مؤسسات الدولة بلا مؤسسية، ثم إن الدولة استمرت مغيبة على مدى عقود خلال حكم علي عبد الله صالح. تلك أفدح الكوارث التي يعانيها اليمنيون اليوم، إذ من أهم أسرار النظام – وأبشع جرائمه على الشعب- أرباح تلك المؤسسات حين لا تذهب الى خزينة الدولة كما ينبغي. معروف أنه بالنزوات والرغبات تعامل علي عبد الله صالح مع المال العام وثروات الشعب بلا رقيب أو حسيب، حتى صارت أجهزة رقابية كاللجنة العليا لمكافحة الفساد أو الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة مجرد مزحة ثقيلة ليس إلا. على أن المعارضة - وقد توزّرت مؤخراً- صارت تفصح بأنها ستغامر بتطهير فساد متراكم ومهول له أنياب ومخالب أخطبوطية كهذا ، فيما يبدو الأمر من المشاق الصعبة والمستحيلة في دولة هلامية جداً كاليمن – بل وفي هذه المرحلة غير المستقرة بالذات- خصوصاً وأن الزعماء الحقيقيين في البلد الآن هم الفاسدون بتلك المؤسسات، وقد خُضعت لإدارة قراصنة وعابثين وأوغاد وليس لمتخصصين وكوادر ونزهاء. رغم ذلك فإنه لابد من مساعٍ وطنية بنوايا حقيقية عقلانية -ولو مبدئياً -لترسيخ خطة تطهير مستقبلية فاعلة لصيغ الفساد الهائل من هذه المؤسسات. وكمثال واحد فقط: لا أحد يستطيع أن يعرف شيئاً ساطعاً لا مبهماً –كما هو حاصل- عن المؤسسة الاقتصادية اليمنية سوى أنها صارت منفذاً مالياً للبلاطجة مع فعل الثورة، بينما تحوي أهم أصول البلد الاقتصادية على الإطلاق، علماً أنه قد آلت إليها وفقاً لصيغة النهب القسري ودونما أي شرعية قانونية أهم الممتلكات الاستثمارية والاقتصادية لدولة اليمن الديمقراطي بعد حرب 94م بما فيها المؤسسات والشركات والأراضي والمنشآت الحكومية والتعاونيات. كما لا ننسى أيضاً كل البنى التحتية العسكرية من معدات الجيش والأمن والمطارات، ليتم باسمها كذلك - ومن قبل حمران العيون والأخلاق والضمائر الأكثر جشعاً وحماية - سلب معظم ما كانت تملكه الوحدات الإنتاجية في الجنوب لصالحهم وأربابهم، فضلاً عن سرقة عقارات وثروات خاصة لمواطنين بالطبع. تذكيراً فقد تأسست هذه المؤسسة العجيبة بداية السبعينيات باسم المؤسسة الاقتصادية العسكرية، إلا أن وزارة الدفاع ظلت لا تعرف عنها شيئاً مفيداً، و أما اليوم فلا يمكن لوزارة التجارة والصناعة أن تعطينا عنها أي جوابٍ شافٍ للأسف. هكذا في كل مؤسسات الدولة التي ظلت تدار بقرارات سياسية لا مهنية، لكأنها مؤسسات خاصة لا عامة ، أو أن مهمتها الاستغفالية الوحيدة - كالمؤسسة الاقتصادية - هو أن تبيع بالآجل مقابل التقسيط بنسب ربحية مضاعفة للموظفين الغلابى. فوق ذلك فان استثماراتها كبيرة في الخارج أيضاً، وفي عديد بلدان، بينما لازالت لغزاً محيراً لأهم العقول الاقتصادية في البلد نظراً للغموض الكبير الذي صنعه النظام حولها، وكذا ميزة الحصانة لقياداتها من الاستجواب والعقاب، بحيث صارت ترتبط باللا شفافية واللا مساءلة (كما توصل لذلك برلمانيون في وقت سابق)، إضافة الى الاحتيالات الإدارية والحسابات المضيعة والصفقات المشبوهة. وفي السياق لنا أن نأخذ في الاعتبار -مقارنة بالهبرات الكبيرة التي تحصل فيها- تلك الحتميات غير المنطقية التي تتحفنا بها مستخلصاتها الدفترية المالية الختامية الخادعة بالتأكيد، وكأنه لا ينقصها أن تجاهر بأن قطاع التجارة محدود داخلها، فيما قطاع الصناعة يفشل لأن القطاع الطبي مكتئب ويجب أن نتضامن معه بدلاً من أن نحاسبه، أما القطاع السياحي فهو بلا فرص كافية كما تعرفون «!»، وكذلك قطاع الإنشاءات مسكين ويدفع من جيبه للمستفيدين، ومثله بالتالي قطاع المطاحن والصوامع الذي بدخل نادر، مروراً بقطاع النقل البري والبحري والملاحة الذي في طور النشوء والتطور دائماً منذ عقود، وليس انتهاءً بقطاع الخدمات الزراعية الذي بمشاريع متعثرة نظراً للثلج المتهاطل طوال العام على الأراضي اليمنية.. إلخ إلخ. الأنكى أنه في ظل اللا دولة واللا مؤسسية صارت معظم مناقصات مؤسسات الدولة تنجز بمقاولات الباطن لصالح نافذين ومتربّحين مدعومين من العائلة الحاكمة ولصالحها في الغالب؛ وطبعاً: كان كل ذلك الجنون الإفسادي يتم وفقاً لقاعدة «على عينك يا شعب الله المعروط». المصدر أونلاين