الجميع بمقتله بصاروخ تفجر في جسده النحيل. وكانت الإجابة تكمن في مقدرة الصورة على التأثير على المشاهد لتجعله يبكي على من لا يستحق البكاء ويصمت على من يستحق النواح. ففي الحادثتين (القذافي وابنه والعولقي وابنه) ظهرت قدرة الصورة على تغيير العواطف فرغم ما حدث لأنور وما حدث لعبد الرحمن إلا أن القليل تأثروا وأظهروا حزنهم على مقتلهم. أما الصور والمقاطع التي نشرت لمقتل القذافي وابنه فقد جعلت قلوب الكثيرين تهتز حتى لمن كان يكره القذافي. نجحت الصورة في سلب عاطفة المجلود و المقهور نحو الجلاد. لم يثر مقتل عبد الرحمن أحداً في اليمن, لا الناقمين على النظام, ولا جمعيات حقوق الإنسان. بينما تحركت جمعيات أمريكية اعتبرت مقتله جريمة عظيمة, ولم يهتم اليمنيون لهذا الفتى الذي صرحت وسائل الإعلام الأمريكية بأن عمره 21 سنة, وتبرعت الواشنطن بوست بالرد على هذه الكذبة ونشرت شهادة ميلاده التي تثبت أن عمره 16 فقط. مازلت أشاهد صوره الموزعة في الفيس بوك وأفكر في أسى : لماذا قتلوك يا عبد الرحمن ؟؟ ألأنك جعلت شعرك فوضوياً, أم لأنك لم تتشاجر مع أحدٍ طوال حياتك؟؟ ألأنك كنت تهوى - حين تلعب مع أصدقائك - إخافتهم ببعض الحشرات كالجراد والخنافس. أم لأنك وضعت صورة الرايكاجي (raikage) بطل مسلسلات الأطفال كصورتك الشخصية في حائط الفيس بوك؟؟ هل أرعبتهم هذه الصورة لتجعلهم يطلبون دمك؟؟ تخيلوا معي الطفل عبد الرحمن وهو يعد الغداء مع مجموعة من أقاربه لا يدري أن هذه الوجبة التي لن يأكلها هي آخر ما سيربطه بالحياة, يأتيه الصاروخ ليمزقه, قد يكون شاهد الصاروخ وهو يتجه نحوهم وقد يكون ميزه أنه أداة نقل من الحياة إلى الموت. ربما رأى الموت في جزء من الثانية. ربما تساءل لماذا أغادر الحياة؟ ما تهمتي؟ ماذا اقترفت في الستة عشرة سنة التي عشتها على هذه الأرض؟. ربما شاهد عبد الرحمن ذلك الصاروخ وربما أتاه من الخلف غدراً كما هي عادة القتلة الجبناء , فلم يعرف أنه سيغادر الحياة. ربما كان هناك من شاهد الصاروخ يتجه نحوهم, بيد إن سرعة الصاروخ لم تمهل الرجل فرصة لإخراج تلفونه و تسجيل هذه اللحظة التي لو سجلت, بالتأكيد لجعلت الشارع العربي يبكى عبد الرحمن كما بكى القذافي وابنه. مات عبد الرحمن بصاروخ مزقه ولم يكتب أحدٌ في الفيس بوك أن قتل الملائكة من الكبائر. و أنه من المعيب سرقة روح هذا الطفل المتهم بحبه لمن حوله. لم يكتب أحد في الفيس بوك عن الصاروخ الذي احتضن عبد الرحمن ومزقه, لم يكتب أحد في هذا الفيس بوك ((الذي صار مسرحا لدموع الكثيرين عن القذافي الذي قتل برصاصة في الرأس)) لم يكتب أحد فيه عن أم عبد الرحمن التي كانت تريد أن تضم جسد ابنها في صدرها, تقبله على جبينه, تهمس في أذنيه بأنها راضية عنه وتحمله سلاما يوصله إلى أبيه.