حين الحديث عن الثورات هكذا وفي سياق هذا الكم الهائل من الدسائس والصفقات . لا شك يبدو الأمر قريباً للمُجازفة أحياناً وأحياناً أخرى أٌقرب للخديعة .. من أن يكون فعل ثوري خالص يستحق الإشادة ... دون الإلمام بعمق الفجوات الهائلة .. في الربيع العربي, وعلى اعتبار بدئي غاية بالأهمية ( أن مصفوفة الاستبداد في هذه المنطقة كانت مُتشابهة حد الاستنساخ . أو بالأحرى هي ذاتها أحجار الدومينو المتراصة بكثافة تنسيقاتها الأمنية وكثافة أجهزتها القابضة على مفاصل السلطة , و المعنى الرهيب والمُتجذر في بقائها إيضاً , وهذا الأكثر خطورة : تًشكل خط واحد يبدأ من المغرب العربي وينتهي في حدود المشرق القديم بنفس المعيار , دون حاجة للتذكير الدائم بال ( بالمفهوم التوليتاري ) المرافق لها. ومع استثناء طفيف لتجربة لبنان الرائدة .. لذا لا يمكن تعريف ثورة قُطر عربي بمعزل عن قٌطر آخر أو المراهنة على نجاحها ودحض أخرى ...وكي لا تنتصر المُبررات التي تسوقها الأنظمة المتُساقطة اليوم وتُصبح مُشرعنه ناجعة وحقيقة تقبل التصديق حين تُغذيها التدخلات الإقليمية فتكون بمثابة الفجوة الأولى وحين تكون دولة كسوريا مثلاً ( واقفة على خط التهديد وعلى مرمى حجر الصراع الإيديولوجي والصنم( الأمريكي ) العتيد والذي بفضله أيضاً أو بفضل سكوته وتواطئه تم إحباط تجربة البحرين وإزهاق أنفاسها الأولى وللتذكير الدائم تجربة البحرين المؤلمة ستظل علامة التعجب القصوى والأسف النازف في الربيع العربي , وكيف تم اختزالها بظلم التعريف ( فتنة طائفية ) ومع إدانة حزب البعث بالتصالح مع إيران وكون دمشق تحمل أرثاً قديم للقومية العربية وتمثل مُطلب للإبنة المُدللة لواشنطن أو على الأقل تشكل العائق أمام مُبرراتها وحساباتها القديمة في الجولان ومواقف البعث من حزب الله والمقاومة وكذا لتغيب الرأي العالمي عن قضية الجارة فلسطين , تُصبح الثورة فيها شرطاً وارداً لابد منه بل ومشروع أمريكي بحت ترعاه بكامل قُدرتها على التظليل ... و في الوقت الذي نجد فيه الثورة في سوريا شرعية دون أي اعتبارات أو قياسات لإرادة الشعب فيها ما إن كان قد قرر ذلك من عدمه , نكتشف أن الموضوع مُخالفاَ له باليمن وأنه على أطراف المعارضة تقديم نموذجها البديل الجاهز رغم مُضي تسعة أشهر كافية لتكون عُمر جنين في المخاض الأول , وإلا فالحال باقياً على ما هو عليه دون زيادة أو نقصان بغض النظر عن إرادة شعب قرر أو تواطئ , فبين التهور السريع ضد ليبيا وحدة النقد الموجه لسوريا الآن والتحفظ والرزانة المتصنعة في اليمن .. نكتشف أن الفعل الثوري المُتشكل بالساحات لا يُقدم شيء ولا حتى يخلق أي مُعادلة للإنتصار والحسم , ومن هُنا أيضاً ينبغي إثارة السؤال الكبير حول الثورة في مصر والتي شكلت واجهة للربيع , هل كان تنحي مُبارك بتلك السلالة ناجماً عن الفعل الثوري وضغط الانتفاضة الشعبية كما شاهدنا , رغم عظمة الجهاز الأمني هُناك ورغم أنه واحداً من أكثر الأنظمة حصانة وتمرس بحكم تجاربه وخبراته المُتقادمة , ورغم قدرته على القمع أكثر من أي نظام آخر , ولماذا نجح الفعل الثوري في الانقلاب السريع وأحبط ولازال في استيعاب شكل الثورة ومستقبلها . وخلق بدائل للإصلاح . ؟ أما الفجوة الثانية والأكثر إثارة للحنق ... بروز قوى عربية تقليدية لا تملك أي رصيد ثوري ولا حتى رصيد للقيم المدنية أو حتى تجربة برلمانية تُرشحها لتكون حاضنه للفكر الثوري المُتشكل إن صح الوعي به الآن . وكونها فقط خاضعة للوصاية الأمريكية ... وأمريكا مُجدداً كما وصفها درويش ( هي الطاعون والطاعون أمريكا ) ووقوفها في واجهة الصراع بحكم المُضيف للثورات , يُعد خرقاً لأخلاقيات التحرر ويعد ضرب من الإبتزاز لمشاعر أي مثقف واعي يُدرك عميقاً خطر الوصاية بكل أبعادها وآفاتها .. لذا لا يعُد التهويل لدور قطر هذه الدولة بحجم اللامعقول أو أي جهة أخرى في الربيع العربي . إلا ترميز وتهويل للدور الأمريكي الضليع فيه اليوم لغرض السيطرة على مجرياته وبدرجة تفوق المئوية وحقيقة لا تغيب كثيراً على مُتابع حريص كُل الحرص على أن ينال شعبه حريته وينال حقوقه بما يتوافق مع حاجاته بدرجة أولى ومع مطالبه الأصيلة دون فرض نماذج دخيلة للتحرر ... لذلك رأينا قناة الجزيرة / بظرف انشغالها الأخير بالتصفيات أو بإنجاز الثورات التي تمت فعلاً كي لا أستحق تهمة جاهزة .. كيف تحولت من قناة حاضنة للوعي العربي الحديث إلي قناة قابضة لعصىً إيديولوجية غليظة تستهدف الخصوم للخصوم .. بما يتوافق والنزعة الأمريكية ليس إلا ... أما الفجوة الثالثة والأشد غوراً فهي إعلامية بحته تم حسم قضية فلسطين فيها بحكم التغييب اللا مألوف منذ النكسة وتم طي ملفاتها بتاتاً . بما يُثير الرعب حول مستقبل غزة ومستقبل الفلسطينيين خارج الدولة . وأنا أضع الحد أو النهاية المبتورة لهذه التأملات العاصفة والغائصة في دوار لا مستقر له يحضرني السؤال الساذج من جديد .. بعد التأكد بما لا يدع مجالاً للشك بوفرة الحظوظ الأمريكية في هذا المناخ الثوري . هل لا زلنا نعول على أمريكا في الانتصار لحقوقنا ... ؟ وهل كان الربيع ربيعاً عربياً أم أنه زوبعة أثارها (أوباما) واللعين بالطبع ؟