لعل السماء تبكي لحال تعز وهي تمطر بغزارة على المدينة اليوم الاثنين، فحتى مناسبة كالعيد لم تشفع لها الحياة بدون نيران وبدون ألم. يولي نظام علي صالح مدينة تعز طائلة من القتل وجرعة أخرى من سفك الدماء، وبث الرعب ليطفئ فرحتهم المكلومة في العيد ومنهم الأطفال. وعلى أنها المدينة التي احتضنت الثورة في مهدها، يمارس النظام ما هو أشبه بالانتقام بمستواه الذي يتجاوز حد الحقد المنزوع من منتهى الإجرام، وفي لحظات الفرح اللحظية بالتزامن مع عيد الأضحى. برزت مدينة تعز وأبناءها كمنطلق للتبرم باتجاه نظام صالح القمعي، وألفها الأخير بمنطلق إيصال أعداد كبيرة من شبابها في عداد القتلى والمصابين، وهي إضبارة ألجمها نظام صالح للمدينة المتسمة بالمدنية الحقيقية. وفي مستهل الهجوم اليومي على المدينة وأبناءها الثوّار السلميين يتأبط روح تعز في الصمود أمام القتل اليومي والقصف المدفعي المفاجئ الذي يطال في أغلبه الأحياء السكنية. عملاً بقتل الفرحة بدت المدينة قبيل العيد وقد ضمخت شوارعها بالدماء واستلهمت أفئدة ساكنيها بحرقة الشعور والألم الذي لم يفارقها حتى اللحظة. لم يفصل المدينة لبلوغ العيد ساعات قليلة حتى كان أحد براعمها الأطفال وأحد شبابها قد سقطا شهيدين ليضافا إلى حساب آلاف الشهداء الذين أريقت دمائهم برصاص وقذائف الغدر. وبحسب أطباء في المدينة فقد استشهدت السبت الماضي طفلة تبلغ من العمر 10 وجرح خمسة آخرين من أسرة واحدة في تجدد القصف المدفعي لقوات علي صالح على الأحياء السكنية ليلة الجمعة الماضية. فيما استشهد الدكتور مروان محمد السميعي من أبناء مديرية ماوية 25 عاماً، وهو طالب في كلية الطب بجامعة صنعاء برصاص قوات الحرس الجمهوري المتمركزة في جولة القصر بالمدينة أثناء مروره بسيارته الأجرة من أمام نقطة تفتيش حيث قامت بتفتيشه والسماح له بالمرور ثم أطلقت عليه الرصاص الحي وأردته قتيلا دون أي سبب. وفي ثاني أيام العيد أصيب شخصان برصاص مسلحين في منطقتي الضبوعة ووادي القاضي. وقال شهود عيان بأن صفوان سيف القيسي، أصيب برصاص مسلحين كانوا يستقلون سيارة مدنية قبل أن يلوذوا بالفرار، فيما أصيب جلال أحمد حسن برصاص في ساقه الأيسر في منطقة وادي القاضي، من قبل مسلح كان يستقل دراجة نارية. وكتعبير عن صمود شباب الثورة شهدت المدينة اليوم الاثنين مظاهرة رمزية ونوعية من قبل شباب الثورة. وجابت المظاهرة شوارع المدينة كان في مقدمتها الكثير من عاريي الصدور كرسالة قوية لآلة القمع في المحافظة بأنهم لا يخافون مدافع وقذائف النظام التي يصبها على المدينة ليل نهار. وهتف الشباب «نحن شباب التصعيد.. ما نخاف أي تهديد». وبعثوا رسالة تطمين للداخل والخارج بأن هذه الثورة هي ثورة أخلاق وستحارب البلطجة والسرقة بحسب هذا الهتاف «ثورتنا ثورة أخلاق لا بلطجة ولا سرق». ولم يتوقف الزخم الثوري في المدينة بالرغم من القصف اليومي لأحيائها لتكتظ ساحتها «الحرية» بآلاف الثوّار وبعائلاتهم وأطفالهم، فضلاً عن مهرجانات وفعاليات ترفيهية نظمت في الساحة. وتعد جبال المدينة منطلق للقذائف التي تنهمر بغزارة على أحياء المدينة. في تساؤل صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية هل تكون تعز بنغازي أخرى؟.. بحثت الصحيفة في محاولة لربط مشوار مدينة تعز الثوري مقارنة بمدينة بنغازي الليبية التي انطلقت منها شرارة ثورة 17 فبراير. وفي محض الربط كان منطلق الثورة في مدينة تعز يسبق اندلاع ثورة ليبيا بستة أيام حينما بدأ اعتصام ثوّار المدينة في ساحة الحرية في 11 فبراير من العام الجاري. ووصفت الصحيفة تعز بأنها تشكل الجبهة الأمامية للثورة الشعبية من وجهة نظر صالح وأنصاره على أقل تقدير، وأن المدينة باتت تلعب دورا محوريا في الثورة كالدور الذي لعبته مدينة بنغازي في ليبيا قبل مقتل القذافي. وأضافت أن تعز قد تلعب أيضاً دور العاصمة اليمنية البديلة للمعارضة التي تتجمع فيها وتنظم نفسها وتستقطب المزيد من الأنصار المطالبين بإسقاط صالح. وتراهن المعارضة اليمنية –حسب الصحيفة- على سقوط تعز بأيديها بالكامل بحيث يمكنها الانطلاق منها للضغط على الرئيس اليمني من أجل التنحي، ومن هنا، تحرص قوات صالح على عدم سقوط المدينة الإستراتيجية في أيدي أنصار الثورة. ومع جنوح الليل على المدينة تستعر مدافع القوات الموالية للنظام، لتقصف نواحي متفرقة في المدينة تصاب أغلب مساكن المدينة السكنية بقذائفها، ويسقط ضحايا كثر، هكذا بشكل يومي، ودون توقف. وتشهد المدينة استنفاراً أمنياً، وانتشاراً مكثفاً لقوات وآليات عسكرية تابعة للنظام. كمدينة تعز يخلص أبناءها في استنادهم للثورة، فقد أفقدت نظام صالح كثيراً من قواه وكبريائه الباهت. كمثل الشاب رأفت سعيد عبد الرحمن الشرعبي، الذي قتل بطلقة معدل في منطقة الحصب من قبل قوات اللواء 33 مدرع، كان ذات الشاب يستعد لزفافه اليوم الاثنين، بيد أن رصاصات الغدر لم تمنحه أكثر من إرسال بطائق دعوة الزفاف لأصدقائه وأحبائه، ويذهب إلى عرسه في مكان أخر، ليس في الدنيا طبعاً. واستشهد رأفت يوم الأربعاء الماضي الموافق 2 نوفمبر من العام الجاري برصاص قوات من اللواء 33 أثناء إغلاقه لباب دكانه في منطقة الحصب، إذ كان يستعد لزفافه الذي سيقيمه اليوم الاثنين الموافق لثاني أيام عيد الأضحى. وقبل استشهاد رأفت بيوم واصلت قوات صالح قصفها العنيف على المدينة وقصفت شارع جمال عبد الناصر وسط المدينة خلف 9 شهداء و72 جريحا بينهم 7 أطفال هم ريان عوض الحاج 8 سنوات – والطفل عبد العزيز محمد عبد الجليل 15 سنة – والطفل محمد أحمد مرشد 14 سنة- الطفلة-خديجة محمد ناجي ناصر الشر عبي – ياسين على الزبيدي 12 سنة – أسامة وحيد عبد الله الصنعاني 10 أعوام، وخلّف القصف أيضاً أضراراً كبيرة في المباني والمنازل والبنوك الواقعة في شارع جمال بما في ذلك مقر صحيفة حديث المدينة الذي تعرض مكتبها للقصف والاستهداف من قبل تلك القوات. ويتهم معارضون وشباب الثورة حمود الصوفي بالمتاجرة بدماء أبناء تعز بالتواطؤ على الأعمال التي تقوم بها قوات الرئيس صالح باستهداف محافظة تعز وأبناءها. ويردف الناشط الإعلامي وأحد شباب الثورة بساحة الحرية بتعز زيد عزيز مطهر قائلاً :«وأنت في تعز .. في المنزل .. في الشارع .. في أي مكان فيها، عليك أولاً أن تكتب وصيتك بشكل مسبق فضلاً عن ترديدك للشهادة في كل حين، فقد تأتيك قذيفة من هذه الثكنة العسكرية أو تلك النقطة أو عبر بلاطجة النظام المنتشرين هنا وهناك». وقال في حديث ل«المصدر أونلاين» بأن تعز محاطة بالدبابات والمدفعيات من كل صوب، في المرتفعات الجبلية والمراكز الحكومية (المدارس والمستشفيات ومقرات الوزارات) وكل ذلك من أجل إسكاتها صوتها الثوري كلما أراد أن يرتفع. يضيف: «أنى لأصوات المدافع أن تصمت هتاف الثورة وأحلامها». ويؤكد زيد بأن شباب الثورة في المحافظة ماضون في برامجهم التصعيدية التي اختاروها ومارسوها منذ اندلاع الثورة. وحمل على عاتق أنصار الثورة من المشايخ والعسكريين وكل من أسند لذاته حماية تعز الدفاع والرد على كل من تسول له نفسه التنكيل بشباب مدينة تعز ونسائها وأطفالها وشيوخها. وقال الناشط الشبابي أحمد عدنان أحمد بأن تعز ستظل صامدة مهما مارس النظام البائد فيها. وتساءل أحمد وهو من أبناء تعز ويقيم في صنعاء باستفهام مفاده: «لماذا لا يحمي الجيش المؤيد للثورة تعز». وكان علماء وخطباء محافظة تعز قد وجهوا، نداء استغاثة واستنصار إلى الجامعة العربية والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومجلس الأمن الدولي وهيئة علماء اليمن وإلى كل أبناء اليمن ومنظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان في العالم، جراء القصف والمذبحة التي ترتكبها قوات صالح بحق أبناء المحافظة. وقال بيان صادر عنهم بأن نظام صالح قد فقد كل معاني الإنسانية وقصف كل ما تصل إليه نيرانه في المحافظة، دون أي وازع ديني أو أخلاقي، بمختلف أنواع الأسلحة والطيران، دون تفريق بين صغير أو كبير أو رجل أو امرأة. يقول أحد شباب تعز، وهو يلتحف شجاعة بادية في ملامحه «هي تعز، ذات مكان لا يتوقف ثورةً».